وقعت الحكومة الانتقالية في السودان في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال إعلان مبادئ ينص على فصل الدين عن الدولة في البلاد في خطوة تسرع وضع اتفاقات السلام الموقعة في جوبا موضع التنفيذ، وسط معارضة القوي الإسلامية وخلافات داخل مجلس السيادة السوداني.
ينتمي متمردو السودان إلى حد كبير إلى الأقليات غير العربية، وقد فشلت عدة اتفاقات سلام سابقة، لا سيما عامي 2006 و2010.
ولم ينقطع الحديث عن الدولة العلمانية في السودان منذ اعتماد الوثيقة الدستورية التي تقدمت بها قوى الحرية والتغيير بعد الإطاحة بحكم البشير، ومازالت البلاد تعيش سجالا كبيرا بشأن هوية الدولة. وهل هي مدنية أم علمانية، ومدى تقاطع ذلك مع الدولة الإسلامية، الحلم التاريخي للإسلاميين.
ونصت الوثيقة الدستورية التي تكونت الحكومة الانتقالية والمجلس السيادي بموجبها على أن “السودان جمهورية مستقلة ذات سيادة، مدنية، ديمقراطية، تعددية، لا مركزية، تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة بدون تمييز بسبب الدين والعرق والنوع والوضع الاجتماعي”.
ومنذ 21 أغسطس/ آب قبل الماضي، يشهد السودان، فترة انتقالية تستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري، وقوى “إعلان الحرية والتغيير”، قائدة الحراك الشعبي.
الدساتير في السودان نصت على مدى نحو خمسين عاما على حاكمية الشريعة الإسلامية، آخرها دستور 1973
اعتمد واضعو وثيقة الإعلان الدستوري التي قدمتها قوى إعلان الحرية والتغيير للمجلس العسكري في بعض بنودها على دستور 2005 الانتقالي الذي طبق خلال الفترة الانتقالية بعد التوقيع على اتفاقية السلام بين شمال وجنوب السودان، ولكنهم حذفوا بندا نصه “تكون الشريعة الإسلامية والإجماع مصدرا للتشريعات التي تسن على المستوى القومي وتطبق على ولايات شمال السودان”.
يذكر أن الدساتير في السودان نصت على مدى نحو خمسين عاما على حاكمية الشريعة الإسلامية، آخرها دستور 1973 في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري والذي نص على “أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي من مصادر التشريع”.
حلول للجذور التاريخية للمشكلة
قال مصدر في وفد تفاوض الحركة الشعبية “شمال” نحن نبحث عن حلول للجذور التاريخية للمشكلة وفي مقدمتها ما يتعلق بالهوية الأحادية الإسلامية العروبية والتي فرضت على السودان دون أن يكون هناك اجماع حولها، حيث ظلت الأنظمة المتعاقبة على السودان خلال العقود السابقة تفرض على الشعب قوانين دينية وعنصرية، لبسط هويتها والحفاظ على سلطتها التاريخية. بحسب وكالة “سبوتنيك”.
وأضاف المصدر، تلك القوانين ساهمت في وجود أجندة الإسلام السياسي في العام 1983 عندما فرضت قوانين سبتمبر/أيلول بقرار من الرئيس الراحل جعفر النميري والجبهة الإسلامية، نفس القوانين تم فرضها بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في العام 1989، والتي مزقت السودان وأدت إلى انفصال الجنوب بعد مقتل 2 مليون جنوبي في حرب استمرت لأكثر من 5 عقود.
وأشار إلى أن تلك الأجندة نفسها هي التي قادت إلى المجازر في دارفور رغم أنهم مسلمون، ما يعني أن المشكلة عرقية، وفي جبال النوبة النيل الأزرق قتل منهما أكثر من 400 ألف مواطن خلال الحربين السابقين.
مجازر جماعية وانفصال جنوب السودان
وأرجع المصدر تمسك الحركة الشعبية بالعلمانية جاء نتيجة ما عاشته خلال السنوات السابقة والتي قادت إلى مجازر جماعية وأدت إلى انفصال جنوب السودان، حيث لم ير السودان تلك الحروب المدمرة إلا بعد مجيء الإسلام السياسي، والتي مازالت مستمرة حتى الآن في دارفور، فالحركة الشعبية بتمسكها بالعلمانية تريد أن تتجاوز هذا التاريخ العنصري المرير، وهذا الأمر لا يمكن حدوثه إلا عندما تقف الدولة على مسافة واحدة من الجميع، إذا أردنا أن نحافظ على وحدة ما تبقى من السودان.
وكانت حركتان رفضتا الانضمام إلى الاتفاق لإنهاء حرب أسفرت عن مقتل وتشريد مئات الآلاف، هما جيش تحرير السودان – فصيل عبد الواحد نور والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو. وكلاهما يؤيد إقامة دولة علمانية وفدرالية.
ووقع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بالعاصمة الاثيوبية اتفاقاً طارئ مع “الحلو” يقر مبدأ فصل الدين عن الدولة في الدستور المقبل للبلاد أو منح حق تقرير المصير لمنطقة جبال النوبة في حالة رفض الخيار الأول.
السودان بلد متعدد الاثنيات
يتضمن الاتفاق الحالي الذي تم توقيعه بين حمدوك والحلو، إعلان السودان بلداً متعدد الأثنيات والأعراق ومتعدد الأديان والثقافات والاعتراف الكامل بهذه الاختلافات واستيعابها. والمساواة السياسية والاجتماعية الكاملة لجميع شعوب السودان يجب أن تحمى بالقانون.
كما يشمل إقامة دولة ديمقراطية في السودان، وأن يقوم الدستور على مبدأ “فصل الدين عن الدولة”، وفي غياب هذا المبدأ يجب احترام حق تقرير المصير، حرية المعتقد والعبادة والممارسة الدينية مكفولة بالكامل لجميع المواطنين السودانيين. لا يجوز للدولة تعيين دين رسمي ولا يجوز التمييز بين المواطنين على أساس دينى، ويحتفظ سكان جبال النوبة والنيل الأزرق (“المنطقتان”) بوضعهم، الذي يتضمن الحماية الذاتية حتى يتم الاتفاق على الترتيبات الأمنية من قبل أطراف النزاع وإلى حين تحقيق “الفصل بين الدين والدولة“.
ويؤكد الاتفاق على الحفاظ على وقف الأعمال العدائية طوال عملية السلام وحتى يتم الاتفاق على اتفاق الترتيبات الأمنية. كما يقر مبدأ التقاسم المناسب والعادل للسلطة والثروة بين السودانيين باختلافاتهم يجب أن يتحقق من خلال الدستور.
رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو رفضا وثيقة الاتفاق
معارضة سودانية
تفاصيل الاتفاق والتي تشير إلى فصل الدين عن الدولة قد تجد معارضة كبيرة من السودانيين، خاصة الجناح الإسلامي الذي ظل مسيطرا على مقاليد الحكم، رغم إقالة البشير، لكن الاتفاق يضع نص على أنه في حال لم يتم إقرار هذه النقطة في الدستور، فسيكون هناك حق تقرير المصير لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق اللتين تنشط فيهما الحركة الشعبية – قطاع الشمال. وفي حال إقرار الحق بتقرير المصير، فإن ذلك سيشجع أقاليم أخرى على المطالبة بالحق نفسه.
ورفضا رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان والنائب الأول لرئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو وثيقة الاتفاق، بحسب قناة الجزيرة، وانتقد عدد من أئمة المساجد الوسيقة بحجة أنها تدعو إلى العلمانية في بلد أغلبيته مسلمون في وقت اعتبرها أخرون تساهم في حفظ حقوق غير المسلمين وتراعى حقوقهم بتأسيس دولة ديمقراطية.
يتمسك تيار(نصرة الشريعة) بموقفه الرافض والقاطع لتوجهات فصل الدين عن الدولة
تيار نصرة الشريعة
ويتمسك تيار(نصرة الشريعة) بموقفه الرافض والقاطع لتوجهات فصل الدين عن الدولة، باعتبارها فعلاً يخالف ثوابت الدين وقال: في بيان تداولته الوسائط الإعلامية أنهم منذ بدايات الثورة وانطلاقها ظل تيار نصرة الشريعة ودولة القانون، يحذر من سرقة الثورة من قبل القوى العلمانية التي تتخفي وراء لافتة (تجمع المهنيين السودانيين) وتناول البيان أن التأكيد على فصل الدين عن الدولة من تجمع المهنيين هو جهالة سياسية وقفز وتحايل متعمد على إرادة الثوار والشعب فلا يحق لتجمع المهنيين ولا للحكومة أن تفرض خيارها.
انسحبت الحركة الشعبية-شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو في 20 أغسطس/آب الماضي، من جلسة التفاوض مع الحكومة الانتقالية، وفي 8 فبراير/شباط الماضي، توقفت المفاوضات المباشرة بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، بعد فشل الجانبين في التوصل إلى إعلان مبادئ مشتركة.
والإثنين الماضي، وقعت الحكومة الانتقالية السودانية، ومجموعة من الحركات المسلحة بالأحرف الأولى على اتفاقية للسلام بمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان. وشملت الاتفاقية الموقعة في جوبا 8 بروتوكولات تم توقيعها شملت “الأمني، والسياسي، والسلطة، والثروة، والعدالة والمحاسبة، والتعويضات وجبر الضرر، والرحل والرعاة، والأرض والحواكير”.
الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال
تشكلت الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال عام 2011 عقب استقلال جنوب السودان، وقد انقسمت لاحقا إلى جناحين أحدهما بقيادة مالك عقار، والأخر بقيادة عبد العزيز الحلو وكانت تقاتل قوات حكومة الرئيس السوداني المخلوع عمر حسن البشير في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وفي أغسطس، وقعت الحكومة السودانية وجناح مالك عقار، في جوبا، بالأحرف الأولى اتفاقا أمنيا يقضي بدمج مقاتلي الحركة في الجيش السوداني.
وينتمي متمردو السودان إلى حد كبير إلى الأقليات غير العربية، وقد فشلت عدة اتفاقات سلام سابقة، لا سيما عامي 2006 و2010، كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان – قطاع الشمال بقيادة الحلو ترفض الانضمام إلى الاتفاق مع حركة جيش تحرير السودان – فصيل عبد الواحد نور. وكلاهما يؤيد إقامة دولة علمانية وفيديرالية.
وأبدت الحركة الشعبية – شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، موافقة مبدئية على فصل الدين عن الدولة كبديل للعلمانية، وقالت إنها عقدت ندوات اكتشفت فيها أن 75% من الشعب السوداني يؤيد العلمانية. وتطالب الحركة الشعبية بأن تكون العلمانية نصا صريحا في الدستور، والا إقرار حق تقرير المصير لشعبي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
وقال الأمين العام للحركة، وكبير مفاوضيها عمار آمون، إن حركته وقعت مع الحكومة على وثيقة لترتيب الأجندة وتم الاتفاق على مناقشة القضايا السياسية أولا باعتبار أن المشكلة في المقام الأول سياسية وبعدها تأتي القضايا الإنسانية ثم الأمنية.
الحكومة بطريقة رسمية رفضت العلمانية.. لكن في النقاشات الجانبية مع أحزاب قوى الحرية والتغيير-الحاضنة السياسية للحكومة-كثير منهم اتفقوا معنا
وأضاف “لبدء الملف السياسي اتفقنا على البداية بإعلان المبادئ متضمنا المسائل الجوهرية الأساسية الجذرية للمشكلة السودانية واتفقنا على كل النقاط عدا بناء دولة علمانية في السودان”. وشدد على أن الفشل في الاتفاق على ذلك يعني بالنسبة لحركته منح حق تقرير المصير لكل أقاليم وشعوب السودان خاصة لشعبي المنطقتين.
وقال “الحكومة بطريقة رسمية رفضت العلمانية لكن في النقاشات الجانبية مع أحزاب قوى الحرية والتغيير-الحاضنة السياسية للحكومة-كثير منهم اتفقوا معنا على مبدأ فصل الدين عن الدولة ونحن يمكننا القبول به كبديل للعلمانية”. وأشار إلى أن الحركة وقعت إعلانات سياسية مع قوى عديدة، بعضها اتفق معهم على إقرار العلمانية والبعض اتفق على فصل الدين عن الدولة وقوى أخرى رفضت العلمانية صراحة.
وأكد “آمون” أن العلمانية تعني لهم منع استخدام الدين في السياسية أو اتخاذه كذريعة للقتل والنهب، لافتا الى إنها صفة للدولة وليس للشعب فالشعب ” متدين ويمكن أن يبقى كذلك متدينا”. وأشار إلى أن الحكومة أبلغتهم بمعالجات قالت إنها شرعت فيها لحل الخلاف حول علمانية الدولة، بينها البدء في تغيير القوانين القائمة على أساس ديني للوصول إلى دستور خالٍ من قوانين دينية وتأسيس دولة غير منحازة دينيا أو محايدة.