رغم وصول المفاوضات بين مصر وصندوق النقد للمراحل النهائية، يتخذ البنك المركزي خطوات سريعة للحفاظ على العملة الصعبة، ومحاولة الحصول على مصادر دولارية جديدة من الخارج لتعزيز الاحتياطي النقدي ومحاولة ضبط سوق صرف العملات الأجنبية.
قال الدكتور محمد معيط، وزير المالية، إن مصر والصندوق وصلا للمرحلة الأخيرة من التفاوض وسيتم الإعلان خلال يومين عن قيمة قرض الصندوق الذي تمثل مرونة سعر صرف الجنيه أمام الدولار المطلب الملح له.
اقرأ أيضا.. التقشف.. حقنة صندوق النقد لتسكين أوجاع الاقتصاد دون علاج
اتهامات فترة طارق عامر
بحسب معيط، فإن الصندوق يرى أن عدم مرونة سعر الصرف خلال الفترة الماضية، أثر في الاحتياطي النقدي الدولي والاقتصادي، وقال على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي المنعقدة حاليا في واشنطن، إن الحكومة مع مرونة سعر صرف الجنيه المصري إذا اقتضت الضرورة.
في عهد طارق عامر، محافظ البنك المركزي السابق، تم توجيه اتهامات للبنك المركزي بدعم سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار بشكل غير مباشر رغم تبني سياسة التحرير “التعويم” من أجل الحيلولة دون نزوله لمستوى 20 جنيها للدولار.
تراجع احتياطي النقد الأجنبي لمصر بنحو 7.8 مليارات دولار في السبعة أشهر الأولى من العام الحالي، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية ورفع الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي” الفائدة ما سحب أموالا ساخنة من مصر بقيمة 22 مليار دولار منذ ديسمبر 2021.
ومنذ تولي حسن عبد الله، إدارة البنك المركزي تبنى سياسة تخفيض الجنيه بشكل مرحلي متتابع بعدة قروش يوميا، إذ سجل الدولار في التعاملات المصرفية بنهاية الأسبوع 19.65 جنيه للشراء و19.71 جنيه للبيع، مقابل 19.10 جنيه للشراء و19.45 جنيه للبيع يوم 17 أغسطس (قبل الإعلان عن تولي عبد الله منصبه).
ضبط سوق الدولار
مع تخفيض قيمة الجنيه وتسابق البنوك العالمية على رفع نسبة الفائدة لاستهداف معدلات التضخم التي سجلت أعلى مستوى في تاريخها بألمانيا، وأعلى مستوى في 40 عامًا بأمريكا، يحاول البنك المركزي، حاليًا، البحث عن حلول للحفاظ على الاحتياطي ومحاولة جلب استثمارات غير مباشرة من الخارج.
ينصب سعي “المركزي” على الأدوات المصرفية التي يملكها في قرارات غير معلنة في الغالب، وآخرها الاعتماد على مؤشر “إس أو إف آر” الأمريكي بدلا من الآيبور الإنجليزي.
مؤشر “إس أو إف آر” هو معدل مرجعي أي معدل يستخدمه الأطراف في العقود التجارية الخارجة عن سيطرتهم المباشرة تم إنشاؤه كبديل لـ”الآيبور” البريطاني الذي يتم اشتقاقه من الأسعار اليومية للبنوك لتكاليف الاقتراض، وعبر تطبيق النظام الأمريكي سيتم تحديد حد أقصى للبنوك لا يتجاوز 1% فوق المؤشر، لكن لديها حرية الاختيار لتحديد السعر.
تمكنت البنوك، عالميًا، من التلاعب بمعدلات “الآيبور” وقررت المملكة المتحدة التوقف عن استخدامه عام 2021، وبات “إس أو إف آر” هو البديل، يتم حسابه وفق التكاليف الفعلية للمعاملات في سوق إعادة الشراء لليلة محسوبة من قبل الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك والسندات الحكومية الأمريكية تعمل كضمان للاقتراض بهذه الحالة.
استهداف ممارسات غير شرعية
يحاول البنك المركزي تقليل الخارج من الدولار من القطاع المصرفي، فرغم مرونة بعض الشيء في فتح الاعتمادات المستندية، لكنه حجم في الوقت ذاته حدود السحب النقدي على العملة خارج مصر باستخدام البطاقات المصرفية.
من حق عملاء البنوك استخدام بطاقاتهم المصرفية خارج مصر في السحب النقدي بعملة الدولة المتواجد فيها العميل من خلال نظام “سويفت” العالمي الذي يتيح تبديل عملة أي كارت بنفس عملة الدولة المتواجد فيها العميل مقابل خصم عمولة ورسوم لإتاحة الخدمة.
ووضع البنك التجاري الدولي حدوداً شهرية على السحب النقدي في الخارج لبطاقات الخصم من (255 دولاراً إلى 15306 دولارات) بجانب سقف للمشتريات الشهرية الدولية ومن بينها الانترنت من 1020 دولاراً إلى 10204 دولارات، أما السحوبات الدولية الأسبوعية لبطاقات الائتمان فحددها بين 153 و1530 دولار.
الأمر ذاته كرره، بنك مصر الذي وضع سقفًا للسحب النقدي لبطاقات الائتمان والخصم المستخدمة في الخارج بين 500 و1500 دولار شهرياً بجانب سقف شهري للمشتريات الخارجية باستخدام بطاقات الخصم ما بين ألف و25 ألف دولار.
بينما خفض بنك أبوظبي الأول حدود السحب النقدي باستخدام بطاقات الخصم من 2551 دولاراً إلى 510 دولارات، ووضع بنك “أتش أس بي سي مصر” سقفاً شهرياً للسحب النقدي قدره خمسة آلاف دولار لكل من بطاقات الخصم والائتمان.
لكن محمد الإتربي، رئيس بنك مصر، أرجع قواعد السحب النقدي الجديدة بالعملة الأجنبية، إلى سوء استخدام للبطاقات من قبل بعض العملاء، بسحب أعلى من المعدلات الطبيعية.
حملة الدولار ومدخري “البلاطة”
تدرس غالبية البنوك العاملة في السوق المصرية رفع الفائدة على الودائع بالدولار، بينما اتخذ بنكا الأهلي ومصر خطوات أسرع برفع سعر الفائدة لأول مرة في نحو 6 سنوات على الشهادات الدولارية بزيادة 3.05% لتصل إلى 5.30%، قبل خمس أيام، بدلاً من 2.25% سابقا بعد رفع فائدة الدولار في أمريكا 3.35% حاليا.
بحسب خبراء، فإن القرار يستهدف المصريين في الخارج الذي تلاحظ أن جزءا من تحويلاتهم يسلك طريقين أولهما البيع في خارج القطاع المصرفي بحثا عن سعر أعلى من البنوك، أو الاحتفاظ بها على أمل تحرك سعر صرف العملات الأجنبية لأعلى.
قال نادي عزام، الخبير الاقتصادي، إن رفع الفائدة على الدولار أمر تأخر كثيرًا، وهو مطلب ملح من أجل جذب المزيد من العملة الصعبة، وتحفيز مالكيها للادخار في القطاع المصرفي.
يضيف عزام، أن سلسلة القرارات التي يتخذها البنك المركزي تهدف إلى الحفاظ على العملة الصعبة وزيادة حصيلتها، في ظل عدم تحديد حجم القرض المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي حتى الآن وفي ظل ارتفاع حجم الأعباء التمويلية على مصر.
البنوك وأدوات مواجهة المخاطر
وجه “المركزي”، أيضًا، البنوك بالاستعداد لإطلاق أدوات مشتقات مالية جديدة للعملاء لحمايتهم ضد مخاطر تذبذب سعر صرف العملة لفترة زمنية محددة، وإتاحة الأدوات للتحوط ضد الأخطار التي يتعرض لها الجنيه بعد أن هبط إلى مستوى قياسي.
من المقرر أن توفر البنوك المحلية عقوداً للجنيه غير قابلة للتسليم “أن دي أف” في إجراء يمكن تفسيره على أنه خطوة لسعر صرف أكثر مرونة قريبًا، بجانب السماح للشركات والمستثمرين لأول مرة بالتحوط ضد التقلبات في العملة المصرية.
حدد البنك المركزي 5 مشتقات مالية للتحوط ضد مخاطر تذبذب العملة وسعر الفائدة، وأولها “IRS” ويعني المقايضة بين نسبة الفائدة الثابتة والمتغيرة حيث يقوم أحد الطرفين بتسديد مدفوعات للطرف الآخر بناءً على سعر فائدة ثابت متفق عليه في البداية، بجانب “SWAPS” الذي يلزم الطرف المتعاقد بالتنازل عن سلسلة من التدفقات النقدية للطرف الآخر في مقابل سلسلة تدفقات نقدية أخرى منه.
تتضمن المشتقات أيضًا عقود “FWD” وهو عقد بين طرفين على أصل معين يسلم بوقت لاحق بسعر يتحدد عند التعاقد يسمى سعر التنفيذ بمعايير غير موحدة بين الطرفين، وكذلك (Options) وهو عقد بين المشتري وكاتب الخيارات ويكون للطرف الذي اشترى العقد الحق في تنفيذه، ويجب على الطرف المصدر أن يكمل العقد عندما يطلب المشتري ذلك.