ضمن أنشطة مركز دام الحقوقية صدر اليوم تقرير حول وفاة السجناء في أماكن الاحتجاز. وتناول بالتحليل حالات الموت التي وقعت خلال أغسطس/آب 2022.
وقد شهد عام 2022 حالات موت متكررة في أقسام الشرطة والسجون. وغالبا ما كانت تخرج التقارير الرسمية وتقول إن سبب الوفاة “هبوط حاد في الدورة الدموية”. ومنها حالات في شهر أغسطس/آب والتي بلغت ثماني حالات.
واعتمد التقرير على المنهج الوصفي التحليلي. ورصد ما نشر من أخبار صحفية وما أعلن من تصريحات رسمية حول حالات الوفاة التي تم رصدها بالسجون وأماكن الاحتجاز.
واستند التقرير إلى آليات ومعايير رصد الحالات في التقارير الحقوقية وعرض مؤشرات كمية وكيفية لحالات الوفاة لفهم سياقها وأسبابها والخروج بتوصيات تحد من تكرارها.
كما تضمن التقرير عرض أبعاد مشكلة وفاة السجناء في أماكن الاحتجاز. بما فيها القانونية والنفسية. وما يرتبط بمعايير تطبيق القانون واتفاقيات حقوق الإنسان التي تناهض أشكال الإيذاء كافة.
وتضمن التقرير عرض توصيات للحد من حالات وفيات السجناء. بما يضمن إنفاذ نصوص الدستور والتزام معايير معاملة السجناء التي تحفظ كرامتهم وتجريم أشكال التعذيب والإيذاء كافة. وضمان المعاملة الإنسانية والحق في الرعاية الصحية وفقا للمادة 55 من الدستور.
للاطلاع على التقرير كاملا :
هبوط حاد بالدورة الدموية
ترد التقارير الطبية الصادرة بشأن وفاة بعض السجناء سبب الموت إلى “هبوط حاد في الدورة الدموية”. وحسب المعلومات الطبية تحدث حالة الهبوط لأسباب عديدة. منها الإجهاد أو ما يتعلق بتاريخ مرضي أو صدمة. أو أشكال من الإيذاء. وتختلف حالات الهبوط الحاد في الدورة الدموية حسب حالة الشخص الصحية. بحيث يشكل الهبوط حلقة أخيرة قبل الموت يعجز فيها الجسد عن الاحتمال.
وأوضح التقرير أن معظم حالات الوفاة التي تم رصدها في أغسطس/آب الماضي تعلقت بثلاثة أسباب رئيسية:
ظروف صحية واتهامات بالإهمال الطبي وشكاوى واتهامات بسوء المعاملة. بينما نفت أجهزة الشرطة والنيابة في معظم الحالات “التعذيب والإهمال الطبي”. وقد تقدم بعض أهالي المتوفين ببلاغات وشكاوى رسمية حققت فيها النيابة ولا يزال بعضها قيد التحقيق.
كانت ضمن الحالات -التي تم رصدها ضمن القضايا الجنائية- حالة مصطفى منتصر حامد. الشهير بديشة. والذي تقدمت أسرته بشكوى للتحقيق بشأن تعرض ابنهم “للتعذيب” خلال احتجازه في قسم المنتزه بالإسكندرية لمدة 9 أيام. وقد توفي في 27 يوليو/تموز 2022. بينما بدأت الواقعة بالقبض على مصطفى وثلاثة من أصدقائه يوم 20 يوليو/تموز. وجاء في محضر الشرطة اتهامهم بحيازة مخدرات وهيروين وسلاح وذخيرة وتم ضبطهم دون تحقيق شخصية.
شكاوى من التعذيب
وأمرت نيابة المنشية بالإسكندرية بحبس ديشة وأصدقائه 4 أيام. ومددت فترة الحجز 15 يوما أخرى. وأبلغت الأسرة عند ذهابها لقسم المنتزه بأن مصطفى في مستشفى “أبو قير العام”. بينما أفادت سجلات المستشفى تسجيل دخوله لقسم الجراحة والصدر. وبناء على شكوى أهل المتوفى أمرت النيابة بتشريح الجثمان. واستمعت إلى شهادة 28 من المحتجزين كما قامت بمعاينة الحجز وأصدرت تقريرا بالصفة التشريحية.
بينما نفت الداخلية والنيابة العامة الشبهة الجنائية والتعذيب وردت الوفاة إلى الحالة الصحية للمتوفى. ومنها إصابته بضيق في التنفس ومرض السكر.
وفي الإسكندرية أيضا وضمن اتهامات في قضايا جنائية توفي مصطفى نافع رمضان يوم 9 أغسطس/آب. وهو 19 عامًا ويعمل ميكانيكي سيارات. وذلك بعد حجزه في قسم شرطة ثان الرمل بالإسكندرية بناءً على قرار من النيابة في قضية حيازة سلاح ناري.
وبين القضايا السياسية تم رصد 4 حالات وفاة. بينها وفاة أحمد السيد علي جاب الله -42 عامًا. وذلك في قسم شرطة ثان الزقازيق بمحافظة الشرقية. بعد القبض عليه بأسبوعين بتهمة حيازة منشوارت. وهو يعمل مهندس برمجيات وكان محبوسا احتياطيا بقرار من النيابة العامة. فيما تم نقله إلى مستشفى صيدناوي بالزقازيق بتاريخ 22 يوليو/تموز وتم حجزه لمعاناته من ضيق تنفس وتوفي بتاريخ 5 أغسطس/آب 2022.
وورد بالتقرير الطبي أن المتوفَّى كان يعاني من ورم سرطاني بالحنجرة والتهاب رئوي حاد. وأن سبب الوفاة “هبوط حاد في الدورة الدموية والتنفسية أدى إلى توقف عضلة القلب”.
وفي حالة مشابهة توفي عميد متقاعد سامي محمد سليم بقسم شرطة ثان الزقازيق بعد نقله إلى مستشفى صيدناوي بالزقازيق. وذلك إثر تدهور حالته الصحية بعد حبس دام 6 سنوات وتدويره على ذمة قضايا منذ تم القبض عليه عام 2016.
وفي سجن الزقازيق أيضا توفي عماد بيومي عواد الشمنديلي يوم 18 أغسطس/آب عن سن 55 عاما. وهو رجل أعمال من منيا القمح بمحافظة الشرقية. وقد أُلقي القبض عليه في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
(للاطلاع على التقرير كاملا اضغط هنا)
الإسكندرية والشرقية.. تكرار موت السجناء والمحتجزين
وأظهر التحليل الكيفي لوفيات المحتجزين من حيث نوعية مكان الاحتجاز فإن حالات أغسطس/آب شملت أقسام الشرطة والسجون. وجغرافيا شملت القاهرة الكبرى ومحافظتين هما الإسكندرية والشرقية. والمحافظتان شهدتا تكرارا لحالات موت المحتجزين في أغسطس الماضي.
وأيضا تكررت حالات الموت في المحافظتين خلال النصف الأول من 2022. فيما تنوعت أسباب الاحتجاز والسجن لتشمل 4 حالات في أغسطس/آب ضمن قضايا جنائية و4 سياسية.
وفي الحالتين السياسية والجنائية تقدم بعض الأهالي بشكاوى حول ما أسموه “إهمالا طبيا وسوء معاملة”.
وأظهرت بعض التقارير الطبية وبيانات النيابة وجود إصابات بالمتوفين. لكن لم تربطها بوقائع الوفاة. أو أنها المسبب للوفاة. وهناك ثلاث حالات وفاة كان قد تم القبض على أصحابها من كمائن الشرطة في قضايا جنائية.
ومن حيث السن والحالة الصحية هناك 3 حالات من إجمالي الوفيات فوق سن 50 عاما. ويعاني أصحابها مشكلات صحية متنوعة. فيما كانت بقية حالات الوفاة من الذكور. ويقفون عمريا بين 21 و41 عاما. وارتبط هذا حسب التقرير بالتركيبة السكانية. فيما يعطي مؤشرا إلى أن أغلب المحتجزين في سن الشباب.
موت بعد احتجاز وتنوع في الطبقة والمهن
وأظهر التقرير أن الفترة الزمنية بين الاحتجاز والموت في أغلبها وجيزة وتتراوح بين أيام قليلة وأسبوعين.
بينما تم نقل أغلب الحالات إلى مستشفيات. وشملت حالات الموت تنوعا من حيث الانتماء الاجتماعي. فكان من بين الحالات مهنيون وعمال في قطاع الخدمات وحرفيون. والفئة الأخيرة كانت في قضايا جنائية. فيما ألقي القبض عليها في كمائن الشرطة بمحافظتي الإسكندرية والقاهرة.
أبعاد المشكلة
رد التقرير أبعاد المشكلة إلى أنها وثيقة الصلة بمنظومة حقوق الإنسان. بما فيها ضرورة الالتزام بمعاملة المحتجزين وضمان كرامتهم وحقوقهم والحفاظ على صحتهم طبقا لمعايير القانون والدستور والتشريعات والمواثيق الدولية التي وقّعت عليها مصر.
وهي مسئولية أجهزة الدولة وهيئات السلطة والدفاع عن حقوق المحتجزين وضمان حقوقهم بصورة مشتركة بين الدولة والمجتمع.
السجناء والتشريعات الوطنية والدولية
ومن حيث بنية التشريعات تضمن القانون والدستور المصري قواعد تنظم أحوال السجون وأماكن الاحتجاز. لكن هذه الضمانات والإجراءات تحتاج إلى مراجعات لضمان تطبيقها والالتزام بها. وهو ما أشارت إليه بعض التقارير الوطنية بشأن السجون وأماكن الاحتجاز. ومنها تقارير المجلس القومي لحقوق الإنسان. وطالبت بتحسينها عدة جهات حقوقية مصرية.
هشاشة أوضاع السجناء
واعتبر التقرير أنه على المستوى النفسي يكون المحتجزون في وضع هش. تحاصرهم ظروف تقيد الحرية والإحساس بالانعزال عن العالم الخارجي. وقد يتعرضون إلى مظاهر إساءة استخدام السلطة. ويكونون عرضة للمعاملة التي تنتهك حقوقهم. ومنها أشكال الإيذاء النفسي والبدني. كما يُلزم التشريع الوطني والدولي أن يتم توفير وسائل تحفظ للسجين كرامته وتلبية احتياجاته.
تكرار حالات الموت مؤشر خطر
اعتبر التقرير أن تكرار حالات الموت في أماكن الاحتجاز يعيد طرح أزمة أوضاع أماكن الاحتجاز وأحوال المحتجزين. ويذكّر أيضا بضرورة الإفراج عن المحبوسين احتياطيا والتسريع من وتيرة قرارات العفو عن بعض السجناء.
وإن كانت أحوال المحتجزين تشمل قضايا الرأي والقضايا الجنائية ففي النهاية يظل ضمان سلامة المحتجزين أمرا مهما. وتقليص عدد السجناء وحصولهم على حريتهم المستحقة أمرا ضروريا يخفف عن المجتمع وذوي السجناء ويحسّن منظومة حقوق الإنسان بشكل عام. والتي تحتاج إلى إصلاح لا يمكن إنكاره.
نتائج وتوصيات
الإفراج عن المحبوسين احتياطيا يحد من حالات الموت
أوصى التقرير بأن هناك ضرورة لمراجعة تطبيق المعايير التي أقرتها المواثيق الدولية والدستور. ومراجعة جودة الخدمات الطبية بأماكن الاحتجاز.
كذلك أوصى بمراجعة أوضاع وظروف الاحتجاز ذاتها. بما فيها اكتظاظ بعض أماكن الحجز وافتقاد كثير منها إلى ظروف واشتراطات ملائمة. ما يسهم في تكرار حالات الموت. خاصة فى شهور الصيف. ما يعطي أهمية للوزن النسبي لظروف الاحتجاز في تفاعلها مع باقي الأسباب.
سجل صحي لكل محتجز
وبين التوصيات أيضا تطبيق لائحة السجون خاصة ما يتعلق بتوفير الطعام الكافي والمياه النظيفة ووسائل النظافة الشخصية ومراعاتها لمبادئ الدستور ومواده.
وكذا تحسين الخدمات الصحية. غير سرعة الاستجابة للحالات الطارئة والمرضية. خاصة الأمراض المزمنة. على أن يكون لكل محتجز سجل يوضح وضعه الصحي وما يجب مراعاته من احتياطات طبقا لظروفه.
وطالب التقرير بمكافحة أشكال الإيذاء البدني والنفسي في أماكن الاحتجاز والمراجعة الدورية لأي شكوى. وقيام الأجهزة المختصة بتوفير الحماية للمبلغين.
وأخيرا أوصى بالتوسع في تطبيق العفو الشرطي. على أن تكون فئات كبار السن وأصحاب الأمراض أولوية. فضلا عن سرعة النظر في ملفات المحبوسين احتياطيا ووضع جدول زمني لتفكيك أزمتهم.