صدر العدد الجديد من مجلة الكرازة الناطقة باسم الكنيسة القبطية يحمل صورة لجنازة الأنبا إيساك الأسقف المساعد بالبحيرة الذي توفي قبل أيام بعد رحلة طويلة قضاها راهبًا ناسكًا خدم في عصر ثلاثة باباوت حيث بدأ رهبنته في عصر البابا كيرلس حتى ترقى لرتبة أسقف عام في عصر البابا تواضروس بعد أن كان منفيًا ومستبعدًا في عصر البابا شنودة.
لم يكن الأنبا إيساك من الأساقفة ذائعي الصيت في الكنيسة القبطية فقد عاش راهبًا متواضعًا يفضل الصمت والابتعاد عن الأضواء حتى إذا ما جاء العام 2008 حتى ظهر اسم الأنبا إيساك ضمن من قررت الكنيسة محاكمتهم بتهمة تبني أفكار نسطورية “مذهب مسيحي تعتبره الكنيسة القبطية مخالفا للنهج القويم” والترويج للهرطقات والبدع والخروج عن الإيمان الأرثوذكسي الصحيح، بعدها بشهور يقرر البابا شنودة العفو عن الأنبا إيساك بعد ما أمرته لجنة المحاكمات الكنسية بتقديم اعتذار للكنيسة عما ورد في كتابه من أخطاء على أن يعود لتصحيحها في كتاب آخر وهو ما فعله الأسقف الراحل.
اقرأ أيضا.. بين كنيستي أبو سيفين والمنيا الجديدة.. دفتر عمران الأقباط
لم يرفع الاعتذار المكتوب العقوبات عن الأنبا إيساك فقد عاش مبعدًا منذ هذا التاريخ لا يتمتع بأي من مزايا الأساقفة الإدارية والروحية حتى إذا جاء البابا تواضروس إلى سدة كرسي مارمرقس عام 2012 ليعيد بعض الأساقفة المبعدين إلى الخدمة وقد كان الأنبا إيساك من بينهم فتم منحه رتبة أسقف عام في سنة 2014.
كيف ترقى؟
منح البابا تواضروس للأنبا إيساك مقعده القديم ليصبح الأسقف الراحل مساعدًا للأنبا باخوميوس مطران البحيرة وهي المهمة التي كان يشغلها البطريرك قبل أن يصعد على رأس كنيسة مارمرقس غير إن الأنبا باخوميوس قد عهد إلى الأنبا إيساك بمهمة تعمير دير الأنبا مكاريوس السكندري بجبل القلالي ليعيد الحياة الرهبانية إليه نظرا لما يتمتع به من خبرات روحية كبيرة.
يقول القمص يوحنا نصيف كاهن كنيسة سبورتنج بالإسكندرية والمنتدب للخدمة بأمريكا حاليًا: (تعرّفت على أنبا إيساك أوّلاً، عن طريق كتابه البديع “تأمّلات في البرّيّة”، الذي صدر عندما كان راهبًا باسم القمّص ويصا السرياني، وكان الكتاب صغيرًا في حجم كفّ اليد، ذا غلاف ملوّن، ومزيّنًا من الداخل بصور تخطيطيّة رمزيّة جميلة، ترافق المقطوعات التأمّليّة الموجودة بالكتاب وكان هذا الكتاب سبب بركة كبيرة لي، إذ كنت آخذه معي في خلواتي بالأديرة منذ أواخر السبعينيّات، لأقرأ فيه، وأصلّي بمقطوعاته الرقيقة التي تلامس أعماق القلب، في الصحراء قبل غروب الشمس).
هل ظلمه البابا شنودة؟
لم تخلو جنازة الأنبا إيساك من تأكيد ما تعرض له من إقصاء وإبعاد في سنوات البابا شنودة وهو ما بدا واضحًا مما قاله الأنبا بافلي النائب الباباوي للإسكندرية حين أشار: “عاش طوال عمره متنازلا، وهذه فضيلة يتعلمها الراهب قبل أن يترهبن حيث يتنازل عن كل شيء وظيفته وشكله وأمواله وأقربائه وممتلكاته”، مضيفا: “هذا المتنازل الكبير الأنبا إيساك ما أكثر المشاكل والضيقات والآلام والمتاعب والظلم الذي وقع على شخصه لكنه احتمل بصمت”.
في المقابل فإن ما صرح به الأنبا بافلي، دفع جماعة حماة الإيمان القبطية المحسوبة على البابا شنودة والحرس القديم لإصدار بيان تذكر فيه: “هناك استخدام خاطئ لتعبيرات أطلقها البعض عن عمد أو دون عمد أو ربما يقصدون مالم يتم تفسيره ولا يعرفه أحد، فقد تحدث بعض المستنيرين قائلين إن هناك ظلما وقع على الأنبا إيساك في حياته من البابا شنودة وهو ما لم يحدث فقد تمت رسامة الأنبا إيساك خوري أبسكوبس وهي رتبة أقل من الأسقفية وتعني أسقف القرى كمساعد المطران الإيبارشية، ولا يجوز له رسامة كهنة مثلا إلا بموافقة المطران وبعض القيود الأخرى”.
ووفقا لجماعة حماة الإيمان فإن الأنبا إيساك بعد رسامته ظهرت له تعاليم تميل إلى النسطورية ما دعا المجمع المقدس لسؤاله، ووقتها قام مثلث الرحمات الأنبا بيشوي بنشر ردود دون ذكر اسمه، وفي عام 2008 في سابقة مميزة وروح اتضاع اعتذر الأنبا إيساك عن أخطائه في شجاعة ليت المخطئين الحاليين يملكون قيد أنملة منها وترتب على اعتذاره هذا عودته إلى خدمته المفيدة بحكم رتبته.
البيان اعتبر أن ترقية الأسقف الراحل أمرًا لم يكن يتوافق مع قوانين الكنيسة مؤكدًا: “في هذه الحالات على عدم رفع الرتبة الكهنوتية لرتبة أعلى، لكن وفي مجمع برئاسة البابا تواضروس عام 2014 قرر المجمع استثناء ترقيته إلى رتبة أسقف علما بأن تلك الموافقة لم تكن بإجماع الحاضرين لكن القرار نفذ وكان ما كان”.
اختفاء لجنة المحاكمات
ما بين عام 2008 الذي شهد استبعاد الأنبا إيساك بعقوبة كنسية وعام 2014 الذي تمت فيه ترقية الأسقف الراحل، مياه كثيرة جرت في نهر الكنيسة القبطية فقد كان الأسقف ضمن قائمة من الأساقفة المبعدين في عصر البابا شنودة بفعل لجنة المحاكمات الكنسية التي ترأسها الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس الراحل.
اللجنة عاقبت الأنبا أمونيوس أسقف الأقصر وأسقف المحلة الأنبا متياس وأسقف دشنا الأنبا تكلا، والأنبا إيساك وإن كان البابا تواضروس قد نجح في إعادة الأنبا تكلا لموقعه وترقية الأنبا إيساك، إلا إن أسقف الأقصر قرر البقاء في دير الأنبا بيشوي يمارس حياته الرهبانية ويستقبل زواره من الرعايا والتلاميذ، بينما يعيش أسقف المحلة السابق في الولايات المتحدة الأمريكية ويصلي في أحد الكنائس هناك دون أن يمارس أية أدوار إدارية.
لم يعد للجنة المحاكمات الكنسية أي وجود في عصر البابا تواضروس الثاني وكأن اللجنة انتهت بوفاة البابا شنودة الثالث ثم رحيل الأنبا بيشوي الذي كان يرأسها كرجل حديدي يدير معارك البابا شنودة مع معارضيه. غير أن الكنيسة وحتى اليوم لا تمتلك خطًا قانونيًا واضحًا يحكم طبيعة ومسئوليات وأدوار الأسقف وما يمكن أن يعرضه للمحاكمة الكنسية ومساحة شاسعة متروكة لتقدير المجمع المقدس وللسلطة الباباوية دون أجندة واضحة وهو ما يمكن رؤيته في سيرة الأنبا إيساك الذي كان منفيًا بعيدًا في أحد الأديرة ثم ترقى في عصر آخر لرتبة أعلى في الهرم الكنسي.