في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني، وبالتزامن مع الحوار الاستراتيجي المصري-الأمريكي، انعقد في القاهرة الاجتماع الثالث، المعلن عنه، للمنتدى العربي الاستخباري، وذلك لمناقشة مستجدات الوضع الأفغاني.
المنتدى الذي يجمع رؤساء أجهزة المخابرات العربية في كيان واحد مقره القاهرة، تأسس رسميا في فبراير/شباط من العام الجاري. وذلك بعدما طرحت فكرته قبلها بعام حين استضاف الرئيس عبد الفتاح السيسي، مديري المخابرات العربية في قصر الاتحادية. فيما انعقد اجتماعه الثاني في مدينة العقبة برعاية الملك الأردني عبد الله الثاني.
ويعمل المنتدى «كآلية قوية وداعمة للتعاون الاستخباراتي الوثيق بين الدول العربية. هذا فضلاً عن العمل على وضع منظومة متكاملة ومحكمة لمكافحة الإرهاب تعتمد على تقاسم الأدوار وتبادل الخبرات والتحديث. بالإضافة إلى التطوير المستمر لآليات المواجهة في هذا الشأن»، و«منصة لتعزيز العمل المشترك لصون الأمن القومي العربي».
لماذا في هذا التوقيت؟
كان توقيت الاجتماع وموضوعه لافتًا، خاصة أنه تناول الشأن الأفغاني وتداعياته المحتملة على المنطقة العربية. وفي خطاب السيسي، عبر الفيديو، لأعضاء المنتدى تجلّى أن الاجتماع موجَّه إلى المجتمع الدولي. إذ ركز في حديثه على أن الاجتماع «يبعث برسالة إلى المجتمع الدولي تؤكد على اتحاد أجهزتنا لتنسيق الرؤى وتوحيد المفاهيم إزاء المخاطر المختلفة (..) وأشير إلى أن مصر كانت في مقدمة الدول التي عانت من الإرهاب الأسود. والذي كان أحد أهم مسبباته عدم انتهاج المجتمع الدولي لمقاربات شاملة خلال التعاطي مع الأزمات الإقليمية والدولية».
وأضاف الرئيس المصري: «ما حدث في أفغانستان مؤخرًا يدق ناقوس الخطر. كما يجب التعامل معه بأقصى درجات الاهتمام والجدية حتى لا نعود مجددًا إلى الوراء. وذلك عندما تغافل الجميع عما حدث عقب الانسحاب السوفييتي وترك أفغانستان واحة للإرهابيين كي يخططوا ويتدربوا وينشئوا دولة داخل الدولة. والتي ما لبثت أن وجهت نيران سمومها نحو أوطاننا والحضارة الغربية على حد سواء».
ودعا السيسي أجهزة المخابرات العربية لمتابعة تطورات الأوضاع على الساحة الأفغانية عن كثب و«ما تطرحه من مخاطر على أمننا العربي. وذلك للحيلولة دون السماح مجددًا بعودة النشاطات الإرهابية وإيجاد ملاذ آمن لها واستقطاب المزيد من العناصر».
ولأول مرة تحدث الرئيس عن الوضع في السودان، حينما أعرب عن دعمه للسودان «لتخطي الصعوبات الراهنة التي تواجهه. وتحقيق الأمن والاستقرار والرفاهية لشعبه العظيم». كما التفت إلى الوضع الليبي وأهمية السير إلى الحل السياسي الشامل. وأكد مواصلة مصر لجهودها لدعم القضية الفلسطينية «ذات الأولوية»، بهدف تثبيت وقف إطلاق النار و«إطلاق جهود السلام مجددًا».
وهي ملفات كانت على طاولة المناقشات المصرية الأمريكية خلال زيارة وزير الخارجية سامح شكري إلى واشنطن لمقابلة نظيره أنتوني بلينكن. ما يشير إلى دلالة توقيت الاجتماع والبعد الإقليمي الذي تحاول فيه القاهرة تعظيم أدوارها من منطلق أمني. وذلك بعدما رفعت من وتيرة التنسيق والتعاون الأمني مع عدة دول إفريقية، خلال الآونة الماضية، في سياق أزمة سد النهضة.
صورة جديدة داخل الشرق الأوسط وخارجه
وتعتبر القاهرة هذا الحدث فرصة كبيرة لقيادة عملية إقليمية من حيث التعاون الأمني الهادف إلى كسر أي تهديد داخلي وخارجي. وذلك بحسب جوسيبي دينتشي، مدير مكتب الشرق الأوسط في المركز الإيطالي للدراسات الدولية «بمعنى آخر، هدف السيسي من منتدى الاستخبارات العربي هو إقناع شركائه العرب بفرصة تعزيز سياساتهم الأمنية الوطنية؛ لتجنب ومنع أي زعزعة داخلية».
وفي حديثه مع «مصر 360» يرى دينتشي أن هذه التحركات تحاول فيها مصر بناء صورة جديدة داخل الشرق الأوسط وخارجه. وتقترح نفسها كشريك قوي وطبيعي مع الغرب.
وأوضح: «يمكن أن يكون تبادل المعلومات الاستخبارية بين الدول العربية عاملا أساسيا في مواجهة الإرهاب، وتحصين السياقات الداخلية في المنطقة. وأخيرا منع الظواهر والتهديدات العابرة للحدود في الشرق الأوسط الكبير، خاصة بعد الأزمة الأفغانية. إن المجتمع العربي بأسره متحد تجاه هذا الهدف. لكن الخطر أو المشكلة الرئيسية للوصول إلى هذا الهدف هي «كيف، ومتى، وأيّ طريقة لتحقيق الهدف».
تجاوز التباعد السياسي
السيسي قدم مقاربته لهذا الأمر في كلمته بافتتاح المنتدى مطلع العام الجاري. حينما قال «إذا كانت هناك خلافات سياسية فعلينا أن نعمل بصورة جادة على تجاوز التباعد السياسي في المواقف ونعمق تعاوننا الاستخباري الذي يمكن من خلاله تجميع أجهزة دولنا حول حماية أمننا واستقرارنا».
وعن أهداف المنتدى التفصيلية، أوضح خالد عكاشة، رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتجية، أنه سيتناول ملف الإرهاب بشكل أكثر شمولاً فيما يتعلق بأدواته وبشكل أكثر اتساعا مثل جرائم غسل الأموال ونقلها وخطوط الإمداد للمنظمات الإرهابية. في ظل تطور الجريمة المنظمة واتصالها بهذه التنظيمات.
وذكر اللواء يحيى كدواني وكيل جهاز المخابرات المصرية الأسبق، ووكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، أن «دور أجهزة المخابرات العربية يتجاوز في أهميته التحركات السياسية. ففي أوقات الصراعات والمؤامرات يصعب أن تواجه الدول محاولات استهدافها دون امتلاك سلاح معلومات قوي».
وأضاف أن «التنسيق بين المخابرات العربية على المستوى المعلوماتي يجعلها قادرة على إفشال المؤامرات التي قد يكون مصدر التخطيط لها في تركيا أو إيران، بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر جماعات وتيارات موالية لهما».
توسيع المكانة والطموح
وبعيدًا عن الجانب التقني للمنتدى، فإن رغبة مصر في العودة إلى القيادة الإقليمية لعبت دورًا في تأسيسه. ووفقا لورقة سياسات -صدرت الشهر الماضي عن المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية- فإنه «من الخارج، يمكن للمرء أن يستنتج أن مصر لا تزال تلعب دور ثان للقوى الأخرى في منطقتها، لكن إذا حكمنا من خلال آراء من هم داخل النظام ومن حوله -ودبلوماسيي الشرق الأوسط الذين يتعاملون مع القاهرة- يبدو أن البلاد تزداد ثقة بالنفس. وبينما تستعيد هذه الثقة، فمن المرجح أن القاهرة ستحاول تحدي النظام الإقليمي الذي ظهر في السنوات الأخيرة. لتعود إلى النسخة القديمة من الحياة التي تتناسب مع إحساسها التاريخي بالذات كقائد إقليمي».
ويعتقد دينتشي، الباحث المهتم بالشأن المصري أن «السيسي يحاول تقديم مصر كدولة جديدة، مع دور سياسي تقليدي وتاريخي. البلد يبحث باستمرار عن الاستقرار، ولكنه حريص على تكييف الرواية الوطنية النموذجية القائمة على الأمننة ورفض الممارسات الأبوية من قبل الشركاء والحلفاء الغربيين. ومن هذا المنظور، فإن الاستخدام الفعال للدعاية وتغلغل المؤسسة الأمنية في البعد المدني، فضلا عن سرد دور لا غنى عنه في الديناميكيات الإقليمية، هي الدوافع الرئيسية لعرض وفهم سياسة مصر الداخلية والخارجية الحالية».
هذه العملية هي فرصة، لكن مصر كدول أخرى في الشرق الأوسط مهتمة أكثر بتعظيم موقفها من هذا المنتدى من أجل توسيع مكانتها وطموحها في المنطقة، وكذلك قتل أي تهديد داخلي تحت راية الوحدة العربية، بحسب الباحث.
وتشير ورقة مجلس العلاقات الخارجية إلى أن مصر كانت غائبة نسبيا عن الدبلوماسية الإقليمية في القضايا الرئيسية التي تتراوح من الحروب في اليمن وسوريا إلى الانتشار النووي الإيراني، في وقت اضطراب سياسي داخلي في أعقاب الانتفاضات العربية، «التي حولت انتباه القاهرة بعيدا عن السياسة الخارجية ونحو صراعات السلطة في الداخل واقتصادها المتعثر». وهو ما يبدو أن القاهرة تعمل بنشاط على تجاوزه، مؤخرا.
معوقات منتظرة
لكن مدير مكتب الشرق الأوسط في المركز الإيطالي للدراسات الدولية، يظن أن التوجه الأمني يحمل بُعدًا محليًا كذلك.
وبحسب تحليله «استخدمت القاهرة إلى حد كبير سياسات القبضة الحديدية لمحاربة الحركات الإسلامية ولتحصين الدولة من التهديدات المرتبطة بهذه القوى غير المستقرة. ولإضفاء الشرعية على معاركه الأيديولوجية والسياسية في البلاد، اعتمد النظام على حملة قمعية وعنيفة، وحاول الترويج لأجندة سياسية تهدف إلى تعزيز شرعية السلطة المركزية، واستبعاد جميع القوى السياسية والاجتماعية القادرة على مساءلة الحكومة، الهدف النهائي مرتبط بشكل أساسي بالبعد المحلي».
«يجب أن نأخذ في الاعتبار الضعف العربي التاريخي لضم كل تجربة في مواجهة التهديدات الداخلية وتبادل المعلومات مع الشركاء الإقليميين»
ويلفت دينتشي إلى بعض المعوقات التي قد تواجه هذا المنتدى رغم اعتباره خطوة إيجابية لتعزيز التعاون الأمني والاستقرار، لكن «يجب أن نأخذ في الاعتبار الضعف العربي التاريخي لضم كل تجربة في مواجهة التهديدات الداخلية وتبادل المعلومات مع الشركاء الإقليميين، لكل دولة في المنطقة فكرتها الخاصة وتعريفها للإرهاب الذي يختلف عن مفهوم جاره. على سبيل المثال، إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين بالنسبة للسلطات المصرية جماعة إرهابية، فهذا لا يبدو متفقًا عليه تمامًا من قبل الأردنيين».