تعزز التغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم حاليًا، فرص مصر في الانضمام لمجموعة “بريكس” للاقتصادات الناشئة، التي يسيطر أعضاؤها على ربع الاقتصاد العالمي، ويعتبرها البعض التحالف المضاد والمنافس المستقبلي لمجموعة السبع الصناعية الكبرى.
كما تتوقع مجموعة “بريكس” أن تشهد قمتها بجنوب أفريقيا العام المقبل انضمام دولة أو أكثر من مجموعة تضم “مصر وتركيا وإندونيسيا والسعودية”، مع فرص أكبر للقاهرة والرياض باعتبار انضمامهما “في طور الإعداد بالفعل”.
كانت “بريكس” تضم الصين والهند مركزي الثقل التصنيعي حاليًا في العالم، بجانب البرازيل وروسيا حتى عام 2006 وسميت حينها تجمع “بريك” وهو اختصار الحروف الأولي للدول الأربعة، قبل أن تنضم إليها جنوب إفريقيا عام 2010 ليضاف حرف “إس” في نهاية الكلمة.
تساهمت دول التحالف بنحو ربع النمو العالمي، وتنتج 30% مما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات، وتمثل 16% من التجارة الدولية، بينما يمثل تعداد مواطنيها 41% من سكان الأرض في ظل الكثافة السكانية للهند والصين، بإجمالي 3.1 مليار نسمة.
بحسب خبراء مصريين، فإن انضمام مصر سيحقق لها مزايا كبيرة على المستوي التجاري والتنموي، خاصة في ظل تأسيس المجموعة بنك للتنمية برأسمال 100 مليار دولار، لتمويل مشروعات في الدول الأعضاء.
اقرأ أيضًا.. روسيا تواصل إذلال أوروبا بسلاح الغاز.. هل سيعود سيل الشمال مجددًا؟
بريكس.. تحالف اقتصادي لا يخلو من السياسة
رغم أن المجموعة اقتصادية في المقام الأول لكن الأمر لا يخلو من السياسة أيضًا، فأول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة في روسيا قبل 13 عامًا، تضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالم ثنائي القطبيية، وهو أمر يتكرر الحديث عنه باستمرار من قبل بكين وموسكو، منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
في القمة الأخيرة للمجموعة التي نظمتها الصين بشكل افتراضي وجاءت في خضم الحرب الأوكرانية، تم التأكيد على النقطة ذاتها، فالبيان الختامي تطرق إلى النظام المتعدد الأطراف، وتعزيز مشاركة البلدان النامية، في عمليات وهياكل صنع القرار العالمية.
يرى تحالف بريكس أن الكتل الاقتصادية والتحالفات السياسية التي تقودها دول “الشمال الجيوسياسي” (أوروبا وأمريكا الشمالية) تحكمها دائمًا مبادئ أيديولوجية صارمة مرتبطة بأجندات مثل الليبرالية الجديدة والنموذج الغربي للديمقراطية، علي عكس دول التحالف التي لا تهتم إطلاقا بأجندات سياسية، يتبعها أعضاؤها أو بالمبادئ الأيديولوجية لحكوماتهم.
“بريكس” يركز علي التعاون غير الأيديولوجي بدون قيود ما يسمح للدول المتنافسة بالانضمام إلى المجموعة، رغم تضارب المصالح مثل الصين والهند على سبيل المثال، وسيكون كذلك الحال بالنسبة لإيران والسعودية، إذا تم قبول طلباتهما.
يرى مراقبون أن هذا التجمع الضخم يشكل تكتلًا دوليًا مهمًا يستند له أعضاؤه في وجه الغرب، خاصة أن بروز وصعود لأقطاب وقوى دولية متنافسة، يضع مجموعة “بريكس” في قلب تفاعلات المخاض العالمي الحالي الذي ينال من السيطرة الأمريكية.
هل تتضرر علاقة مصر بأمريكا؟
دخول مصر هذا التحالف يخدمها على جميع المستويات خاصة في ملف المياه فغالبية أعضاء التحالف “الصين وروسيا وجنوب أفريقيا” لهم تأثير على صناعة القرار في إثيوبيا، ويملكون من وسائل الضغط ما قد يجبر أديس بابا، على موقف أكثر مرونة في التفاوض حال امتلاكهم الرغبة، بحسب مراقبين.
لا يمثل انضمام مصر إلى التحالف خطورة على علاقاتها الاقتصادية بأوروبا وأمريكا فالبرازيل وجنوب أفريقيا والهند لها علاقات معهما خاصة في المجال الاقتصادي، ونيودلهي عضو في تحالف كواد الرباعي مع اليابان والولايات المتحدة وأستراليا.
تدفع العقوبات الغربية على روسيا واللهجة الكلامية العنيفة من الغرب إزاء الصين مجموعة “البريكس” لمساحة أوسع لتطوير نشاطها الاقتصادي، خاصة أن المجموعة تمثل أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وانضمام مصر لها سيعطيها فرصة التنافسية بشكل أكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
تمتاز تلك الدول بمساحة جغرافية كبيرة تزيد على 39 مليون كيلومتر مربع تعادل 29.3% من إجمالي اليابسة، مع تنوع في الإنتاج، ففيها أكبر منتجين للقمح والحبوب واللحوم والغاز، علاوة على أن الناتج المحلي لها أكبر من الناتج المحلي لدول مجموعة السبع الصناعية الكبرى.
بحسب الدكتورة نورهان الشيخ، أستاذة العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، فإن هناك ضغطا أمريكيا يحاول منع مصر ودول عربية أخرى من الانضمام لمجموعة “بريكس” خشية تكوين نظام اقتصادي عالمي جديد يفوض الهيمنة الفعلية للدولار، لكن ذلك الضغط لن يؤثر على قرارات القاهرة وتلك الدول.
ووفق لي كيكسين المسئول بوزارة الخارجية الصينية، ، فإن الدول التي تسعى للانضمام إلى التحالف تتضمن إندونيسيا، وتركيا، والسعودية، ومصر، والأرجنتين، لكن بورنيما أناند، رئيسة منتدى بريكس، تؤكد أن تركيا ومصر والسعودية قد تنضم “في القريب العاجل” لأنها في طور “الإعداد بالفعل”.
حلم الـ 100 مليار دولار.. هل يتحقق؟
أيمن فودة، الخبير الاقتصادي، يقول إن انضمام مصر لذلك التجمع يفتح مجالات واسعة أمام الاقتصاد المصري على مستوى التبادل التجاري وتحقيق خطة الـ100 مليار دولار صادرات علاوة على نقل التكنولوجيا والتصنيع من دول كبيرة صناعيا كالصين والهند وروسيا.
يضيف أن مصر تسعى للانضمام إلى التحالف في ظل سياساتها الحيادية في الأزمة الأوكرانية وبنائها علاقات متنوعة مع جميع القوى وهو ما ظهر في قمة جدة الأمريكية العربية الأخيرة بالسعودية كما أن الاقتصاد المصري من مصلحته تراجع قيمة الدولار.
ترى القاهرة في التحالف تكتلًا يضمن أمنها الغذائي، فروسيا أكبر مصدر للقمح عالميًا كما تحتل مرتبة بين أكبر المصدرين للزيوت والحبوب وكلها سلع أساسية تستوردها مصر من الخارج، والهند أصبحت سوقًا يتم التعويل عليها مستقبلًا في تصدير القمح باعتبارها ثاني منتج عالمي بعد الصين التي توجه إنتاجها كله للاستهلاك المحلي.
بالنسبة للبرازيل فإنها ثاني أكبر مصدر للحوم عالميًا، كما تحتل مرتبة متقدمة في تصدير الذرة، وفول الصويا وحققت طفرة في الإنتاج خلال العام الحالي مع زيادة إنتاج محصول الصويا إلى 126.9 مليون طن، وإنتاج للذرة بلغ 89.3 مليون طن.
يقول محمد رضا، الخبير الاقتصادي، إن مصلحة مصر في الانضمام لأي تكتلات اقتصادية من شأنها تحسين شروط التجارة الخارجية لصالحها، وتوسيع حجم تصدير المنتجات المحلية وتعزيز تنافسيتها، مع العمل على جذب الاستثمارات إلى القطاعات التي تستهدف الدولة تنميتها.
بلغ حجم تجارة مصر مع الدول الخمس أعضاء التجمع عام 2016 نحو 20 مليار دولار، جاءت الصين حينها بالمرتبة الأولى بإجمالي حجم تجارة بلغ 10 مليارات و985 مليون دولار، تبعتها روسيا بما يزيد على 3 مليارات دولار، بحسب آخر بيانات لوزارة التجارة والصناعة.
لكن حجم التبادل التجاري ارتفع بعدها بوتيرة متسارعة حتى أن الصين ومصر وحدهما سجلًا تبادلا تجاريا العام الماضي قارب الـ20 مليار دولار، بينما بلغ التبادل بين القاهرة وموسكو نحو 4.7 مليار دولار.
مصر نافذة بريكس على الشرق الأوسط
يضيف رضا أن من مصلحة مصر الشراكة بشكل أكبر مع الكتلة الآسيوية خاصة أن الشركات الغربية لديها سياسة غير مرنة في نقل تكنولوجيا التصنيع، ما لا يسمح بتطوير الصناعة المحلية، وهو أمر تحتاجه مصر بشدة، في ظل استراتيجيتها الرامية لتوطين الصناعة.
وانضمت مصر إلى بنك التنمية الجديد (إن دي بي) الخاص بدول تجمع بريكس، واعتبرها ماركوس ترويخو رئيس البنك، واحدة من أسرع دول العالم نموًا، كما تمتلك اقتصادًا رائدًا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
موّل البنك 80 مشروعًا تنمويًا خلال السنوات الماضية بدول التجمع برأسمال 30 مليار دولار، في مجالات النقل والمياه والصرف الصحي والطاقة النظيفة والبنية التحتية الرقمية، والبنية التحتية الاجتماعية، والتنمية الحضرية، كما لديه استراتيجية لتوسيع نطاق عمله جغرافيًا ليصبح المؤسسة التنموية الأولى لخدمة اقتصادات الدول الناشئة والبلدان النامية.
بالنسبة للتحالف فإن مصر نافذة أكبر على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أنها محطة أساسية لطريق الحرير الصيني، علاوة على موقعها الذي يؤهلها للقيام بأدوار أكبر لتصريف منتجات دول بريكس في أفريقيا خاصة أن جنوب أفريقيا بحكم موقعها الجغرافي المتطرف، لا يمكنها القيام بذلك الدور في القارة السمراء.
تستورد مصر من دول التحالف الحبوب واللحوم والسيارات والأجهزة الإلكترونية وقطع الغيار، وتصدر جلودا وأثاث وخضروات وفاكهة وقطنا خاما وكيماويات وأسمدة نيتروجينية، والأخيرة من الأمور المهمة لدول بريكس خاصة البرازيل التي تمثل الأسمدة نصف وارداتها من مصر، أما الهند فاستوردت العام الماضي بنحو 312 مليون دولار أسمدة كيماوية ونشادر.
لكن توجد عدة تحديات يجب حلها لتحقيق أكبر استفادة من دول بريكس على مستوى تصدير الحاصلات الزراعية أهمها وجود عجز ملموس في الموازين التجارية الكلية والزراعية بين مصر وتلك الدول، وغياب المتابعة المستمرة لطبيعة ومواصفات المنتجات المنافسة للمنتج المصري في تلك الأسواق خاصة المنتج التركي الذي يكتسب مزايا بحكم موقعه الجغرافي الأقرب من أكبر ثلاث دول بالتحالف.