قفزت معدلات التضخم العام في مصر بخطوات بعيدة عن مستهدفات البنك المركزي بعدما سجلت خلال سبتمبر/أيلول الماضي 15%. بحسب بيانات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وشهدت معدلات التضخم ارتفاعًا ملحوظًا منذ مارس/آذار الماضي. حينما تجاوزت 10٪ وواصلت طريقها في الصعود حتى سبتمبر/أيلول إلى 15٪ رغم استهداف البنك المركزي تسجيل مستوى تضخم بين 5 و9٪.
يأتي صعود التضخم في مصر بينما ارتفعت معدلات أسعار الغذاء عالميًا بين مايو/أيار وأغسطس/آب 2022. لتدفع معها معدلات التضخم للصعود بجميع البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تقريبا.
مستوى قياسي للتضخم
الأرقام الجديدة للرقم القياسي للأسعار في مصر تظهر اقتراب التضخم من أعلى نقطة وصل إليها منذ أربع سنوات. وتحديدًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 حينما سجل 15.7%، مع توقعات باستمراره في الصعود إلى 17% -بحسب خبراء تحدثوا إلى “رويترز”.
خلال مايو/أيار الماضي أشار صندوق النقد الدولي إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستشهد تداعيات سلبية بسبب ارتفاع أسعار السلع الأولية. التي تستوردها. وترتبط بعدة متغيرات منها ارتفاع أسعار الطاقة.
حينها سجلت أسعار النفط قفزة حادة عقب الحرب الروسية بلغت في ذروتها 130 دولارا للبرميل. وبالمثل يُتوقع أن تسجل أسعار الغذاء زيادة إضافية بنسبة 14% عام 2022. بعد أن وصلت إلى ارتفاعات غير مسبوقة عام 2021. وسيكون وقع تأثيرها الأكبر في الفئات الفقيرة والأشد فقرا في الدول منخفضة الدخل.
الخبير الاقتصادي هاني جنينة توقع استمرار تسارع معدل التضخم مدفوعًا بارتفاع أسعار البنزين والسولار والدولار. وبعدها قد يتم تطبيق متطلبات صندوق النقد بزيادة أسعار بعض السلع والخدمات. ما قد يؤدي لوصول التضخم الأساسي إلى 20% بنهاية العام. مع توقعات مشابهة لوكالة رويترز استنادًا لتوقعات خبراء اقتصاد.
رحلة صعود
وسجل التضخم قفزة ملحوظة في نهاية 2016 حينما حررت الدولة سعر صرف الجنيه. وتكرر الأمر ذاته في مارس/آذار 2022 بعد تعويمه للمرة الثانية. وما زال الدولار يشهد ارتفاعا حيث سجل رسميا ما يفوق 19.60 جنيه مقابل الدولار.
أسباب التضخم.. تشابك بين المحلي والعالمي
ضمن أسباب معدلات التضخم المرتفعة صعود أسعار السلع الغذائية. فمجموعة الألبان والجبن والبيض ارتفعت بنسبة 4.4%. والخضراوات بنسبة 6.2%. واللحوم والدواجن بنسبة 1.8% والوجبات الجاهزة بنسبة 4.5%.
وتحمل أسباب ارتفاع التضخم مزاوجة بين أسباب محلية ودولية.
فمحليا لا تزال مصر تعتمد على استيراد العديد من السلع الأساسية ومنها المواد الغذائية التي تفاقمت أسعارها خاصة مع أزمة أسواق الحبوب التي تصاعدت تزامنا مع الحرب الأوكرانية الروسية. وتعد القاهرة المستورد الأكبر للقمح عالميا. غير أنها تستورد كذلك كميات ضخمة من الزيوت.
وتأتي حركة السيولة النقدية ضمن أسباب التضخم. وتحاول لجنة السياسة النقدية التحكم فيها لكن المعدلات تجاوز المستهدفات خلال الأشهُر الأخيرة. حيث تخطّت أرقام التضخم ما استهدفه البنك المركزي المصري. والذى قدره بـ7% (± 2 %) حتى نهاية 2022.
وتمثل أسعار الغذاء نحو 60% من ارتفاع التضخم الكلي خلال العام الماضي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. باستثناء بلدين بمجلس التعاون الخليجي. لذلك يتوقع أن تظل معدلات التضخم مرتفعة على مستوى المنطقة خلال عام 2022. حيث تصل إلى 13.9%. وهو ما يمثل زيادة هائلة مقارنة بتوقعات صندوق النقد في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2022.
الدول منخفضة الدخل الأكثر معاناة
وتتفاقم الأزمة مع حال اقتصادات المنطقة التي تعتمد على استيراد شحنات الأغذية. والتي تشكل وزنا ترجيحيًا كبيرًا في سلة الاستهلاك ويزداد هذا الوزن في حالة البلدان منخفضة الدخل.
فى تقرير أصدره البنك الدولي في 3 أكتوبر/تشرين الأول الجاري أشارت البيانات إلى ارتفاع متوسط أسعار القمح والذرة والأرز 20% و29% و8% على التوالي في أيلول/سبتمبر 2022 عما كان عليه في أيلول/سبتمبر 2021. في حين أن أسعار القمح والذرة ارتفعت بنسبة 33% و30% على التوالي.
دعم الأسر الفقير وشبكات الأمان الاجتماعي
ورغم سياسات صندوق النقد والبنك الدولي الذي يوصي دوما بتخفيض نفقات الدول بما فيها أوجه الدعم. فإنه أمام حجم الأزمة المتنامي أشار صندوق النقد إلى أنه يتعين مواجهة خطر انعدام الأمن الغذائي والتخفيف من تداعيات ارتفاع الأسعار الدولية على الفقراء سريعا.
وتتمثل الوسيلة الأكثر فعالية في ضمان حماية الأسر الضعيفة -حسب الصندوق- في توفير تحويلات موجهة ومؤقتة في إطار من الشفافية.
يقول صندوق النقد إن البلدان منخفضة الدخل سيكون من الضروري مواصلة الدعم المالي المقدم لها من المجتمع الدولي.
وفي البلدان ذات المديونية المرتفعة ينبغي أن تقترن التدابير المذكورة بتدابير موازنة في مجالات أخرى. مثل تخفيض أوجه الإنفاق غير الضرورية وزيادة العدالة الضريبية. أو الجمع بينهما لضمان بقاء الدين في حدود مقبولة في ظل محدودية الحيز المالي المتاح.
ومن الأولويات المهمة في هذا الصدد اتخاذ التدابير اللازمة لزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي وتحصيل الإيرادات. بما في ذلك التحول الرقمي وتشجيع أنشطة القطاع الخاص وتعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.