فاجئ البنك المركزي الأسواق، اليوم الخميس، بمجموعة من القرارات؛ أولها اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية، قرر رفع الفائدة بنحو 200 نقطة أساس “2%”، ليبلغ سعرا عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي 13.25% و14.25% و13.75% على الترتيب.
الحيثيات التي أصدرتها اللجنة بعد اجتماعها الذي كان يفترض عقده في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، جاءت على غير المعتاد فيما يتعلق برصد حركة الأسواق العالمية، وموقف التضخم المحلي، سواء في الرقم القياسي لأسعار المستهلكين الذي يعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء أو التضخم الأساسي الذي يعلنه المركزي، ويستبعد فيه الأسعار المسعرة إداريًا، أو دائمة التعرض لهزات الطلب مثل الخضروات والفاكهة.
اقرأ أيضًا: المؤتمر الاقتصادي.. تشخيص للداء دون روشتة علاج واضحة
ماذا يعني رفع الفائدة؟
دائمًا ما تثير قرارات الفائدة جدلًا بين فريقين؛ أحدهما يرى أنه ضروري لاستهداف التضخم وحماية صغار المودعين الذين يعتمدون في حياتهم على عائد ودائعهم في البنوك، والآخر يرى أنه ضريبة للاستثمار وضغط على المالية العامة على حد سواء.
يتعارض رفع الفائدة مع الاستثمار؛ فالاقتراض البنكي أحد الوسائل التي يلجأ إليها المستثمرون من أجل تمويل توسعاتهم، ومع رفعها يؤجل القطاع الخاص توسعاته. وهو قطاع منكمش منذ قرابة العامين، بحسب القياسات الدولية.
ينعكس رفع الفائدة أيضًا على معدلات التشغيل؛ فعدم توسع الاستثمار الخاص يعني ببساطة عدم تأسيس وحدات جديدة. وبالتالي عدم توفير فرص عمل. خاصة في ظل توقف الدولة عن التوظيف الحكومي والاعتماد على مشروعات رجال الأعمال في توفير فرص عمل.
سعر صرف مرن
من أهم القرارات التي تم تضمينها في حيثيات الفائدة، الإعلان عن سعر صرف مرن للجنيه مقابل العملات الأجنبية الأخرى؛ ليصبح حرًا لقوى العرض والطلب. مع إعطاء الأولوية للهدف الأساسي للبنك المركزي المصري، والمتمثل في تحقيق استقرار الأسعار.
البنك المركزي، اعتبر سعر الصرف المرن أحد الوسائل التي يمكن عبرها العمل على تكوين مستويات كافية من الاحتياطيات الدولية والحفاظ عليها. على اعتبار أنه يجنب الاحتياطي فقد جزء من العملات الأجنبية، في دعم سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
مع هذا الإعلان، قفز الدولار في تعاملات البنوك الرسمية، حتى سجل أعلى مستوى في تاريخه. وبحلول الساعة 12 ظهرًا بلغ مستوى 22.65 جنيه للشراء و22.75 جنيه للبيع. ما يحمل تأثيرات على أسعار السلع المستوردة من الخارج.
حاول البنك من جهة أخرى امتصاص أثر الصدمة بالإعلان عن إلغاء تدريجي للقرار الخاص باستخدام الاعتمادات المستندية في عمليات الاستيراد حتى إتمام الالغاء الكامل لها في ديسمبر/ كانون الأول 2022. وذلك دعمًا للنشاط الاقتصادي على المدى المتوسط.
رفع الاستثناء في الاعتمادات المستندية
وعد البنك المركزي بإلغاء الاعتمادات المستندية في ديسمبر/ كانون الأول، وفي الوقت ذاته رفع حد الاستثناء من التعامل بالاعتمادات للشحنات، إلى 500 ألف دولار مقابل خمسة آلاف دولار أو ما يعادلها، لتصبح تلك الشحنات قادرة على التعامل بمستندات التحصيل. ما يفتح مجال أوسع لدخول البضائع المتكدسة وبعض التسهيل في الاستيراد من الخارج.
وفي كتاب دوري تم تعميمه على البنوك، سمح المركزي للبنوك بعمليات الصرف الآجلة (fx forwards) للعملاء من الشركات بشرط أن يكون الغرض منها تغطية مراكز العملاء الناتجة عن أي من العمليات التجارية التي تتم عن طريق البنك ذاته، سواء اعتمادات مستندية أو مستندات تحصيل أو تسهيلات موردين أو تحويل أرباح مساهمين أجانب للخارج محددة التاريخ أو حصائل التصدير السلعي والخدمي التي ترد لعملاء البنك بشرط حصول البنك على ما يثبت أن العملية تجارية.
مجمل تلك القرارات أن المركزي يريد تسهيلات لدخول السلع المستوردة (لم يحدد إذا كانت إنتاجية أم استهلاكية) إلى الأسواق. بما يزيد المعروض. الأمر الذي قد يضبط معه سعر البيع في السوق. وهو مرهون بكمية السلع التي سيتم توفيرها، ومدى تعطش السوق المحلي لها.
نظام مشتقات.. هل يكفي؟
أعلن البنك المركزي عن بناء وتطوير سوق المشتقات المالية بهدف تعميق سوق الصرف الأجنبي ورفع مستويات السيولة بالعملة الأجنبية. وهو إجراء تحوطي بدأ البنك الاتفاق مع البنوك عليه قبل عدة أسابيع على مشتقات مثل (IRS) و(SWAPS) و(Options) و(FWD) و(NDF). وكلها تهدف إلى تأمين العملاء ضد مخاطر ارتفاع سعر الصرف لفترات زمنية محددة في العقود.
وحدد البنك المركزي 5 مشتقات مالية للتحوط ضد مخاطر تذبذب العملة وسعر الفائدة. أول هذه المشتقات “IRS”؛ ويعني المقايضة بين نسبة الفائدة الثابتة والمتغيرة. حيث يقوم أحد الطرفين بتسديد مدفوعات للطرف الآخر بناءً على سعر فائدة ثابت متفق عليه في البداية. ذلك إلى جانب “SWAPS” الذي يلزم الطرف المتعاقد بالتنازل عن سلسلة من التدفقات النقدية للطرف الآخر في مقابل سلسلة تدفقات نقدية أخرى منه.
تتضمن المشتقات أيضًا عقود “FWD”. وهو عقد بين طرفين على أصل معين يسلم بوقت لاحق بسعر يتحدد عند التعاقد يسمى سعر التنفيذ بمعايير غير موحدة بين الطرفين. وكذلك (Options) وهو عقد بين المشتري وكاتب الخيارات ويكون للطرف الذي اشترى العقد الحق في تنفيذه، ويجب على الطرف المصدر أن يكمل العقد عندما يطلب المشتري ذلك.
التوافق بين بيانات المركزي وصندوق النقد
أعلن البنك المركزي عن القرارات الجديدة في الثامنة والنصف صباحًا. وبعدها بساعات قليلة صدر بيان عن صندوق النقد الدولي، بالتوصل لاتفاق بشأن السياسات الاقتصادية الشاملة والإصلاحات التي سيتم دعمها بترتيب لتسهيل قرض الصندوق الممدد لمدة 46 شهرًا، بقيمة 3 مليارات دولار أمريكي.
وقال الصندوق، في بيان، إن السلطات المصرية طلبت تمويلًا في إطار محور الصمود والاستدامة الذي تم إنشاؤه حديثًا، ويمكن أن يوفر ما يصل إلى مليار دولار أمريكي إضافي لمصر.
وتوقع أن تحفز ترتيبات صندوق النقد الدولي حزمة تمويل كبيرة متعددة السنوات. بما في ذلك حوالي 5 مليارات دولار أمريكي في السنة المالية 2022/23 من شركاء مصر الدوليون والإقليميون الذين سيلعبون دورًا حاسمًا في تسهيل تنفيذ سياسات وإصلاحات السلطات، والتي تعكس الدعم الدولي والإقليمي الواسع لمصر.
اقرأ أيضًا: البنك الدولي: الفوائد تعادل 56% من إيرادات الحكومة المصرية.. والفقر عند 29.7%
كذلك، رحب صندوق بتنفيذ نظام سعر صرف مرن دائم، والتخلص التدريجي من الاستخدام الإلزامي للاعتمادات المستندية لتمويل الواردات. فضلًا عن التزام السلطات المصرية الثابت بمعالجة التعديلات اللازمة على مستوى الاقتصاد الكلي بخفض الدين الحكومي العام واحتياجات التمويل الإجمالية، ودعم الضبط المالي المستمر من خلال تنفيذ استراتيجية الإيرادات الحكومية متوسطة الأجل التي تهدف إلى تحسين كفاءة وتدرجية النظام الضريبي.
تمديد مؤقت للدعم
أشار الصندوق أيضًا إلى استمرار الصندوق في تعزيز الحماية الاجتماعية. بما في ذلك من خلال التمديد المؤقت للدعم الطارئ لحاملي البطاقات التموينية، واتخاذ تدابير لحماية القوة الشرائية لأصحاب الرواتب والمتقاعدين الضعفاء، وزيادة تحسين تكوين الميزانية، وتعزيز الحوكمة والمساءلة والشفافية، وإطلاق العنان لنمو القطاع الخاص. بما في ذلك عن طريق الحد من تأثير الدولة، واعتماد إطار تنافسي أكثر قوة وتعزيز الشفافية وضمان تحسين تيسير التجارة.
ويشير التوافق التام بين قرارات البنك المركزي وصندوق النقد إلى أن نقاط الخلاف في مفاوضات الطرفين التي استمرت طوال 7 أشهر كانت تتعلق بتخفيض سعر الصرف. وهو أمر تردد جدل كبير بشأنه في عهد محافظ المركزي السابق طارق عامر.
لكن قرارات البنك المركزي تتعارض في جزء منها مع مساعي تخفيض الدين العام. إذ يحمل قرار رفع الفائدة زيادة في أعباء الفوائد وقدرة وزارة المالية على مواجهة عجز الموازنة العامة للدولة. إذ أن كل رفع 1% بالفائدة يرفع معه عبء فوائد الدين بنحو 28 مليار جنيه. أي أن قرار المركزي اليوم زاد الفوائد بقيمة 56 مليار جنيه.