في 26 إبريل/ نيسان، تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية. قائلًا إن القوات المسلحة المصرية دفعت 84 مليار جنيه في عمليات مكافحة الإرهاب في سيناء خلال الـ 7 أو 8 سنوات ماضية. أوضح أن التكاليف، سواء في الأرواح أو الأموال. هي “ثمن كان لازم ندفعه، دي تكاليف الصراع. بس خلاص الموضوع خلص”.
أضاف الرئيس: “يقولوا لي طب أعلن بقى إن سيناء أصبحت خالية من الإرهاب. أنا بقول لمّا نخلّص إزالة العبوات الناسفة والمتفجرات، اللي كانت موجودة. واللي حطوها في حتت كتير من رفح، والشيخ زويد، والعريش. نقدر ساعتها نعلن إنه تم تطهير أو انتهاء الإرهاب في سيناء”.
ردًا على تصريحات الرئيس الواعدة، شنّ مقاتلو تنظيم داعش هجومًا في أوائل مايو/أيار. استشهد خلاله 11 عسكريًا مصريًا. كان الهجوم أول حادث كبير منذ ما يقرب من عام، وكأن التنظيم -الذي ضعف بسبب الملاحقة الأمنية والعسكرية له- يحاول الإيحاء بأنه لا يزال في قوته التي كان عليها قبل أعوام. وقتما كانت الهجمات كثيفة على مواقع الجيش والشرطة.
يتشارك مع رجال الجيش في دحر التنظيم أهل سيناء أنفسهم. والذين شعروا ببادرة حسنة من القاهرة، مع إطلاق عدد من المشروعات الاقتصادية والتنموية. بعد عقود من التجاهل والتهميش. إحدى ثمار هذه الثقة ظهرت في مارس/أذار 2021. عندما اقتنصت قوة مشتركة من الجيش واتحاد قبائل سيناء زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة، سليم سلمي سعيد الحمادين.
اقرأ أيضا: استراتيجية التنمية تغازل أهالي سيناء بـ”التجمعات”
تغيير الوضع العسكري في سيناء
لم يكن القضاء على التمدد المفاجئ لمقاتلي التنظيمات المسلحة، والذي ساهم فيه العام الذي قضته مصر تحت حكم جماعة الإخوان. يأتي دون العديد من التغييرات. منها، تحول القاهرة بعيدًا عن النهج العسكري الكامل، إلى استراتيجية أكثر ذكاءً. لمكافحة انتشار الجماعات الإرهابية. مع التركيز الشديد على نقاط التفتيش وحظر التجول.
أيضًا، لعب التنسيق الأمني والدعم الجوي التكتيكي الإسرائيلي دورًا مهمًا -وإن لم يتم الإعلان عنه بشكل كبير- كما ساهم التعاون المصري الإسرائيلي بطريقة أخرى أكثر أهمية. من خلال الموافقة المتبادلة على ما وصفه المراقبون في الغرب بـ “الانتهاكات الجسيمة لمعاهدة السلام لعام 1978”. أو بشكل أكثر دقة، الملحق الأمني للمعاهدة الذي يحد من عسكرة سيناء.
يقول ديفيد شينكر، الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: لم تسمح مصر لإسرائيل بالعمل فوق الأراضي المصرية فحسب. بل، سمحت إسرائيل أيضًا للقاهرة بإغراق سيناء بالقوات والمعدات الثقيلة، التي تتجاوز بشكل كبير حدود المعاهدة.
يلفت شينكر، الذي عمل في وزارة الدفاع خلال إدارة جورج دبليو بوش. إلى أن عمليات الانتشار للجيش المصري، في المناطق التي كانت تخضع لاتفاقات محددة. كانت لا غنى عنها للعملية المصرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. لكنها غيرت أيضًا -وربما بشكل لا رجوع فيه- الوضع الراهن في سيناء “رغم وجود قوة حفظ السلام الدولية. لمراقبة ما نصت عليه معاهدة السلام كمنطقة عازلة منزوعة السلاح إلى حد كبير”.
يضيف: على الرغم من أن العسكرة الحالية لسيناء تأتي في وقت العلاقات المصرية- الإسرائيلية ممتازة. فإن التاريخ يشير إلى أن هذا يمكن أن يتغير بسرعة. بعد كل شيء، لم يمض سوى عقد من الزمان منذ أن جلبت الثورة المصرية رئيسًا إسلاميًا معاديا لإسرائيل إلى السلطة. لما يقرب من 45 عامًا، عززت قيود المعاهدة على الانتشار العسكري في سيناء السلام. إذا لم يتم التراجع عنها، يمكن أن تهدد الانتهاكات المصرية البنود الأساسية للاتفاقية. وبمرور الوقت، تعرض سلامة المعاهدة للخطر.
تجاوز قيود معاهدة السلام
بالعودة إلى الملحق العسكري لاتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية. نجد أنه يقسم شبه جزيرة سيناء إلى ثلاث مناطق. وينص -من بين أمور أخرى- على أنه يمكن لمصر نشر فرقة مشاة ميكانيكية واحدة فقط. بما يصل إلى 22000 جندي، و230 دبابة، و480 عربة أفراد مدرعة، في المنطقة “أ”، وهي المنطقة الأقرب إلى قناة السويس. ويُسمح فقط لحرس الحدود والشرطة بالتواجد في المنطقتين “ب” و “ج”، على التوالي، وهما الأقرب إلى إسرائيل.
لكن في عام 2013، وبينما واجهت مصر ارتفاعًا في عدد ضحايا العمليات الإرهابية، وانهيارًا في عائدات السياحة. ذكر مسؤول سابق رفيع المستوى على علم بالمحادثات -لم يذكر شنيكر جنسيته- أن ضباطًا من الجيش المصري اتصلوا بنظرائهم الإسرائيليين بشكل مباشر. ومن خلال القوة المتعددة الجنسيات والمراقبين (MFO). من أجل طلب بعض الاستثناءات من الملحق الأمني للاتفاقية. حتى تتمكن القوات الأكثر قوة من الرد على الجماعات المسلحة.
منذ ذلك الحين، قدمت مصر مئات الطلبات لتجاوز قيود معاهدة السلام على الجنود والأسلحة. ووافقت إسرائيل على كل منها، وفقًا لمسؤولين حاليين وسابقين.
في الوقت الحالي، يشير شنيكر، الذي عمل سابقا مساعدا لوزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى خلال إدارة ترامب. إلى أن القوة المتعددة الجنسيات تشغل نقاط مراقبة، وتقوم بدوريات استطلاع نصف شهرية، تجوب سيناء من الأرض والجو. مع إحصاء القوات والآليات والأسلحة المصرية. لتتبع عمليات الانتشار في مصر التي تتجاوز حدود المعاهدة.
وتسجل القوة المتعددة الجنسيات الطلبات المصرية التي وافقت عليها إسرائيل في سجل مطول ومفصل للغاية، يضم الأرقام والمواقع وأنواع المركبات والأسلحة الإضافية المنتشرة في سيناء، ويتم تحديثه شهريا. وقبل أربع سنوات، أفاد رئيس الأركان المصري -آنذاك- الفريق محمد فريد حجازي. أن 24630 جنديًا يشاركون في عمليات مكافحة الإرهاب في “العملية الشاملة”. بالإضافة إلى حوالي 20 ألفًا يتمركزون في أماكن أخرى.
اقرأ أيضا: هجوم سيناء.. التحول نحو استهداف البنية التحتية والمشروعات التنموية
صعوبة عودة سيناء إلى ما قبل المعاهدة
رغم إعلان رئيس الأركان المصري السابق عن أعداد للجنود المشاركين في العمليات، لكن بعض تقديرات المحللين أعلى بكثير. حيث اعتمد إيلي ديكل، ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق. على صور الأقمار الصناعية المتاحة تجاريًا، لربط الانتشار المصري الإجمالي في سيناء. بثلاثة أضعاف العدد الإجمالي المسموح به بموجب المعاهدة. ما يقرب من ثلثيهم يعملون في المنطقتين “ب” و “ج”.
يلفت شنيكر إلى أن “مصر لديها اليوم على الأقل ضعف عدد القوات في سيناء المسموح به أصلاً في معاهدة السلام”. ويعمل نصفهم في مناطق محظورة. هؤلاء الجنود مجهزون بالمدفعية والمركبات التي لا تسمح بها المعاهدة أيضًا، بما في ذلك ما يقدر بنحو 200 دبابة إضافية بخلاف 230 دبابة مسموح بها في المنطقة “أ”. وفقًا للعديد من المسؤولين الحاليين والسابقين، كل هذا يتم بموافقة إسرائيل”.
يوّضح: من المؤكد أن مصر كانت بحاجة مشروعة إلى زيادة كبيرة في القوات والمعدات العسكرية لاحتواء تهديد تنظيم الدولة الإسلامية. وقد استجابت إسرائيل -التي تشعر بالقلق من وجود الجماعة الإرهابية بشكل دائم على حدودها الجنوبية وبجوار غزة- للطلبات دون تردد. في فبراير/شباط 2017، على سبيل المثال، أطلق مسلحون صواريخ من سيناء على مدينة إيلات الإسرائيلية. الواقعة على الجانب الآخر من الحدود. علاوة على ذلك، قرّب التعاون الأمني المصري- الإسرائيلي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء بين البلدين في السنوات الأخيرة. مما يعود بالفائدة على الجانبين والسلام في المنطقة ككل.
ومع ذلك، يلفت شنيكر إلى أن هناك “سبب وجيه للحيلولة دون تحول تعاون اليوم إلى صداع الغد”. زاعمًا أنه “كلما طالت مدة بقاء القوات المصرية الإضافية في سيناء، خاصة الآن بعد أن بدا تنظيم الدولة الإسلامية تحت السيطرة. ازدادت صعوبة العودة إلى القيود التي فرضتها المعاهدة”.
تحديثات عسكرية مصرية في سيناء
على الرغم من عدم وجود مؤشرات على أن إسرائيل نادمة على السماح بدخول قوات وأسلحة مصرية إضافية إلى سيناء. إلا أن هناك تطورات أخرى مثيرة للقلق. وهو ما فعلته مصر دون موافقة إسرائيلية، بما في ذلك بناء قواعد عسكرية ومهابط جوية. يلفت المساعد السابق لوزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى. إلى أن بعض هذه “الانتهاكات” كما أسماها -مثل بناء معسكر دائم لمقر الكتيبة 101 في العريش- هي مضايقات بسيطة. لكن هناك منشآت الأخرى تشكل خروقات أكبر بكثير، وفق زعمه.
يضرب شنيكر مثالًا للتحديثات المصرية بتشييد مصر ثلاثة مطارات عسكرية في سيناء. على الرغم من أن المعاهدة تنص على أنه لا يمكن بناء سوى المطارات المدنية. وفقًا لصور الأقمار الصناعية المتاحة، يبدو أن إحدى هذه المرافق -وهي قاعدة الميليز الجوية في المنطقة “ب”، تشمل مخابئ الذخيرة، ومخزن وقود تحت الأرض، وثمانية ملاجئ للطائرات محصنة قادرة على خدمة نصف سرب من طائرات F-16 التابعة للقوات الجوية المصرية.
بالمثل، تنص المعاهدة على أنه في المنطقة “أ”، الواقعة شرق قناة السويس. يحق للجيش المصري فقط تشغيل “منشآت عسكرية وتحصينات ميدانية” لفرقة مشاة ميكانيكية واحدة. مع ذلك، على مدى العقد الماضي، أنشأت مصر مقر قيادة في سيناء للجيشين الثاني والثالث. وكذلك مقرًا للقيادة الموحدة لشرق القناة، التي تدير عمليات مكافحة الإرهاب. ووفقًا لتقارير مصرية، فإن هذا المجمع في جبل أم حشيبة، مجهز بمركز عمليات يقع في قبو محصن على ارتفاع 89 قدمًا تحت الأرض. كما قامت مصر ببناء منشأة بحرية كبيرة في شرق بورسعيد داخل سيناء.
تسامح إسرائيلي وتعاون أمني
يقول مساعد الوزير الأمريكي السابق: بالطبع، فإن إسرائيل على علم بهذه التطورات، ومن المرجح أنها أثارت مخاوف مع القوة المتعددة الجنسيات -التي تعمل بمثابة الحكم على البنود الأمنية لمعاهدة السلام- ولكن بالنظر إلى تحسن العلاقة بين الإسرائيليين والمصريين. فإنهم يترددون في الضغط بشدة، ولم يتقدموا بشكوى رسمية.
يُضيف: إسرائيل أيضًا، استشهدت بشكل دوري من قبل القوة المتعددة الجنسيات، بتجاوز مصر عمليات الانتشار المسموح بها في منطقة الحد الضيقة على جانبها من الحدود. ومع ذلك، أخبرني مسؤول في القوة المتعددة الجنسيات، أنه حتى عندما تدعو منظمة المراقبة المصريين للخروج. فإنهم لا يفعلون شيئًا لتفكيك منشآتهم العسكرية.
وأكد: مصر تخلق حقائق على الأرض في سيناء سيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، عكسها.
يوضح شنيكر أن تسامح إسرائيل مع بعض الاختراقات المتفق عليها في الملحق الأمني لاتفاقية السلام أمر مفهوم. حيث يعد التعاون الأمني، بما في ذلك الدعم المصري لاحتواء النشاط العسكري في غزة. جزءًا من دفء العلاقات بين البلدين. في أواخر عام 2021، استضاف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شرم الشيخ. وهي أول قمة ثنائية علنية منذ ما يقرب من عقد من الزمان. بعد ذلك بوقت قصير، أنهت مصر للطيران مقاطعة استمرت أربعة عقود لإسرائيل، وأطلقت رحلات تجارية مباشرة من القاهرة إلى تل أبيب.
يقول: مع ذلك، فإن الغرض من الملحق الأمني لمعاهدة السلام ليس عكس التطورات الحالية. ولكن توفير جدار حماية ضد تحول سلبي غير متوقع. إذا كان خطر التصعيد أثناء عدم الاستقرار السياسي الذي أحدثته الثورة المصرية ضئيلاً. فإن أحد الأسباب الرئيسية هو أن البنود الأمنية للمعاهدة كانت مطبقة بشكل أكثر صرامة. في الواقع، لقد حققوا هدفهم المحدد: إبقاء جيشي الجانبين بعيدًا عن بعضهما البعض. وتزويد إسرائيل بعمق استراتيجي وإنذار مبكر.
ضرورة المشاركة الأمريكية
يرى السياسي والأكاديمي الأمريكي، الذي خدم في إدارتين مختلفتين. أن مصر “بحاجة لأن تسمع من إسرائيل والولايات المتحدة والقوة المتعددة الجنسيات أن انتهاكاتها الأمنية تقوض اتفاقية السلام”. مقترحًا السماح للقاهرة بالاحتفاظ بالبناء العسكري المكتمل بالفعل في سيناء -لأن القاهرة قطعًا سترفض تفكيك هذه المنشآت- مع حث مصر على الكف عن بناء قواعد إضافية وتقليص وجود قواتها في سيناء إلى مستويات تتفق مع المعاهدة.
لكن في الوقت نفسه، يلفت إلى أن واشنطن كانت ترسل إشارات إلى أنها “لم يعد لديها مصلحة، أو قدرة. على الحفاظ على الجوانب الأمنية لمعاهدة السلام التاريخية، التي تم التوصل إليها في كامب ديفيد”. بل تقدم وزارة الدفاع الأمريكية بانتظام مبادرة لتقليص حجم الوحدة الأمريكية المكونة من 452 جنديًا في القوة الدولية المتعددة الجنسيات التي يبلغ قوامها 1154 فردًا.
يؤكد: الوحدة الأمريكية هي العمود الفقري للقوة متعددة الجنسيات. ومن المرجح أن يؤدي التقليص الكبير لقواتها إلى خفض الدول المشاركة الأخرى لقواتها أيضًا، أو حتى الانسحاب. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إنهاء الدور الحاسم للقوة المتعددة الجنسيات، في المراقبة، وتقصي الحقائق، وتسهيل الاتصال بين الأطراف في حالة تعطل القنوات الثنائية. إن المشاركة الأمريكية القوية ضرورية لضمان الالتزام بالأحكام الأمنية. والحفاظ على عمل القوة المتعددة الجنسيات بسلاسة، وحماية معاهدة السلام التي تشكل حجر الأساس للاستقرار في المنطقة.