أزمة جديدة ظهرت مؤخرا بين وزارة التموين والتجارة الداخلية، من ناحية، وتجار الأرز وأصحاب المضارب، من ناحية أخرى، بعد قرار رئيس الوزراء رقم 66 لسنة 2022، بتحديد سعر توريد الأرز الشعير الأبيض بـ15 جنيها للكيلو، ومنع القطاع الخاص وشركات المضارب من جمع أي كميات إلا من خلال اتباع إجراءات حكومية معينة، شملها القرار.
كما حدد قرار وزير التموين رقم 109 لسنة 2022 تنظيم عملية تداول الأرز الشعير المحلي في الأسواق، والجهات الحكومية المسموح لها باستلام الأرز، وهي المضارب الحكومية والشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين والبنك الزراعي المصري. بالإضافة إلى الجهات التي تسمح لها الهيئة القومية لسلامة الغذاء بالتخزين، على أن يكون التسليم للمضارب الخاصة بحضور لجنة حكومية.
اقرأ أيضا.. مصر.. أعلى تضخم منذ 4 سنوات وتوقعات بارتفاعه إلى 20% في ديسمبر
واعترض العديد من التجار على قرار التسعير لكونه يقل عن السعر المتداول في السوق بــ2000 جنيه لكل طن واحد، حيث يتراوح سعر طن الأرز خارج الشون والمجمعات الرسمية ما بين 8900 إلى 9300 جنيه، ما يعرضهم لخسائر كبيرة -بحسب كلامهم- حال إصرار الحكومة على التوريد بالسعر الرسمي، بواقع 6600 جنيه للحبة الرفيعة و6850 جنيها للحبة العريضة للأرز الشعير.
وفي أول رد فعل منها، تقدمت شعبة الأرز في اتحاد الصناعات، بمذكرة إلى مجلس النواب طالبت فيها بتحرير سوق اﻷرز، وترك الأسعار لآليات العرض والطلب. كما أوضحت الشعبة في مذكرتها أن أي تدخل بالتسعير الجبري يخلق سوقا سوداء، خاصة لو السعر العادل للسلعة أعلى من السعر المفروض من الدولة.
كما قالت إنها تعد حاليا وفقا لأحد أعضائها الذي فضل عدم ذكر اسمه، مذكرة أخرى لعرضها على وزير التموين على المصيلحي، للمطالبة بتخفيف الإجراءات التي تهدد بإغلاق عدد كبير من مضارب الأرز بسبب منع التداول إلا عن طريق اللجان الرسمية.
من ناحيته لم يعلق الدكتور رجب شحاتة رئيس شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، على أزمة الشعبة مع وزارة التموين، لكن وفي اتصال تليفوني مع “مصر 360” وعد بتقديم شرح لأبعاد الأزمة، لكننا لم نتلق رده حتى اللحظة.
من ناحية أخرى، تواصل “مصر 360” مع المستشار الإعلامي لوزارة التموين مدحت وهبة، لكنه أكد أن رئيس شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات، هو الطرف الوحيد المخول له الحديث عن الأزمة.
تعطيش السوق
من ناحيتهم، ألقى التجار مسئولية نقص المعروض من الأرز الشعير في الأسواق حاليا على الفلاح. وقالوا إن المزارعين يرفضون تسليم الأرز بالأسعار التي أعلنتها الحكومة، كما أكدوا أنهم فضلوا تخزين الأرز لتعطيش السوق، خاصة أنه سلعة قابلة للتخزين ولها سوق ممتد طوال العام.
بحسب عزت علي شيمي، تاجر أرز، فإن قرار الحكومة ربط تداول الأرز الشعير برغبة الفلاحين في التوريد من عدمها. إذ يقوم المزارع بتوريد الحصة “الجبرية” فقط البالغة طن عن كل فدان لوزارة التموين. بينما يمتنع عن بيع باقي المحصول للتجار بالأسعار الحكومية غير المرضية له. كما أكد أن السعر المتداول خارج الشون حاليا يبلغ 9000 جنيه للطن الشعير، أي أكثر بحوالي ألفين جنيه عن سعر الحكومة.
يقول عزت لـ”مصر 360″: “التجار مترددين في جمع أي كميات من الأرز تخوفا من مباحث التموين التي تحرر محاضر لأي تاجر لديه مخزون ولو بسيط من المحصول قبل مصادرتها. الأمر يهدد بوقف أغلب المضارب حال استمراره أكثر من ذلك”. كما لفت إلى أنه على سبيل المثال توقفت جميع مضارب محافظة الفيوم عن العمل باستثناء مضربين فقط في مركز أطسا.
أبو صدام: التجار سبب ارتفاع السعر
يهدف قرار وزارة التموين، بحسب ما أعلنت، إلى توريد 25% من محصول الأرز إلى الوزارة. بالإضافة إلى استلامه من خلال لجان رسمية، في إطار جهود الحكومة لجمع 1.5 مليون طن أرز لتدبير احتياجات هيئة السلع التموينية لطرحه على بطاقات التموين والمجمعات.
حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين اعتبر قرار توريد الأرز الإجباري ضريبة وطنية يدفعها الفلاح لتحقيق الأمن الغذائي والوقوف بجانب الدولة وقت الأزمة، خاصة في ظل صعوية توفير العملة الصعبة اللازمة للاستيراد.
أبو صدام قال لـ”مصر 360″: “المصلحة العامة تقتضي وضع هذه القرارات للقضاء على تهريب الأرز والاحتكار، وضبط الأسواق والأسعار. خاصة وأن تكلفة زراعة الأرز بسيطة بالنسبة للمحاصيل الأخرى. إذ تصل تكلف فدان الأرز لـ5000 جنيه للأراضي الملك، أما المؤجرة تصل تكلفته إلى 10000 جنيه”.
وينتج الفدان وفقا لنقيب الفلاحين ما بين 2 إلى 4 أطنان، في أسواء الاحتمالات، إذا احتسبنا المكسب طبقا للحد الأدنى 2 طن فإن سعر البيع الرسمي 6850 جنيها لطن الأرز سيكون مربحا للمزارع.
كذلك أوضح أن احتكار واستغلال التجار للأرز سبب أساسي في ارتفاع أسعاره في الأسواق، رغم أن حجم الإنتاج يكفي الاستهلاك المحلي، مضيفا أن الأرز سلعة قابلة للتخزين لفترات طويلة.
الدعم يتحمله الفلاح
لكن الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة القاهرة، اعتبر هامش الربح العائد على المزارع الذي حددته الحكومة ضعيف، في ظل أسعار التداول المرتفع خارج الشون والبواكير والهناجر بأكثر من 2000 جنيه عن السعر الرسمي لطن الأرز الشعير.
“صيام” قال لـ”مصر 360″ إن الحكومة تحمل المزارع دعم الأرز المقدم على بطاقات التموين، من خلال إجباره على التوريد بأسعار أقل من السوق لتوفير احتياجات وزارة التموين. كما أكد أن الدولة لا تتحمل فارق السعر بين المطروح عند بقالي التموين والمجمعات، وفي الحقيقة تحمله للفلاح الذي حرم من هامش الربح بين السعرين الرسمي والقطاع الخاص.
ووصف “صيام” قرار الحكومة بالتسعير الإجباري للأرز بـ”حصار المزارع”، لإجباره على التوريد بأقل من سعر الاستيراد. قائلا: “فقراء الريف يدعمون فقراء المدينة” حيث يحل المزارع محل الدولة في تحمل تكلفة دعم الأرز. يأتي هذا بحسب “صيام” في وقت انسحبت فيه الدولة من دعم مستلزمات الزراعة وترك المزارعين فريسة للسوق السوداء في توفير التقاوي والمبيدات.
يبين “صيام” أن الحكومة تشتري اﻷرز الشعير من الفلاحين بـ6600 و6850 جنيها للطن، وتبيعه لوزارة التموين بـ12 جنيها للكيلو وهو سعر غير واقعي، بينما كان يجب تحديد سعر الكيلو على أساس سعر السوق الحر، بالإضافة إلى ضرورة إعلان الأسعار قبل زراعته لتحقيق الشفافية واختيار المزارع الزراعة حال قبوله بالسعر.
كما أوضح أن إشرف هيئة سلامة الغذاء على عمليات تخزين وتوريد وضرب الأرز قد يتسبب في بعض المعوقات، بسبب الإجراءات المعقدة في منح الموافقات لمخازن تخزين الأرز. كما طالب بالتغاضي عن بعض الشروط هذا الموسم نظرا لضيق الوقت والتخزين وتطبيق الإجراءات من الموسم المقبل لخلق نوع من المنافسة الشريفة بين التجار وأصحاب المضارب.
“عقاب عدم التوريد”
تبلغ المساحة المزروعة بالأرز سنويا في مصر حوالي مليون و75 فدانًا تنتج حوالي 5.5 مليون طن أرز شعير، تزرع في الأراضي التي لا يمكن زراعتها بمحاصيل أخرى، لارتفاع نسبة ملوحة التربة فيها لقربها من البحر في 9 محافظات شمال الدلتا.
ويعاقب المزارعون الممتنعون عن توريد طن واحد عن كل فدان أرز طبقا لقرار رئيس الوزراء، بعدم السماح بزراعة الأرز الموسم المقبل. بالإضافة إلى الحرمان من صرف الأسمدة والمبيدات الزراعية لمدة عام لجميع أنواع المحاصيل.
وطبقا للقانون 59 لسنة 1975، يعد عدم تسليم المزارع لكميات الأرز بالحد الأدنى المقرر، مخالفة تموينية ويتم احتساب قيمة الأرز الشعير بقيمة 10 آلاف جنيه لكل طن يلتزم بسدادها كل من يمتنع عن تسليم الكميات المحددة.