“حكم البراءة بتاعك ما يلزمنيش، لأن مجرد وجودي هنا إدانة من المجتمع، حتى لو كنت بريئة أمام القضاء”؛ قالت “مديحة” الشخصية الرئيسية التي أقحمت في جريمة شرف ضمن أحداث فيلم “ملف في الآداب”، الذي أنتج في العام 1986.
جريمة شرف.. حينما يكون الانتقام بأرخص الوسائل
بوحدة ذاكرة إلكترونية (فلاشة) تحوي 40 مقطعًا إباحيًا، لجأ رجل مصري من مدينة المحلة، لإقحام زوجته في جريمة شرف، مشككًا في نسب طفلهما إليه بعد ثلاث سنوات من الزواج. الواقعة التي صدمت وهزت أركان المجتمع المصري سرعان ما تناولتها الصحافة كواحدة من الأحداث الأكثر قراءة وجذبًا. ذلك دون التحقق من تفاصيلها. الأمر الذي وصل حد إطلاق أوصاف غير أخلاقية على الزوجة الطبيبة التي وقعت ضحية تشهير زوجها.
بعد ما يقرب من ثلاثة أيام فاجأت تحريات قسم شرطة ثاني المحلة الكبرى الجميع. تأكدت براءة الزوجة نهائيًا مما نُسب إليها من اتهامات بالخيانة. فالأمر في أصله ليس إلا خلافات زوجية قادت الزوج إلى الطريق الأرخص لإجبار زوجته على التنازل عن حقوقها المادية، بعد طلبها للطلاق.
بالتدقيق أكثر في الواقعة، تبين أن الفلاشة المقدمة في البلاغ لا تحوي أي مقطع فيديو إباحي للزوجة -حسبما زعم الزوج. كما تبين أن الزوج تقدم ببلاغ لاحق لبلاغ الزنا يطالب بإجبار الزوجة على التنازل عن قائمة المنقولات الزوجية.
عندما تقرأ تفاصيل تلك الحادثة تعتقد أنه مشهد غير متكرر في المجتمع المصري. زوج يختلق واقعة مخلة بالآداب يورط فيها زوجته، ليحصل على حُجة تمكنه من تجريدها من حقوقها. هذه واقعة ليست الأولى من نوعها في مجتمعنا.
اغتصاب وقتل للزواج بأخرى.. الصدفة أنصفت إيمان
في عام 2020، داخل محافظة الدقهلية وتحديدًا قرية “ميت عنتر”، دبر “حسين” خطة بشعة تخلصه من زوجته. فاتفق مع أحد العاملين معه على اغتصابها، ومن ثم يضبطهما هو متلبسين فيتخلص منها بداعي الدفاع عن الشرف وينل ما سعى إليه من أمر زواج بأخرى. إلا أن القدر كتب نهاية مختلفة لهذه القصة وصاحبتها الضحية.
جثة “إيمان ع.” 21 سنة، الطالبة بالفرقة الثالثة في كلية العلوم، وجدت داخل مسكنها -ببلاغ من الزوج- وبها آثار خنق حول العنق أثارت ريبة المحققين، ليكتشف عقب ذلك وبفحص الكاميرات رصد شخص يرتدي نقابًا يصعد إلى مسكن السيدة، حيث تمكن من دخول المسكن خلف السيدة التي فتحت له الباب، قبل أن يغادر المسكن بعد فترة من الوقت.
توصلت التحقيقات إلى أن المتهم “أحمد ر.” 33 سنة، ويعمل بمحل ملابس يمتلكه زوج القتيلة، قد اتفق مع الزوج على التخلص من الضحية. ذلك على إثر خلافات زوجية ورغبة الزوج في الارتباط بأخرى. ظل الجميع يتساءل ماذا لو كان نجح هذا المخطط في تلفيق قضية الخيانة للزوجة الضحية؟ أي عار كان سيلحق بذكراها دون أن يكتشف أحد الحقيقة التي جلت صدفةً.
السب في الشرف والطعن في العذرية.. حجة إبطال عقد الزواج
في أكتوبر 2019 قضت محكمة الأسرة برفض دعوى بطلان عقد زواج، أقامها زوج ضد زوجته. بينما جاء بحيثيات الحكم اعتبار أن البكورة ليست من شروط صحة عقد الزواج. ولا ينفسخ العقد فى حالة تخلفها، حتى ولو كانت من شروط الزواج.
هذه الدعوى التي أقامها الزوج كانت بعد عام كامل من الزواج. ووفقًا لها، ادعى الزوج أنه فوجئ ليلة الزفاف بأن زوجته ليست بكرًا، وأنها دلست عليه في عقد الزواج، وأنه علم أن زوجته وفق شهادة بعض معارفها اتٌهمت بممارسة علاقات غير شرعية.
بعد إطلاع المحكمة على المستندات المقدمة إليها والدلائل القانونية، قضت برفض الدعوى، واستند في حكمها على المذهب الحنفي. كما قضت بأنه من حق الزوجة الحصول على كافة حقوقها الشرعية المترتبة على الطلاق.
قصايا الشرف.. فرص مجتمعية للتشهير بالنساء
ترى مي صالح، مديرة برنامج القيادات النسوية الشابة بمؤسسة المرأة الجديدة، أن هناك إساءة في استخدام السلطة بالاعتماد على فرص مجتمعية للتشهير بالنساء. ذلك باستخدام السمعة والشرف دافعًا وسببًا. الأمر الذي يمهد اللجوء لطرق رخيصة بشكل كبير من الأزواج، كما يظهر في الفترة الأخيرة، لاعتبارات مادية وانتقامية. إذ إن أحد الأزواج يرغب في التنصل من المصروفات اللاحقة للطلاق والنفقة. أو يسعى للانتقام من الزوجة في حضانة أطفالها، فيعمد إلى فضحها مجتمعيًا ليفقدها فرص الزواج مرة أخرى.
وتضيف صالح أن ذلك يساهم فيه بشكل كبير قابلية المجتمع لتداول هذا النوع من الأخبار الفاضحة. وأيضًا طبيعة التعامل مع المرأة على أنها الطرف الأضعف في المجتمع، والتي لا تملك فرصة الرد على التشهير الواقع عليها بنفس الأساليب.
وتشير صالح إلى أنه في بعض الأحيان تكون هناك مصالح مشتركة بين الأزواج ويتعرض الزوج لضغط من الأهل، فلا يجد سبيلاً للتخلص من الزوجة إلا باستخدام هذه الطريقة -كما شاهدنا في حادث الدقهلية. حيث كان السبب عدم القدرة على مواجهة الأهل بالطلاق الراغب فيه للزواج بأخرى. ما جعل التشهير بالزوجة أسهل وسائل هذا الزوج للتخلص من شريكته حسنة السمعة.
نصوص عامة وعقوبة غير رادعة
اعتمد القانون المصري على نصوص عامة فيما يتعلق بجرائم مثل التشهير أو السب والقذف. بينما لم يضع نصًا صريحًا لتشهير الأزواج بزوجاتهن. ولا يتعدى ارتكاب فعل التشهير في هذه الحالة كونه جنحة، تتمثل عقوبتها في الحبس والغرامة أو إحداهما. بينما يقيد القانون إلحاق هذه التهمة بمرتكبها بضرورة توافر بعض الشروط كالقصد الجنائي العام لدى الجاني، كما هو منصوص عليه في المادة ١٧١ من قانون العقوبات.
تتفق سارة بيصر، مديرة مركز زيتونة لحقوق الطفل ودعم المرأة، مع كون التهرب من الالتزام المادي الناتج عن بعض حالات الطلاق دافعًا لبعض الأزواج في ارتكاب جريمة التشهير بزوجاتهم. وترى في ذلك أزمة كبرى يعانيها المجتمع وتستوجب حلولاً قانونية ومجتمعية.
إلا أنها تشير أيضًا إلى الضرر النفسي الواقع على من يتعرضن للتشهير، فترى ضرورة إعادة تأهيلهن نفسيًا. وهنا تلفت إلى دور الجمعيات المتخصصة ودور الإعلام الذي في أغلب الحالات يكون سلبيًا بتناولها الذي يساهم في الترويج للشائعات، دون التزام حقيقي بمهمة توضيح الحقائق.