اتخذت العلاقات بين الخليج والدول الأفريقية أبعادا اقتصادية مهمة في السنوات الأخيرة، حيث توسع التواجد الخليجي مدفوعا بعدة اعتبارات، أولها حجم الثروات الهائلة بالقارة وتوافر فرص اقتصادية لا مثيل لها في العالم. بالإضافة إلى التنافس الدولي بين القوى العظمى على أرض القارة لتعظيم مصالحها. كما أدت المتغيرات المرتبطة بتوتر العلاقات الخليجية مع إيران، إلى سعي دول الخليج لتعزيز وجودها في منطقة القرن الأفريقي.
اقرأ أيضا.. عقيدة بوتين في أفريقيا.. ساحة جديدة للصراع مع الغرب
أفريقيا.. أرض الفرص
تضم أفريقيا 60% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، ويبلغ عدد السكان نحو 1.3 مليار نسمة في 54 دولة. ووفق البنك الدولي، بلغ الناتج المحلي الإجمالي في أفريقيا نحو 3.4 تريليون دولار عام 2021. كما قدر النمو الاقتصادي في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 4% عام 2021.
تقدم أفريقيا فرصا تجارية واستثمارية مختلفة. حيث برزت اتفاقية التجارة الحرة القارية (AfCFTA) التي كانت بمثابة فرصة أخرى للتجارة عبر أفريقيا. ودخلت حيز التنفيذ بداية عام 2021، بهدف إنشاء سوق واحد على مستوى القارة للسلع والخدمات وتعزيز حركة رأس المال والأشخاص. كما أنها تعمل على تسهيل التدفقات التجارية بشكل أكبر بين البلدان الأفريقية. ويقدر البنك الدولي أن منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، بإمكانها زيادة دخل القارة بمقدار 450 مليار دولار بحلول عام 2035، وزيادة الصادرات بمقدار 560 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك وصلت التدفقات الاستثمارية في أفريقيا إلى مستوى قياسي بلغ 83 مليار دولار في عام 2021، وفقًا لتقرير الاستثمار العالمي 2022 الصادر عن الأونكتاد “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” في 9 يونيو/ حزيران. كما تشهد منطقة غرب أفريقيا زيادة في الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 48% تعادل 14 مليار دولار. كذلك زادت التدفقات الاستثمارية إلى شرق أفريقيا بنسبة 35% لتصل إلى 8.2 مليار دولار، بينما انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر إلى شمال أفريقيا بنسبة 5% إلى 9.3 مليار دولار في عام 2021.
ويرتكز التعاون الاقتصادي بين الخليج وأفريقيا على عدة قطاعات، أبرزها:
الأولوية للبنية التحتية
في 2014، بلغ التمويل من قبل الدول الخليجية للبنية التحتية الأفريقية على مدى السنوات العشر الماضية نحو 30 مليار دولار أمريكي. منها حوالي 15 مليار دولار في شكل قروض ومنح من وكالات التنمية الخليجية. بالإضافة إلى 15 مليار دولار في الاستثمارات المباشرة.
وفي سبتمبر/ أيلول 2014، حصلت الدول الأفريقية على تعهدات من شركات في الخليج العربي بضخ استثمارات يبلغ مجموعها 19 مليار دولار للاستثمار في الطرق والسكك الحديدية والمطارات. وعلى هامش منتدى الاستثمار الأول لغرب أفريقيا الذي عقد في دبي، التزمت شركة الإنشاءات تروجان للمقاولات العامة باستثمار ما يصل إلى 16 مليار دولار في مشروعات الطرق والسكك الحديدية عبر الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا. كما تلقت أيضا تعهدا بقيمة 1.98 مليار دولار من مشاريع إيسار الإماراتية.
في عام 2017، أعلنت الكويت تمويل مشروعين بقيمة 73 مليون دولار في السنغال ومالي، بهدف تطوير مشروع لمياه الشرب في منطقة باماكو في مالي. وبناء طريق بطول 105 كيلومترات في السنغال. وفي عام 2022، أطلق الصندوق السعودي للتنمية SFD مشروعات جديدة بقيمة 137 مليون دولار في أفريقيا. يشمل مبادرات أعمال تشييد بنية تحتية لإمدادات مياه الشرب و120 وحدة سكنية في جيبوتي. كما تم وضع حجر الأساس لتطوير طريق بطول 60 كيلومترا، وبناء 105 كيلومترات من أنابيب المياه وثمانية خزانات مياه ستضخ المياه النظيفة من بيسيدرو.
من ناحية أخرى، وقع جهاز أبوظبي للاستثمار وشركة ADQ القابضة إضافة إلى الهيئة الكويتية للاستثمار على هامش الاجتماع الأول لمنتدى المستثمرين السياديين الأفريقيين في يونيو/ حزيران 2022. صفقة ASIF وهي عبارة عن منصة تجمع بين الصناديق السيادية لأنجولا وجيبوتي ومصر وإثيوبيا والجابون وغانا والمغرب ونيجيريا ورواندا، لتعزيز المشروعات الخضراء والاستثمار في الخدمات اللوجستية.
فرص للإمارات وعُمان
استفادت الإمارات من البنية التحتية الأفريقية في خدمات الشحن التجاري، حيث تصدرت الإمارات قائمة دول الخليج التي استثمرت لأكثر من 10 سنوات في محطة حاويات دوراليه في جيبوتي. كما أعلنت شركة مواني دبي العالمية عن استثمار مبدئي بقيمة 50 مليون دولار في منشأة لوجستية داخلية في دولة مالي في يوليو/ تموز 2018، لتكمل استثمارات البنية التحتية الأكبر في غرب أفريقيا مثل ميناء داكار والمنطقة الاقتصادية.
كما وضعت عُمان أنظارها على أفريقيا. وفي عام 2019، وقعت مذكرة تفاهم بين صندوق الاحتياطي العام للدولة في عمان (SGRF) وهيئة المواني والمناطق الحرة في جيبوتي. بهدف التعاون في تطوير المواني والاستثمار. كما أصبحت جيبوتي مركزا لوجستيا لحركة التجارة الزراعية بين المملكة العربية السعودية وشرق أفريقيا. كما بلغت قيمة المشروعات المشتركة خلال العقدين الماضيين 35.7 مليار دولار، إضافة إلى حجم استثمارات سعودية تقدر بـ12 مليار دولار في السودان.
في مارس/ أذار 2018، وقعت قطر والسودان صفقة بقيمة 4 مليارات دولار لإدارة ميناء على البحر الأحمر بشكل مشترك. كما حصلت الخطوط الجوية القطرية على حصة 60% في مطار بوجيسيرا الدولي في رواندا، بقيمة 1.3 مليار دولار أمريكي. كما تمتلك قطر حصة 49% في شركة الخطوط الجوية الوطنية الرواندية.
استثمارات الخليج في إثيوبيا
في سعي السعودية نحو تحقيق أمنها الغذائي، وتوافر الفرص الزراعية في أفريقيا، أطلقت استراتيجية زراعية جديدة تستهدف أن تصبح أكبر مستثمر في الأراضي الزراعية الأفريقية. منذ 2009، اشترت 500 ألف هكتار من الأراضي في تنزانيا، وبلغ حجم استثمارها الزراعي حوالي مليوني هكتار في عدد من الدول الأفريقية. وفي إثيوبيا، حصل حوالي 305 مستثمرين سعوديين على تراخيص في 10 سنوات. لتنفيذ 141 مشروعا في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني و64 مشروعا آخر في القطاع الصناعي.
كما يعمل صندوق الثروة السيادية القطري على توسيع نطاق انتشاره في أفريقيا، حيث حصل على حصة 12.5% في Ecobank Transnational في توجو في سبتمبر 2014. بالإضافة إلى استثماراته في ليبيا وموريتانيا وجنوب السودان والسودان وتونس. كما بلغ استثمار قطر القابضة 400 ألف دولار في عام 2013 لدعم سلسلة التوريد الزراعية في شرق أفريقيا. وفي عام 2018، أعلنت الحكومة القطرية خططا لاستثمار نصف مليار دولار في قطاعي الزراعة والغذاء في السودان.
10 مليارات دولار للطاقة المتجددة
ارتفع عدد المشاريع الدولية في مجال الطاقة المتجددة في أفريقيا إلى 71 مشروعا، وطورت دول مجلس التعاون الخليجي استراتيجياتها للتنويع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط من خلال الاستثمار في الأسواق الأفريقية منذ عام 2014. حيث أعلنت السعودية الاستثمار في مشروعات للطاقة المتجددة بقيمة 10 مليارات دولار في جنوب أفريقيا في 2018. كما تستورد جنوب أفريقيا 47% من نفطها من السعودية.
كما وقع جهاز قطر للاستثمار في مشروع مشترك مع شركة المرافق الإيطالية اتفاقية لتمويل وبناء وتشغيل مشروعات الطاقة المتجددة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في جنوب أفريقيا وزامبيا. وتقدر طاقتها الإنتاجية بنحو 800 ميجاوات. ووقعت البحرين والمغرب مذكرة تفاهم بشأن توسيع إنتاج الطاقة المتجددة في أوائل عام 2020.
خريطة الرقمنة والاتصالات
يعتبر الاستثمار في مجالي الرقمنة والاتصالات في أفريقيا من أهم المقاصد بالنسبة لمختلف الدول، وكذلك أحد اهم مجالات التعاون الاقتصادي الأفريقي الخليجي. بسبب قلة المخاطر وارتفاع الكثافة السكانية. صنفت اتصالات الإماراتية في أواخر عام 2013 أكبر لاعب خليجي في قطاع الاتصالات بأفريقيا. حيث حصلت على حصة في شركة جابون تليكوم. واستحوذت على حصة بقيمة 5.3 مليار دولار في شركة اتصالات المغرب. كما أطلقت الإمارات في عام 2020 مشروع “كونسورتيوم لأفريقيا” بقيمة 500 مليون دولار للتوسع مع الدول الأفريقية في مجال الرقمنة.
وتحتفظ شركة الاتصالات السعودية STC بحصة تبلغ 75% في سيل سي بجنوب أفريقيا، كذلك بلغت حصتها في شركة Inwi في المغرب نحو 15%. كما تحتفظ قطر باستثمارات بقيمة 200 مليون دولار في منصة التكنولوجيا المالية (AMC). كما تعمل Ooredoo القطرية في تونس والجزائر.
العمالة الأفريقية في الخليج
تمثل العمالة الوافدة عنصرا مهما في العلاقة الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي وأفريقيا. إذ يُعتقد أن السودانيين والإثيوبيين والإريتريين هم أكبر الجاليات الأفريقية في الخليج. حيث قدرت الأمم المتحدة أن 540 ألف سوداني يعيشون في دول مجلس التعاون عام 2015. كما يُعتقد أن نصف مليون إثيوبي و100 ألف إريتري يعملون في المملكة العربية السعودية. بينما يعمل أكثر من 100 ألف إثيوبي في الإمارات. ما يعني أنهم يمثلون مصدرًا مهمًا للتأثير الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي في أفريقيا.
الإمارات الأولى عربيا وخليجيا
بلغت التدفقات الاستثمارية من الخليج العربي إلى أفريقيا جنوب الصحراء نحو 3.9 مليار دولار بين عامي 2005 و2015. كما أظهرت دراسة حديثة صادرة عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية عن الاستثمار الأجنبي في الدول الأفريقية. أن الشركات الخليجية استثمرت أكثر من 1.2 مليار دولار في أفريقيا جنوب الصحراء، من يناير 2016 إلى يوليو 2021.
وبحسب الدراسة، تعد الإمارات رابع أكبر مستثمر عالمي في أفريقيا، بعد الصين وأوروبا والولايات المتحدة على التوالي، والمستثمر الخليجي الأول في القارة. حيث بلغت استثماراتها 25 مليار دولار بين عامي 2014 و2018. كما ارتفعت تجارة الإمارات مع الدول الأفريقية إلى 50 مليار دولار في عام 2019. وكان صندوق أبوظبي للتنمية في طليعة النشاط الاستثماري والتمويلي في أفريقيا. حيث موّل أكثر من 66 مشروعا في 28 دولة أفريقية، بقيمة 16.6 مليار دولار في عام 2018. ومؤخرا، وقع مكتب أبوظبي للصادرات في يونيو/ حزيران 2022 اتفاقية تمويل مع بنك الإيكواس للاستثمار والتنمية لإنشاء خط ائتمان بقيمة 20 مليون دولار بين الكيانين. التوقيع بغرض تعزيز التجارة بين الإمارات والدول الـ15 الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
ومن ذلك يتضح أن دول الخليج استطاعت بناء شبكة اقتصادية متشعبة على مستوى القارة الأفريقية في فترة زمنية قصيرة. بحيث أصبحت تناطح قوى كبرى تربطها بالدول الأفريقية تاريخ طويل من العلاقات. كما يتضح فعالية الدور الاقتصادي في توثيق العلاقات بين أي دولة خارجية وأفريقيا. ومن المتوقع، أن يستمر التعاون الاقتصادي بين الخليج وأفريقيا في الصعود نظرا لتركيز الدول الخليجية خلال الآونة الأخيرة على توسيع حجم نفوذها الاقتصادي في مختلف المجالات. وتصعيد هذه الأولوية على الاعتبارات الفكرية او الجغرافية أو السياسية.
كما يتبين أهمية منطقة القرن الأفريقي كمنطقة استراتيجية في الاعتبارات الجيوسياسية الخليجية لأسباب تتعلق بأمن باب المندب، وتجارة الخليج عبر البحر الأحمر. كذلك في مواجهة التغلغل الإيراني. وأيضا يترتب على ذلك أن يتعمق الدور الخليجي كشريك رئيسي في القرار السياسي الأفريقي، لاسيما دورها في الوساطة أو دعم فصائل سياسية بذاتها.