حذرت منظمة الصحة العالمية من خطر تفشي أزمة جديدة في لبنان مع تسجيل حالات إصابة بالكوليرا وصلت لمئات الحالات. مع توقعات بارتفاع الحصيلة خلال الفترة القادمة.
اكُتشفت الحالة الأولى في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول في محافظة عكار شمال لبنان. وهي منطقة حدودية مع سوريا والتي سجلت منذ شهر تفشيا غير مسبوق لمرض الكوليرا فاق 10 آلاف حالة.
تأتي أزمة الكوليرا في وقت يعاني فيه لبنان أزمات متشابكة. منها عجز في التمويل ضمن سلسلة أزمات اقتصادية تضرب البلاد. وأزمات سياسية على رأسها فشل اختيار رئيس حتى اليوم. فضلا عن أزمات في القطاع الطبي ونقص الغذاء.
خلفية الأزمة وحدودها
حتى 14 أكتوبر/تشرين الأول سجلت السلطات اللبنانية 16 حالة إصابة وفقا لمنظمة الصحة العالمية. ثم زادت لتصل إلى مئات. وتأثر لبنان بزيادة الإصابات في سوريا التي تشهد تصاعد القتال شمال غرب البلاد وانخفاض منسوب نهر الفرات والظروف الشبيهة بالجفاف. غير نقص الغذاء وغياب خدمات الصرف الصحي نتاج الصراع المسلح. فضلا عن اتساع مجتمعات اللاجئين والتي تعد ظرفا مواتيا لانتشار الأوبئة ومنها الكوليرا. ما دفع 6 آلاف شخص للفرار من شمال حلب خلال الأسبوع الماضي.
وبحسب اليونيسيف تجاوزت حالات الإصابة بالإسهال المائي في سوريا 20000 حالة منذ إعلان تفشي الكوليرا في 10 سبتمبر/أيلول 2022.
أسباب الأزمة وكيفية انتشارها في لبنان
وتعود الكوليرا إلى لبنان بعد غياب 30 عاما بسبب تراجع مستوى الخدمات الأساسية. بينها خدمات الصحة والمياه وتلوث البيئة ونقص الغذاء. ما جعل البلد المنكوب اقتصاديا معرضا لانتشار الأوبئة.
وقال ممثل منظمة الصحة العالمية بالإنابة في لبنان -الدكتور عبد الناصر أبو بكر- إن “مرض الكوليرا بات شائعا جدا لأنه ينتج عن جرثومة تنتقل عبر مياه الشرب أو تناول مواد غذائية ملوثة. أو عبر الخضراوات المروية بمياه ملوثة أو من شخص إلى آخر عبر الأيدي الملوثة”. وتمتد فترة حضانة المرض من يومين إلى خمسة أيام.
ويضيف: “من بين علامات الإصابة به الإسهال والقيء. ما يشكل الخطر الأبرز للمرض المتمثل في جفاف الجسم نتيجة فقدانه كمية كبيرة من السوائل. ما يؤدي إلى مضاعفات قد تصل إلى الوفاة في حال عدم المعالجة السريعة”.
تداعيات الأزمة الاقتصادية
ويمر لبنان بمأزق اقتصادي منذ ما يزيد لى ثلاث سنوات ترك آثاره على إمكانيات الوصول إلى الخدمات وتوفير الغذاء لملايين الأسر. فضلا عن نقص موارد المياه الصالحة للشرب. وتفاقم أزمة التلوث ومنها أزمة النفايات والصرف الصحي والأنهار. وكلها عوامل مساعدة لانتشار المرض. لا سيما بين المناطق الفقيرة.
ويعاني نحو 80٪ من سكان لبنان من فقر متعدد الأوجه. نصفهم يعيشون على خط الفقر وفق تقديرات الأمم المتحدة الأخيرة.
وسبق ووصف “البنك الدولي” أزمة لبنان بـ”الكساد المتعمّد” بسبب سوء إدارة وغياب التدابير السياسية الفعّالة وصنّفها ضمن أسوأ ثلاث أزمات مالية عالمية منذ منتصف القرن التاسع عشر.
أزمة غذائية تضعف مقاومة الأجساد
ووفقا لبرنامج الأغذية العالمي يحتاج أكثر من نصف اللبنانيين إلى مساعدات لتغطية احتياجاتهم الغذائية.
وأدى التراجع الحاد في قيمة الليرة اللبنانية –خسرت 90% من قيمتها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019- إلى وصول القوة الشرائية لمرحلة الشلل. ما رفع أسعار المواد الغذائية بشكل بالغ منذ أكتوبر تشرين الأول 2019.
وسبق وأشارت منسقة الشؤون الإنسانية في لبنان -نجاة رشدي- خلال يوليو/تموز الماضي إلى مخاوف خطيرة بشأن الاحتياجات الإنسانية والمرتبطة بأزمة انعدام الأمن الغذائي.
ورصدت المنظمة وجود نحو 2.2 مليون لبناني و86 ألف مهاجر يحتاجون إلى مساعدات طارئة. بالإضافة إلى 1.5 مليون لاجئ سوري “غير قادرين على تحمل تكاليف الخدمات الصحية والغذاء والكهرباء والمياه والتعليم”. وتأثرت المجموعات المهمّشة مثل اللاجئين والأشخاص ذوي الإعاقة والعمال المهاجرين بشكل كبير من هذه الإجراءات.
يأتي ذلك في وقت ألغت الحكومة أو خفّضت الدّعم عن بعض السلع كالوقود والقمح والأدوية. ولم تُنفّذ خطّة حماية اجتماعية ملائمة لصون السكان من تأثير الزيادات الحادة في الأسعار. إضافة إلى زيادة نسبة البطالة التي تمثل ثلث سكان البلد مقارنة بـ11.4٪ قبل جائحة كورونا.
هشاشة في القطاع الصحي
وتواجه المستشفيات اللبنانية “نقصا حادا في الإمدادات الطبية ونقصا في الكهرباء”. في الوقت الذي غادر فيه أكثر من 40 في المائة من أطباء لبنان و30 في المائة من الممرضات البلاد منذ بداية الانهيار الاقتصادي.
وكان للأزمة الاقتصاديّة أثر مدمّر في قطاع الرعاية الصحيّة. حيث أدى إلى نقص في الأدوية والمستلزمات الطبيّة. ومعظمها مستورد. ودفعت عوامل نقص الوقود والكهرباء المستشفيات إلى “كارثة” حيث أغلق بعضها بشكل دائم.
هجرة الأطباء وتفسخ القطاع الطبي
انخفضت قيمة رواتب الممرضين والأطباء. ما أدّى إلى هجرة جماعية ووضع عبء ثقيل على بقيّة العاملين في القطاع.
وتسببت جائحة كورونا أيضا في ضغط إضافي على قطاع الرعاية الصحيّة المتأزّم أصلا. كما أظهرت السلطات اللبنانية تجاهلا صارخا لحماية العاملين في الرعاية الصحيّة على الخطوط الأمامية في مواجهة الوباء.
ورغم الضغوط الهائلة التي تواجه المستشفيات فإنّ الحكومة لم تصرف لها مليارات الدولار التي تدين بها لها.
وتشكل هجرة الأطباء جزءا من سياق عام تهرب فيه قطاعات أخرى طالت حتى مؤسسة الجيش. حيث تفيد مصادر لبنانية بأن عدد الفارّين من الخدمة في الجيش اللبناني تجاوز عتبة الخمسة آلاف بين ضابط وعسكري نهاية عام 2012. ويتنامى الاستياء في صفوف الجيش اللبناني بسبب انهيار العملة الذي أدى إلى إلغاء أغلب قيمة رواتبهم.
حالة الكوليرا عالميا
أعلنت منظمة الصحة العالمية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري تفشي الكوليرا في 26 دولة. معظمها يعاني الفقر والصراعات. بينما أبلغت 29 دولة منظمة الصحة العالمية بتفشي المرض هذا العام.
وأشارت المنظمة أن الكوليرا خطيرة للغاية ويمكن أن تقتل في غضون يوم واحد. ولكن يمكن الوقاية منها بجرعتين من اللقاحات الفموية الآمنة والفعالة.
وحسب تيدروس أدهانوم -مدير منظمة الصحة العالمية- فإن المنظمات الأممية المعنية بالصحة عملت منذ عام 2013 على إدارة مخزون عالمي من لقاحات للسيطرة على الأوبئة. إلا أن الموجة الحالية من الفاشيات تشكل ضغطا غير مسبوق على المخزون.
ونتيجة لذلك قال الدكتور تيدروس إن الوكالات الأربع قررت تعليق استراتيجية الجرعتين لصالح استراتيجية الجرعة الواحدة. بحيث يتلقى المزيد من الأشخاص بعض الحماية.
وبدا أن العالم في حاجة إلى توسيع نطاق إنتاج اللقاح كجزء من استراتيجية شاملة لمنع ووقف تفشي الكوليرا. بالإضافة إلى ذلك فإن أفضل طريقة لمنع تفشي الكوليرا هي ضمان الحصول على المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي.
وبين الدول التي تعاني أزمة الكوليرا هاييتي وملاوي وسوريا. كما تبين الاتجاهات العالمية انتشارا أكبر للفيضانات والجفاف والصراعات وتحركات السكان وغيرها من العوامل التي تحد من الوصول إلى المياه النظيفة. وهذه كلها عوامل تزيد خطر تفشي الكوليرا مستقبلا.
ما الكوليرا؟
حسب منظمة الصحة العالمية لا يبدي معظم المصابين بعدوى الكوليرا أي أعراض أو يبدون أعراضا خفيفة. ويمكن علاجهم بنجاح بواسطة محلول.
وتتمثل الأعراض في الإصابة بإسهال مائي حاد يستغرق فترة تتراوح بين 12 ساعة و5 أيام لكي تظهر أعراضه على الشخص عقب تناوله أطعمة ملوثة أو شربه مياه ملوثة. وتصيب العدوى الأطفال والبالغين ويمكن أن تودي بحياتهم في غضون ساعات إن لم تُعالج.
وتظهر أعراض الإصابة وتستمر بين يوم واحد و10 أيام عقب الإصابة. وبهذا تُطلق عائدة إلى البيئة ويمكن أن تصيب بعدواها أشخاصاً آخرين.
في 2017 أطلقت استراتيجية عالمية لمكافحة المرض وتخفيض الوفيات بنسبة 90٪. ومن أجل تحقيق الهدف إعطاء اللقاحات بالاقتران مع إدخال تحسينات على خدمات إمدادات المياه ومرافق الصرف الصحي والوقاية منها في المناطق شديدة التعرض للمخاطر.
والكوليرا عدوى حادة تسبب الإسهال وتنجم عن تناول الأطعمة أو شرب المياه الملوّثة بضمات بكتيريا الكوليرا. التي لا تزال تشكل تهديدا عالميا للصحة العامة ومؤشرا على انعدام المساواة وانعدام التنمية الاجتماعية.
الفقراء والأطفال هم الأشد معاناة
وتتعاظم المشكلة في نتائجها على الأطفال والنساء وأيضا تتأثر بشكل أكبر المناطق الفقيرة.
وتشير اليونيسيف إلى تركز وفيات الأطفال والمراهقين في منطقتين: أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا.
وتعد الدول الست التي تضم أكبر عدد من النازحين داخليا -أفغانستان وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا والسودان وسوريا واليمن- بين أعلى 10 بلدان في معدلات انعدام الأمن الغذائي.
ويواجه نحو 970 ألف شخص خطر المجاعة في أفغانستان وإثيوبيا والصومال وجنوب السودان واليمن. كما أن عدد الأشخاص الذين يواجهون الجوع عالميا آخذ في الارتفاع -وفق أحدث إصدار لتقرير منظمة الأغذية والزراعة عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم.
ويعيش نحو مليون شخص تقريبا في ظروف المجاعة. حيث يواجهون خطر الموت والهلاك بسبب الجوع ومع هذا الظرف تتزايد نسب الإصابات بالأوبئة.
كيف يمكن مواجهة الكوليرا
أمام خطر انتشار الوباء هناك ضرورة لتوفير مياه نظيفة وآمنة للشرب. فضلا عن غذاء سليم وشبكات صرف صحي فعالة خالية من الجراثيم.
ومن الممكن الوقاية من المرض ومواجهته بخطوات جدية والتدخل السريع لاحتوائه عبر إجراءت العلاج والعزل وتوفير اللقاحات.
خطوات محلية ودولية
وأعلنت لبنان بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية ومنظمة الطفولة اليونيسيف خطة شملت تقصي الحالات عبر زيارات ميدانية للمناطق اللبنانية. ومنها المناطق المرجح أن ترتفع فيها الإصابات. بالتوازي مع أسباب المرض من متابعة مصادر المياه وشبكات الصرف الصحي وإجراء الفحوص المطلوبة.
وتضمنت الخطة تأمين مخزون من الأمصال والأدوية. وعلى مستوى الاستعدادات جرى تجهيز بعض المستشفيات للعزل. كما شكلت وحدة لإدارة الأزمة بالتنسيق مع الوزارات المعنية. ولا سيما الطاقة والمياه والداخلية والبلديات والبيئة والشركاء الدوليين من أجل العمل على توفير مصادر مياه سليمة ومراقبة الصرف الصحي.