سادت حالة من القلق بين المستثمرين في مجال الطاقة المتجددة، مدفوعة بأزمة نقص حاد في مكونات الطاقة الشمسية من الأسواق المصرية. الأمر الذي وضع مستقبل الشركات العاملة في هذا المجال الجديد الذي توليه الدولة اهتمامًا كبيرًا في خطر، وهو تطور يتزامن مع استضافة مصر مؤتمر المناخ في نوفمبر/ تشرين الثاني.
فبعد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في 2014 كان هناك توجه واهتمام مضاعف من الحكومة بمشروعات الطاقة الشمسية.
وبالفعل طرحت وزارة الكهرباء مجموعة من المشاريع على القطاع الخاص، ومنها تنفيذ محطة بنبان الشمسية العملاقة. لكن عقب تحقيق فائض في إنتاج الكهرباء، ومع عدم قدرة الحكومة على تصديره حتى الآن، توقفت هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة عن طرح مشروعات جديدة خاصة بالطاقة الشمسية.
ومن ثم حاولت الشركات سد هذا الفراغ بسياسة إقناع المصانع وعدد من كبار مستهلكي الكهرباء بربحية التحول إلى الطاقة النظيفة. ذلك في محاولة لإنشاء محطات شمسية صغيرة خاصة بهم، وبتمويلات ودفعات أقساط مُيسرة. وقد واجهت هذه السياسة تحديات أعاقت عمل المستثمرين، لعل أكبرها أزمة نقص مكونات المشروعات، وفق ما يراه خبير الطاقة، المهندس يسري حسن.
يقول “حسن” إن الأزمة الراهنة وعدم وضوح الرؤية يضر السوق واستقراره بشكل كبير. وهذا على مستوى الموردين والمصنّعين على حد سواء.
مسئولية قرارات الحكومة
وقد حذرت جمعية تنمية الطاقة الشمسية “سيدا” من نقص مكونات إنتاج محطات الطاقة الشمسية، وما قد يؤدي إليه من خطر إفلاس بعض الشركات وتقليص العمالة والعجز عن استكمال المشروعات المسندة إليها.
وأرجع المدير التنفيذي لجمعية تنمية الطاقة “سيدا” المهندس أيمن عبد الحليم هيبة، في تصريحات صحفية الخميس الماضي، الأزمة إلى قرارات تنظيم الاستيراد وتوقف البنوك عن فتح الاعتمادات المستندية وعدم السماح للشركات والمستثمرين بتدبير العملة. ما أدى إلى نقص حاد في مكونات محطات الطاقة الشمسية في مصر وارتفاع أسعارها بشكل مبالغ فيه.
وتشمل هذه النواقص الخلايا الشمسية ومحولات التيار (الإنفرترز) والكابلات وكل لوازم إنشاء المحطات الشمسية، وفق “هيبة”، الذي أوضح أنها مكونات لا تصنع بمصر. “هناك عدد من مصانع تجميع الخلايا الشمسية. لكن إنتاجها لا يكفي حاجة البلاد من الخلايا الشمسية”.
وطالبت “سيدا” الحكومة بضرورة تسهيل عملية استيراد مكونات الطاقة الشمسية والمتجددة، وتخفيف إجراءات تدبير العملات الأجنبية لتلبية طلبات المشروعات المتعلقة بالطاقة المتجددة.
وقال عبد القادر أحمد، مدير تطوير الأعمال في شركة “كمبليت إنرجي”، إن السوق العالمية تعاني أيضًا من أزمة على مستوى العرض والطلب. فهناك إقبال متنام على مكونات الطاقة الجديدة والمتجددة خاصة في أوروبا. ذلك بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية ورغبة الاتحاد الأوروبي في الاستغناء عن النفط والغاز والتوجه للمصادر الشمسية. ما زاد من حجم الطلب في السوق.
وهذا كله -وفق رأيه- يتطلب ضرورة إلغاء فرض رسوم جمركية على واردات ألواح الطاقة الشمسية في مصر، لتأثيرها على تكلفة إنشاء محطات الطاقة الشمسية، التي تعول عليها مصر في زيادة نسبة مساهمتها في إنتاج الطاقة.
يقول مدير تطوير الأعمال بـ”كمبليت إنرجي” إن الألواح تمثل ما نسبته 50-60% من إجمالي تكلفة المحطة، وفرض الرسوم عليها يتزامن أصلًا مع ارتفاع أسعار الشحن عالميًا نتيجة تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. ومن ثم تزداد الأعباء على الشركات ويؤثر هذا على نمو الاستثمار في هذا القطاع.
هل تتعثر الشركات؟
الجهات المعنية بالاستثمار في الطاقة في مصر باتت مطالبة بسرعة اتخاذ الإجراءات والقرارات اللازمة لتدبير المستلزمات والمكونات الخاصة بمشروعات الطاقة. وكذلك تدبير العملة اللازمة لإكمال إجراءات الاستيراد من الخارج. ذلك من أجل استكمال المشروعات الشمسية المسندة إلى الشركات والمزمع تسليمها خلال الفترة المقبلة.
يقول العضو المنتدب لشركة “cairo solar” -العاملة بمجال الطاقة الشمسية- حاتم توفيق، إن مشاريع الطاقة الشمسية قيد التطوير تتراوح قدرتها بين 30 إلى 40 ميجاوات، ولا بد من تسهيل إجراءات الاستثمار فيها للوصول لمستهدف الحكومة المصرية بمساهمة الطاقة المتجددة بنسبة 42% من إجمالي الطاقة المولدة عام 2035.
ويضيف توفيق لـ “مصر 360″، أن السوق مؤهل لطرح مشروعات جديدة في مجالات طاقتي الشمس والرياح. لكن مع حزم جديدة من المحفزات التي تقدم للمستثمرين في هذا المجال.
وتشير مصادر بهيئة الطاقة الجديدة والمتجددة إلى أن الوصول إلى نسبة الـ 35% من إجمالي إنتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول 2035 يتطلب جذب استثمارات ضخمة لتحقيق هذا الهدف. خاصة وأن النسبة الحالية تصل إلى 12% معظمها من المصادر المائية وأبرزها محطة الإنتاج من السد العالي، فيما تمثل نسبة محطات الطاقة الشمسية 5-6%.
لذا، فإن استمرار أزمة نقص المكونات الشمسية يعني تعثر الشركات بمزيد من التأخر في تنفيذ المحطات الشمسية سواء لصالح الحكومة أو القطاع الخاص.
اقرأ أيضًا: الشمس والرياح والهيدروجين.. الطاقة المتجددة تضع مصر على خريطة الاقتصاد العالمي
شبح الإفلاس
ويؤكد حاتم توفيق أن العائد على الاستثمار في الطاقة الشمسية انخفض خلال الفترة الأخيرة. وبالتالي انخفض اهتمام المستثمرين بالدخول في القطاع. إذ إن الجو العام لا يشجع على الاستثمار في هذا القطاع؛ فإما أن تسير نحو الإفلاس بالتعثر في توفير المكونات وإما أن تتخارج من هذا السوق.
ويعتمد السوق بشكل كبير وأساسي على الاستيراد. أما المصانع العاملة في المجال فيقتصر دورها على التجميع فقط. وبالتالي فإن توقف الاستيراد أو تعثره يمثل أزمة للشركات والمصانع العاملة في الطاقة الشمسية على حد سواء.
يقول يسري حسن، خبير الطاقة، إن الشركات اكتسبت قوتها داخل السوق من حجم الأرباح والإيرادات المحققة سنويًا، ومع تنامي فرص العمل والمشروعات المطروحة. محذرًا من أن الأزمة الحالية في المكونات تؤزم قدرة هذه الشركات على الاستمرار وتقلل فرصها لاقتناص مشروعات جديدة. خاصة وأن الشركات ذات الاستثمارات المحدودة لا تستطيع تحمل الخسائر وتتعرض للإفلاس سريعًا.
طاقة توفر الغاز
مع اتجاه الحكومة لدعم تصدير الغاز الطبيعي للخارج وتحقيق عائد دولاري معقول يدعم الموازنة العامة للدولة، أعلنت الحكومة عن اتجاهها إلى الطاقة البديلة لتوفير كميات أكبر من الغاز الموجه إلى المحطات التقليدية العاملة بالوقود الإحفوري. ومن ثم توفير كميات من الغاز المسال لتصديره للأسوق الخارجية.
يوضح عمرو مصطفى خبير الطاقة، أن استخدام الطاقة الشمسية سيدعم الخطط التنموية للحكومة، عبر توفير الغاز الطبيعي للتصدير. فكل محطة طاقة شمسية بقدرة 1 ميجاوات تساهم في توفير حوالي 12 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي؛ ما يعني زيادة عائد الدولة الدولاري من تصدير الغاز.
فالتوجه المباشر للطاقة الشمسية سيوفر حوالي 15% من حجم الغاز الذي يتم توريده لمحطات الكهرباء وتصديره للخارج للاستفادة من العملة الصعبة.
تقلبات عالمية محتملة
التقلبات التي يتوقع البعض استمرارها لفترة قد تطول أو تقصر تقتضي تدخلًا مباشر من الحكومة ممثلة في وزارة الكهرباء لحماية المستثمرين المحليين في المجال الشمسي. خاصة في ظل الأزمات المسيطرة على مجال الطاقة عالميًا.
وتشير التوقعات الأساسية إلى استمرار هيمنة الصين على طلب وحدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية. ذلك بنحو 80 جيجاوات متوقعة هذا العام. ما يعادل 36% من الإجمالي العالمي.
ويأتي الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية بنحو 49 جيجاوات (22%)، مع سعي الكتلة لتعزيز الطاقة المتجددة من أجل تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري الروسي.
وفي المرتبة الثالثة، تأتي الولايات المتحدة بنحو 26 جيجاوات (12%) هذا العام، دون تغيير تقريبًا عن العام الماضي. مع توقعات أن يفشل المعروض باللحاق بالطلب، في ظل قيود السياسات الخاصة. خاصة بعدما فتحت وزارة التجارة الأمريكية تحقيقًا في واردات الألواح من جنوب شرق آسيا بمزاعم التحايل على التعريفات الجمركية.
وترى شركة أبحاث الطاقة ريستاد إنرجي، في تقرير صادر مؤخرًا، أن نحو 17.5 جيجاوات من مشروعات الطاقة الشمسية في أمريكا المخطط لها خلال 2022 عُرضة للخطر، بسبب تحقيق وزارة التجارة.