تركت حرب “طوفان الأقصى”، تداعياتها الاقتصادية سريعا على إسرائيل، والتي تعاني أزمة داخلية بسبب؛ مساعي الحكومة؛ لإضعاف سلطات القضاء، وهو ما تسبب في التظاهر على مدار شهور، مع إضرابات شملت العديد من القطاعات.

وستترك الحرب الحالية آثارها على تراجع  حجم الاستثمارات في القطاعين الخاص والعام، على جانب آخر سيرتفع مقدار موازنة  الجيش، والذي سيتقدم لوزارة المالية بزيادة تمويل الانفاق العسكري، خاصة مع احتمال توسعها خارج قطاع غزة.

تراجع البورصة وصرف الشيكل أمام الدولار

خلال  ثاني أيام الحرب الدائرة، حاليا، في مستوطنات غلاف غزة، هوت بورصة تل أبيب بشكل عنيف بنسبة تناهز 8 %، بختام تعاملات الأحد؛ لتسجل 1694 نقطة في أكبر خسارة يومية، خلال العام الحالي.

وتشهد البورصة “الإسرائيلية” موجة مبيعات عنيفة على وقع مخاوف المستثمرين من تصريحات حكومية،  تتحدث عن إطالة أمد الحرب، وفي ظل استمرار الهجمات الصاروخية التي تنطلق من قطاع غزة، وإمكانية اشتعال الحدود اللبنانية بدرجة أكبر، سيستمر تضرر البورصة والاستثمارات.

كما تراجع الشيكل لأدني مستوياته أمام العملة الأمريكية في ٩ سنوات، ليبلغ  أمام الدولار 3.84 شيكل، مقابل 3.38 شيكل في 2014، كما تراجع أمام الجنيه الاسترليني؛ ليبلغ  الأخير  4.71 شيكل، وكذلك أمام اليورو إلى 4.073 شيكل.

ويقول المحللون، إن الأداء الضعيف للشيكل هو إلى حد كبير نتيجة للمخاوف بشأن؛ الاضطرابات السياسية المستمرة المحيطة بالتعديلات القضائية الذي تخطط لها الحكومة، والتي قوبلت بشهور من الاحتجاجات، لكن أيضا الحرب ستؤثر بدرجة كبيرة مستقبلا.

ووصل صباح اليوم، الاثنين، سعر صرف الشيكل 3.93 لكل دولار ، ويؤدي انخفاض قيمة العملة إلى زيادة التضخم، ويمكن أن يؤدي إلى المزيد من رفع أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي.

إسقاط صواريخ حماس يتطلب ما بين ٢٥٠ و٥٠٠ مليون دولار

واصلت الصواريخ الفلسطينية إلى الأحياء في تل أبيب، وخلفت أضرارا بقطاع عريض من المباني والسيارات، بينما تم تدمير مروحيتين على الأقل، وعددا من المدرعات والدبابات، وأسر عدد من المركبات العسكرية.

مع إطلاق 5 آلاف صاروخ، على إسرائيل من غزة، تعرضت إسرائيل لخسائر كبيرة، فكل صاروخ فلسطيني، تكلفته ما بين 300 و800 دولار، تسقطه منظومة القبة الحديدية بصاروخ، يتكلف ما بين 50 و100 ألف دولار.

القبة الحديدية منظومة دفاع جوي أرض- جو قصيرة المدى منتشرة بإسرائيل؛ لمواجهة الهجمات الصاروخية، وقذائف الهاون، وقذائف المدفعية والمسيرات، على مساحة حوالي 70 كم.

تبدو منظومة القبة الحديدة عاجزة، رغم ادعاء الشركة المصنعة لنظام القبة، أنها حققت معدل نجاح يصل لـ 90٪، لكن المقاومة في الحرب الحالية اعتمدت إلى تكنيك ضرب 5 آلاف من الصواريخ في 20 دقيقة، هذا يجعل كفائة المنظومة تتراجع.

حصر الخسائر

لم تحصر إسرائيل حتى الآن خسائرها، لكن النسخة الحالية من الهجوم واسع النطاق، يشير إلى تداعيات اقتصادية ضخمة، إذ دخل مسلحو حماس 22 موقعًا خارج غزة، بما في ذلك مستوطنات، تبعد عن القطاع 24 كيلومترًا ،هذا بجانب استهداف الصواريخ عدة مناطق في الأراضي المحتلة .

في  حرب مايو 2021، أعلنت رابطة المصنعين الإسرائيليين، تكبد الاقتصاد خسائر في يومين بنحو  166 مليون دولار، بينما رفعت تقديرات أخرى الخسائر؛ لنحو 500 مليون دولار في أربعة أيام، ما يعادل 125 مليون دولار يوميا.

في الحرب ذاتها، تكبدت إسرائيل 33 مليون دولار خسائر بالممتلكات الخاصة للمستوطنين، ونحو 20 مليونا أخرى للممتلكات العامة، دون حساب تكاليف الغارات والقصف التي شنتها على القطاع.

وبلغت تراجع البورصة الإسرائيلية بنحو 28%، مع توقف 30% من المصانع، والورش في مستوطنات “غلاف غزة” عن العمل بشكل كلي، و17% من المصانع في باقي المناطق جنوبي إسرائيل، وتل أبيب بشكل جزئي، كما عطلت الدراسة في 70% من المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة.

لكن الخسائر في النسخة الحالية من الحرب أعلى، مع تعليق الطيران في العديد من المطارات، وإلغاء الشركات العالمية آلاف الرحلات السياحية التيكانت مقررة للفنادق الإسرائيلية.

تضرر قطاع التكنولوجيا الذي تعتمد عليه إسرائيل بشكل أساسي، وألغت شركة إنفيديا، قمة الذكاء الاصطناعي التي كان يفترض، أن تستضيفها تل أبيب الأسبوع المقبل، بينما تدور توقعات، أن تتجاوز الخسائر ٣.٥ مليارات شيكل.

غلاف غزة.. شوكة سياسية اقتصادية

غلاف غزة هي الموقع الأساسي للاشتباكات الحالية، وهي مستوطنات متاخمة للقطاع، وتتكون من مجالس “أشكول”، ويسكنه أكثر من 13 ألف مستوطن، يعيشون في 32 مستوطنة، و”أشكلون” ويعيش فيه حوالي 17 ألف إسرائيلي، بنحو 4 مستوطنات، والثالث “شاعر هنيغف”، وفيه 11 مستوطنة، يعيش فيها أكثر من 7 آلاف شخص.

أنفقت الحكومة الإسرائيلية الملايين من الشيكلات؛ لإغراء المستوطنين، وأغلبهم مواطني درجة ثانية من اليهود الشرقيين، كحاجز جغرافي وديموجرافي بين قطاع غزة، والضفة الغربية؛ لمنع قيام دولة فلسطينية متصلة الأطراف، ومنع توحد المقاومة.

أجبر الاستهداف العنيف لتلك المستوطنات بالصواريخ الفلسطينية تل أبيب على إخلائها، كما شعر قاطنوها لأول مرة بالفزع، وعجز جيش الاحتلال، ومن شأن ذلك إجبار الحكومة الإسرائيلية على إنفاق المزيد، لإغراء البعض للإقامة بها.

ضعف الاقتصاد

تمثل تلك التكلفة ضغطا علي المالية الإسرائيلية في وقت حذر فيه البنك المركزي الإسرائيلي، من أن تداعيات خطة الحكومة الإسرائيلية المثيرة للجدل؛ لاستهداف السلطة القضائية التي تم تأجيلها، قد تؤدي لانخفاض متوسط الناتج الاقتصادي بنسبة 2.8% سنويا على مدى السنوات الثلاث المقبلة.

وتراجعت حكومة نتنياهو عن القانون بشكل مؤقت، بعد ثلاثة أشهر من المظاهرات، وإضراب عام، أدى إلى إغلاق البنوك، والمتاجر والمواني، ومطار بن جوريون الدولي، لكن يوجد تصميم لديها على تمرير القانون،الذي يمنح الائتلاف الحاكم سيطرة أكبر على تعيين القضاة.

وتراجع استثمار رأس المال الاستثماري بالشركات الناشئة إلى 1.7 مليار دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، وهو أدنى رقم ربع سنوي، منذ عام 2018، مقابل 6.7 مليارات دولار قبل عام.

وحذرت مؤسسة “جي بي مورجان تشيس”  الأمريكية، من أن الضعف الأخير للشيكل الإسرائيلي قد يكون علامة على اتجاهات طويلة المدى للعملة، مشيرة إلى الاضطرابات السياسية المستمرة، فيما يتعلق بالتعديلات القضائية، خاصة مع قيام المستثمرين الإسرائيليين بنقل المزيد من الأموال إلى الأصول في الخارج.