حققت مبادرة «تيسير استيراد سيارات المصريين بالخارج» إجمالي تحويلات لا تتجاوز 385 مليون دولار، حتى هذه اللحظة، رغم التيسيرات الجديدة التي أقرها مجلس النواب مؤخرًا، وتضمنت خفض الضريبة الجمركية بنسبة 70٪، وتسري بأثر رجعي على المستفيدين منها. إجمالي ما حققته المبادرة يثير تساؤلات حول أسباب عدم تحقيق المستهدفات حتى الآن، والتي قُدرت حينها ب 2.5 مليار دولار، رغم تدشينها في 16 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.
مبادرة “تيسير استيراد السيارات” تمنح المصريين العاملين في الخارج الفرصة لاستيراد سيارات الاستخدام الشخصي التي كانوا يرغبون في إدخالها إلى مصر، من دون أي جمارك أو رسوم، مع اشتراط إيداع قيمة الجمارك والرسوم في حساب وزارة المالية بالعملة الصعبة على أن يستردوا تلك القيمة بعد خمس سنوات بالجنيه المصري، بسعر صرف الدولار في تاريخ الاسترداد في نهاية السنوات الخمس.
تحديد موعد نهائي
وبحسب بيان وزارة المالية أمس، تنتهي المبادرة، في 14 مايو/ أيار المقبل، وسط تأكيد الوزارة على عدم تجديدها مرة أخرى رغم ابتعاد الأرقام التي استهدفتها الحكومة بدخول 500 ألف سيارة للسوق المحلية من بوابة المغتربين، ما يعمل على حل مشكلات نقص السيارات بالسوق المحلية، ويدعم الاحتياطي النقدي مع اشتراط وضع وديعة دولارية بالبنك المركزي المصري لمدة خمس سنوات.
في مارس/ آذار الماضي, ومع عدم تحقيق المبادرة مستهدفاتها، أجرت عليها وزارتا المالية والمصريين بالخارج تعديلات، أقرتها لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري بتعديل بعض أحكام القانون رقم 161 لسنة 2022 في شأن منح بعض التيسيرات للمصريين المقيمين في الخارج، مارس الماضي، تضمنت تخفيض 70% من قيمة الرسوم الجمركية، ومدّ فترة استيراد السيارات إلى 5 سنوات بدلًا من سنة واحدة، مع إلغاء الحظر على بيع سيارات المصريين بالخارج مقابل وديعة بالدولار بقيمة جميع الجمارك والضرائب والرسوم، ومدّ فترة السداد أو التسجيل من 4 لـ 6 أشهر.
بحسب الدكتور محمد معيط، وزير المالية، تم الانتهاء من الإفراج عن 600 سيارة مستوردة للمصريين بالخارج المستفيدين بالضوابط الميسرة المقررة بالقانون، بينما يتم تلقي 3 آلاف طلب استيراد يوميًا بعد العمل بالتعديلات التشريعية الأخيرة التي استهدفت المصريين في الدول خارج الاتفاقيات التجارية، التي لا تتضمن اتفاقًا بإعفاء السيارات من الرسوم الجمركية مثل الجات.
تخفيضات ضريبية كبيرة
شملت التعديلات الأخيرة والتي استهدفت تنشيط المبادرة، خفض إجمالي المبالغ المالية المحولة من المصريين بالخارج بالدول خارج الاتفاقيات التجارية (دول الخليج المقصود الأول بها) لحساب وزارة المالية بنسبة تصل إلى 58% حسب السعة اللترية للمحرك، ونوع الوقود، كما منحت المصريين الذين حولوا المبالغ المالية قبل تعديل القانون الخاص الذين تقدموا بطلب رد فروق الضريبة الجمركية بعد خفضها.
تغلبت التعديلات على التخوف الأول للمصريين المشاركين بالمبادرة من أن يتم رد فروق الوديعة بالعملة المحلية، بالتأكيد على أن ردها سيكون بالعملة الأجنبية خلال 6 شهور من تاريخ تقديم الطلب على التطبيق الإلكتروني الخاص بسيارات المصريين بالخارج، والسماح لمن يريد سحب المبالغ المحولة من حسابه، لصالح وزارة المالية، والخروج من المبادرة بعد مرور سنة من تاريخ الموافقة الاستيرادية، يتقدم بطلب على المنصة الإلكترونية، والحصول عليها بسعر الصرف وقت الاسترداد خلال 3 أشهر.
رغم تأكيد وزارة المالية على أن أموال الوديعة مأمونة باعتبارها «سند استحقاق»، على الخزانة العامة للمواطنين المقيمين بالخارج بقيمة المبالغ المحولة لحساب وزارة المالية بالبنك المركزي، ومنح المالك الأول استيراد السيارة دون التقيد بسنة الصنع، لكن الشكاوى لا تزال مستمرة حتى الآن، وهي شكاوى تمثل العقبة الأولى التي تقف في طريق المستهدفات.
يقول أحمد محمد: مصري بالخارج، إنه حوَّل مبلغ الوديعة 21 مارس/آذار الماضي ولم يتضمن أي ملاحظات، ورغم مرور تلك الفترة لم تتغير الرسالة التي وردت إليه بانتظار الموافقة الاستيرادية، مضيفًا: “لا يوجد أي منطق في التعامل مع التطبيق الإلكتروني، فالبعض جاءته الموافقة الاستيرادية بعد يومين وآخرين مر عليهم شهر دون استجابة”، وحتى الحديث على الخط الساخن أو الإيميل الإلكتروني لا يتضمن أي رد.
أحمد عبده، مصري بالخارج، قدم طلبًا لإضافة سيارة غير موجودة ضمن التطبيق منذ أسبوعين ويتصل يوميًا بالقائمين على المبادرة للاستفسار عن طلبه دون جدوى، وهو أمر تكرر مع أحمد الشوربجى، الذي مر على تقديم طلبه 3 شهور ولا حياة لمن تنادي فيما يتعلق بإضافة سيارته، كما يشكو جمال بدر أيضًا من عدم فعالية الإيميل الإلكتروني فيما يتعلق بالاستفسارات، والشكاوي الخاصة بسيارات المصريين بالخارج.
التطبيق.. كأحد المعوقات
لا تزال الاستفسارات من المصريين في الخارج عن المبادرة تتوالى رغم مرور أكثر من خمسة أشهر عليها، فخالد صبري أحد المقيمين بالخارج لا يعرف حتى الآن هل يمكن إدخال سيارة موديل 2020 وتاريخ الصنع 2019؟ وأحمد أبو العزم أحد العاملين في السعودية لا يعرف هل يمكن تعبئة بياناته الشخصية في التطبيق؟ وهل يستخدم الرقم السعودي أم المصري؟، وكيف يرفع البيانات على التطبيق؟.
رضا حبيب، مصري مقيم بالخارج، يقول: إنه حول الأموال منذ أسبوعين ويوميًا يطلب منه التطبيق كشف حسابه، رغم أنه أحضره من البنك مرتان، بينما يشكو محمد مصطفى من توقف معاملته حتى الآن بسبب عبارة غامضة لا يفهم مضمونها “متوقفة لحين وضوح بعض الاستفسارات”.
أما صبري ناصر علي، فيبدو ساخطًا من عبارة “تواصل معنا”، الموجودة على التطبيق بعدما اتصل أكثر من مرة من أجل الاستفسار عن بعض الأمور ولا يجد عليها ردا، وبسبب تلك الأمور العالقة لم يحول ثمن الوديعة حتى الآن رغم تقديمه طلب سيارة منذ شهر، ويوافقه الرأي أحمد خالد الذي يحذر القائمين على المبادرة من طريقة التعامل مع المستندات المرسلة فمنذ 26 مارس ينتظر الموافقة الاستيرادية ويبقى الوضع على ما هو عليه.
يحرم عدم تحقيق مبادرة سيارات المغتربين في الخارج، الاقتصاد من منافع متعددة في مقدمتها تعزيز الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية الذي سجل 34.4 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، بجانب حل مشكلة نقص المتوافر من السيارات بالسوق المحلية، فحجم مبيعات السيارات سنويا بمصر يتراوح بين 250 أو 300 ألف، ولا يتوافر في السوق حاليًا في أحسن التقديرات سوى 40 ألفًا. ما خلق فجوة بين العرض والطلب رفعت معها الأسعار.
النائب عمرو هندي، عضو مجلس النواب عن المصريين بالخارج، سبق أن قدر العائد المتوقع من المبادرة بـ3 مليارات دولار على مدى زمني قريب ترتفع إلى 7 أو 8 مليارات دولار حال تسهيل الاشتراطات، لكن وزير المالية محمد معيط قلص ذلك الرقم إلى 2.5 مليار دولار، وهو ما لم يتحقق سوى “سُبعه” حتى الآن.