في تقرير منشور لمنظمة العفو الدولية بتاريخ 21 / 1 / 2021، عن السجون المصرية جاء فيه على لسان فيليب لوثر ” إن السلطات تتمادى إلى أبعد من ذلك، فتحرم عمداً رجالاً ونساءً احتُجزوا دونما سبب سوى ممارستهم لحقوقهم الإنسانية وآخرين احتُجزوا لأسباب سياسية من الرعاية الصحية والغذاء الكافي والزيارات العائلية. ومن المؤسف أن السلطات المصرية تسعى إلى ترهيب وتعذيب مدافعين عن حقوق الإنسان وسياسيين ونشطاء وغيرهم من المعارضين الفعليين أو المفترضين بحرمانهم من الرعاية الصحية.
وإذ إن الدولة المصرية قد أطلقت استراتيجيتها الوطنية لحقوق الإنسان، وهو الأمر الذي يعني أن تضع نصب عينيها تلك الحقوق، التي من بينها حقوق السجناء، وهي تلك التي يقصد منها كيفية معاملة المسجونين داخل السجون التي يقضون بها مدة عقوبتهم، وهذه الحقوق مرتبطة بحياة المسجونين كاملة داخل السجن شاملة الحق في الصحة والغذاء والكساء والتريض والتزاور، وهذه المجموعة من الحقوق هي حقوق دستورية، حيث شملها الدستور المصري الأخير بنصه في المادة 55 منه على أنه: “كل من يقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه، أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحياً، وتلتزم الدولة بتوفير وسائل الإتاحة للأشخاص ذوي الإعاقة. ومخالفة شيء من ذلك جريمة يعاقب مرتكبها وفقا للقانون. وللمتهم حق الصمت. وكل قول يثبت أنه صدر من محتجز تحت وطأة شيء مما تقدم، أو التهديد بشيء منه، يهدر ولا يعول عليه.” ثم أتبعها المشرع الدستوري في المادة 56 منه بقوله إن “السجن دار إصلاح وتأهيل.تخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافى كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر. وينظم القانون أحكام إصلاح وتأهيل المحكوم عليهم، وتيسير سبل الحياة الكريمة لهم بعد الإفراج عنهم.” ومن هنا فإن أي تنظيم تشريعي يعالج تلك القيم والمبادئ الدستورية لا يجب أن يكون بها ما يقلل من تلك الحقوق أو يحد منها.
ومن الناحية الحقوقية فقد اهتمت القواعد النموذجية الدينا لحقوق السجناء بكيفية رعاية المسجونين، وهي مجموعة من القواعد الإرشادية غير الملزمة التي عنيت بالأوضاع الصحية للمسجونين عناية بالغة حيث اهتمت بالنص على ضرورة الاهتمام بتوفير كافة الوسائل التي ترفع من مستوي النظافة بالسجن ومن ثم مستوى الصحة العامة كالمراحيض ومنشآت الاستحمام والاغتسال ووسائل الاهتمام بالنظافة الشخصية لكل مسجون وأدوات نظافة الملابس وكافة ما تتطلبه الصحة والنظافة من أدوات، كما اهتمت هذه القواعد بضرورة أن يتوافر في كل سجن طبيب مؤهل واحد على الأقل وأن يكون هناك طبيب على دراية وإلمام بالطب النفسي وكذلك ضرورة أن يتم تنظيم الخدمات الطبية. كما تقرر مجموعة المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء.
ولكن يختلف قانون تنظيم السجون المصرية ولائحته التنفيذية في بعض جوانب حقوق السجين، فمثلا فيما يخص الزيارة والمراسلة فهناك إطلاق يد لجهة الإدارة في جواز منع الزيارة منعًا مطلقًا أو مقيدًا دون تحديد الحالات التي يجوز لها فيها إجراء هذا المنع وغلق السجون في وجه الزائرين ومنعهم من زيارة ذويهم. فلم يتحدد بالقانون واللائحة على وجه الدقة ما هي الظروف والأوقات التي تبيح لإدارة السجن منع الزيارة، وما هي الأسباب الصحية أو الأسباب المتعلقة بالأمن التي تبيح ذلك، فعدم التحديد هذا، يسهل لإدارات السجون اتخاذ إجراءات تعسفية في منع الزيارات وقتما تشاء دون إبداء أسباب منطقية ومعقولة لهذا المنع، والاعتماد بشكل كامل في التراسل على وسيلة الخطابات وهي وسيلة بُدائية قديمة جدًّا ولم تعد تستخدم في الواقع بين أفراد المجتمع، وذلك ما يتعارض مع ما جاء القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء “قواعد نيلسون مانديلا” تحت عنوان الاتصال بالعالم الخارجي بالقاعدة رقم 58 وحتى القاعدة رقم 63 من القواعد وجاء بها أن يوزَّع السجناء، قدر المستطاع، على سجون قريبة من منازلهم أو أماكن إعادة تأهيلهم اجتماعيًّا ويُسمَح للسجناء، في ظل الرقابة الضرورية، بالاتصال بأسرهم وأصدقائهم على فترات منتظمة بالمراسلة كتابةً، وحيثما يكون متاحًا، باستخدام وسائل الاتصال والوسائل الإلكترونية والرقمية وغيرها وباستقبال الزيارات، كما أنه فيما يخص الزيارات، فقد نصت القواعد على أن يكون قبول دخول الزائرين إلى مرافق السجن رهنًا بموافقتهم على الخضوع للتفتيش. وللزائر أن يسحب موافقته في أيِّ وقت، وفي هذه الحالة يحقُّ لإدارة السجن منعه من الدخول، وألا يجوز أن تكون إجراءات تفتيش الزائرين ودخولهم مُهينةً وينبغي تجنُّب تفتيش تجاويف الجسم وعدم إخضاع الأطفال له.
هناك فروق عديدة بين ما تنص عليه لائحة السجون المصرية وقانون تنظيم السجون، وبين ما تضعه كحق المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وللتأكيد فنجد أن لائحة السجون تمنح للسلطة الإدارية المنوطة بتنظيم السجن ومراقبته الحق في تأديب المسجون وعزلة في الحبس الانفرادي، وبحسب نص اللائحة المرن سهل التأويل “في حالة ارتكاب السجين أي أفعال من شأنها الإخلال بأمن السجن”، وهذا دون أدنى رقابة عليها، مما يجعل الأمر كله في يد السلطة، إن شاءت فعلت وإن شاءت منعت، حتى في أهون الأمور تجد استهانة بحقوق المسجونين، ومن ذلك تجد قرار وزير الداخلية رقم 3320 لسنة 2014 بتعديل لائحة السجون جعل الحد الأدنى لأجر السجين سبعة جنيهات، ويجوز منح المسجون أجرا أعلى، فهل هذا يمثل أجرا عادلا لعمل يوم كامل؟، حتى ولو قيل بأن إدارة السجن هي التي تتولى تدريب السجين وتعليمه، فهذا لا يتناسب أبدا مع حقيقة معنى كلمة عمل، وهو ما يتعارض مع ما جاء بمجموعة المبادئ المتعلقة بحماية الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والتي اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة الأمم المتحدة رقم 173 / 43 المؤرخ في 9 ديسمبر سنة 1988، وقد عنيت تلك المبادئ بأسرة المسجون وأن على السلطة أن تشرف عليهم وترعاهم كبديل عد حالات سجن الراعي أو الأب المسؤول عن الأسرة، وليس استغلاله.
كما أن قانون تنظيم السجون قد احتجز لنفسه سلطة الإفراج الشرطي عن المسجونين، حيث اشترط في نهاية المادة 52 منه على ألا يمثل الإفراج الشرطي خطرا على الأمن العام، دون أي تحديد للمعنى المفتوح لكلمة الأمن العام، هذا بخلاف ما جاء مستحدثا بالقانون رقم 19 لسنة 2020 بتعديل أحكام قانون تنظيم السجون، والذي جاء مضيقا على الإفراج الشرطي مستثنياً بعض الجرائم من حق الإفراج الشرطي، منها التجمهر والإرهاب وغسيل الأموال.
وفي المجمل فإن تنظيم السجون في مصر كقانون أو لائحة لا يتفق مع حقوق المسجونين أو المحتجزين الواردة بالعديد من الاتفاقيات الدولية، ولم يقف الأمر عند حد المخالفات النصية فقط، لكن هناك العديد من المخالفات السلوكية والتميزية في التعامل مع السجناء لا تتفق مع أي معايير، ولا تتوافق مع كل التطورات العصرية في مجل التعاملات الإنسانية والاجتماعية التي تسعى لتطهير النفوس البشرية وعلاج سلبياتها، وبشكل خاص المسجونين، والذين من المفترض أن تكون فترة عقابهم وسلب حرياتهم فترة لإعادة إنتاجهم مرة ثانية وتدويرهم في المجتمع بشكل صالح ونافع.