سجلت معدلات البطالة في مصر ارتفاعًا خلال الربع الثالث من العام الحالي لتعكس معها استمرار القطاع الخاص غير النفطي في الانكماش للشهر الـ22 على التوالي. بالإضافة إلى تأثير ارتفاع معدلات الفائدة على الاستثمار المحلي، ورغبة المستثمرين في التوسع والتوظيف عبر الاقتراض من البنوك.
بلغ معدل البطالة خلال الفترة من (يوليو/تموز ـ سبتمبر/أيلول) 7.4% من إجمالي قوة العمل مقابل 7.2% في الربع السابق (إبريل/نيسان ـ يوليو/تموز)، ليبلغ عدد المتعطلين 2.25 مليون مقابـل 2.151 مليون في الفترة المقارنة ذاتها من حجم قوة العمل التي بلغت 30.264 مليون فرد في سبتمبر 2022 مقابل 29.985 مليون فرد خلال يونيو من العام ذاته، بنسبة ارتفاع قدرها 0.9%، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
اقرأ أيضا.. كواليس اكتناز “المركزي” للذهب.. حرب العملات والتبادل مع روسيا ومآرب أخرى
يقول الخبير الاقتصادي نادي عزام، إن معدل البطالة رغم ارتفاعه على صعيد فصلي لكن أدائه على صعيد سنوي مقبول في ظل الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد المحلي على مستوى ارتفاع مدخلات الإنتاج الصناعي ونقص العملة الأجنبية وتضرر سوق الاستيراد. إذ ارتفع التعطل بنسبة 1.8% فقط عن الربع الثالث من عام 2021، ما يعادل 39 ألف متعطل.
انكماش القطاع الخاص
وواصل القطاع الخاص غير النفطي في مصر الانكماش للشهر الثاني والعشرين على التوالي في سبتمبر/أيلول، إذ تأثرت الشركات بتعثر الاقتصاد، وظل مؤشر ستاندرد أند بورز جلوبال لمديري المشتريات في مصر دون تغيير عن أغسطس/آب، عند 47.6 وهو رقم يقل عن مستوى الخمسين نقطة الفاصل بين النمو والانكماش.
تعاني أوضاع العمل بالاقتصاد غير النفطي في مصر، إذ لا تزال تشكو من ضغوط التضخم وترشيد استخدام الطاقة وقيود الاستيراد وضعف الطلب في نهاية الربع الثالث، إذ واصل الإنتاج والطلبيات الجديدة الانكماش أيضًا وتراجع مؤشر الإنتاج إلى 45.4 من 45.8 على أساس شهري، وفقًا لـ”ستاندرد أند بورز جلوبال”.
يوظف القطاع الخاص نحو 78.4% من قوة العمل بمصر بعدما ارتفعت استثماراته بوتيرة مطردة منذ الثمانينيات لترتفع من 40% من إجمالي الاستثمارات عام 1982 ثم 34% عام 1990، و38% عام 1995، و57%، و63% في 2010 ووصلت إلى 65% في 2016.
يقول عزام إن البطالة ترتبط بعلاقة طردية مع الفائدة فكلما ارتفعت الفوائد البنكية ارتفعت معها التعطل عن العمل لأن تكلفة الإقراض من البنوك تؤثر سلباً على معدل الاستثمار وإقامة مشروعات جديدة والتوسعات وهي العنصر الأساسي لإتاحة فرصة أكبر للعمل حاليًا.
تعتبر معدلات النمو الاقتصادي والاستثمار والتضخم أهم العوامل المحددة لمعدل البطالة بمصر فزيادة النمو والاستثمار بنسبة 10% تؤدي لتراجع معدل البطالة بمصر، بمعدل يبلغ 20.2%، 10.2% لكل منهما على التوالي، وفي الوقت ذاته فإن زيادة معدل التضخم يؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة بمعدل يبلغ 1.1%.
ويرتبط معدل التشغيل في مصر خلال العقدين الأخيرين بأوضاع القطاع الخاص، ففي عام 2007 كان معدل البطالة 7.8% ارتفع إلى 9.4% في 2009 بسبب الأزمـة التمويليـة العالمية، وبعد ثورة يناير 2011 حدثت تحولات عديدة في الاقتصاد المصري أثرت على معـدلات البطالـة مثل تضاعف أسعار المواد الخام وارتفاع حجم الاستيراد من الصين، لتدفع حينها بـ 25 ألف موظف للتعطل.
مشروعات الدولة
ساهمت مشروعات الدولة منذ 2013 في تقليص حجم البطالة بمصر على مستوى سنوي، إذ تراجع إلى 7.4% عام 2021، و7.9 % في كل من عامي 2019 و2020، و9.9% عام 2018، و11.8% عام 2017، و12.5% عام 2016، و12.8% عام 2015، و13% عام 2014، و13.2% عام 2013، و12.7% عام 2012.
لكن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء كشف أن 84.9% من إجمالي المتعطلين خلال الربع الثالث من العام الحالي من حملة المؤهلات، ما يظهر أن المشروعات القومية استوعبت الفئات التعليمية المتوسطة والأقل درجة.
يؤكد تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، التابع لمجلس الوزراء، أن المشروعات الكبرى ساهمت في رفع معدلات التشغيل خاصة الدلتا الجديدة الذي يوفر 5 ملايين فرصة عمل جديدة مباشرة وغير مباشرة بحلول 2025، وتوشكى، ومشروع تنمية شبة جزيرة سيناء، بجانب مشروع غليون للاستزراع السمكي في الشرق الأوسط.
تقرير التوزيع النسبي للمشتغلين طبقاً لأهم الأنشطة الاقتصادية خلال الربع الثاني 2022، يظهر أن الزراعة وصيد الأسماك يضمان 19.7% من المشتغلين بواقع 5.49 مليون مشتغل، وتجارة الجملة والتجزئة 15.1% بواقع 4.19 مليون مشتغل، والتشييد والبناء 13.2% بواقع 3.67 مليون مشتغل، والصناعات التحويلية 12.6% بواقع 3.5 مليون مشتغل، والنقل والتخزين 9.3% بواقع 2.58 مليون مشتغل.
النمو السكاني
يقول الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، إن سوق العمل في مصر تعاني فجوة بين التعليم واحتياجات سوق العمل وهو ما تعمل الدولة على حله حاليا بالمدارس التكنولوجية والحرفية التي تستهدف تخريج شباب لديهم القدرة والخبرة التي يحتاجها النشاط الصناعي.
يضيف فهمي أن أحد أسباب ارتفاع البطالة يعود للنمو السكاني الكبير الذي لا يستطيع معه القطاع الخاص القدرة على التوظيف، وهي مشكلة تظهر أكثر حال انكماش الاقتصاد وعدم قدرته على التوسع، ما يحول دون إتاحة المزيد من فرص التشغيل.
تظهر أرقام الإحصاء تلك الفجوة فرغم ارتفاع أعداد المشتغلين بمقدار 180 ألف مشتغل خلال الربع الثالث من العام الحالي لتزيد معها قوة العمل بمقدار 279 ألف فرد، لكن عدد المتعطلين ارتفع بمقدار 99 ألف متعطل في التوقيت ذاته.
يقول فهمي إن الأرقام في مصر جيدة في ظل الأزمة الاقتصادية والمعدلات التي تم تسجيلها عالميا في الربع الثاني من العام، التي وصلت في تونس 15.3%، والمغرب 11.2%، وتركيا 10.1%، والبرازيل 9.3%، وبيرو 7.3%، وتشيلي 7.9%، والصين 5.3%، والسعودية 6%، والهند 7.6%، وكولومبيا 11.3%، والأردن 22.6%.
اختلالات نوعية
لا يزال معدل البطالة يتسم باختلال نوعي في الربع الثالث فنسبة التعطل بين الإناث بلغت 19.1% خلال الربع الثالث و17.5% بين الإناث في الربع السابق من 2022، بينما تبلغ في الذكور خلال الفترة ذاتها 5.2%.
على المستويات العمرية تظهر الاختلالات ذاتها، فنسبة المتعطلين في الفئة العمرية (15 – 29 سنة) تبلغ 61.9% مقابل 61.3% في الربع السابق من إجمالي المتعطلين.
الأمر ذاته، يتكرر على المستوى الجغرافي، فمعدل البطالة في الحضر لا يزال أعلى بكثير من الريف عند 10.8% من إجمالي قوة العمل في الحضر، مقابل 4.7% من إجمالي قوة العمل في الريف، كما تركزت قوة العمل في الريف لتبلغ 16.864 مليون فرد، بينما سجلت في الحضر نحو 13.4 مليون فرد.
الحل
ترى الدراسات أن المشروعات الصغيرة هي الحل لمواجهة تلك الاختلالات، فخلال الفترة (2008-2017)، تبين وجود علاقة ثنائية الاتجاه بين الصناعات الأخيرة والبطالة ( العلاقة السببية تعني وجود علاقة مباشرة بين الفعل والنتيجة).
يقول فهمي إن جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ضخ 41.9 مليار جنيه قروضا ميسرة لدعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر من أجل استهداف النمو والبطالة معًا ووفرت تلك القروض 2.7 مليون فرصة عمل خلال الفترة من يوليو 2014 حتى أغسطس 2022.
يطالب الباحثون باتباع سياسات اقتصادية داعمة للنمو وتطبيق سياسات تكفل تحقيق نمو اقتصادي مستدام وزيادة قدرات الاقتصاد القومي على خلق المزيد من العمالة، وإجراء الإصلاحات الهيكلية بسوق العمل بما يعمل على زيادة مرونته وتشجيع القطاع الخاص والعمل الحر وتخفيف قيود التوظيف وخفض تكلفة رأس المال التجارية والصناعية من خلال تقديم الدعم المالي والنقدي لهذه الأنشطة.
استهداف معدل البطالة يتطلب أيضًا تطوير القطاع غير الرسمي ومساعدته على الاندماج ودعم وتشجيع القطاع الخاص المحلى، وربط مخرجات التعليم العالي باحتياجات سوق العمل، وتنمية رأس المال البشرى، وتنمية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر في المجتمعات الريفية والفقيرة.