بشكل مفاجئ أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مقابلة متلفزة، إنه جرى تحييد زعيم تنظيم داعش الإرهابي، أبو الحسين القرشي الرئيس الرابع للتنظيم، خلال عملية نفذتها الاستخبارات التركية يوم السبت 30 إبريل/ نيسان 2023. وأسفرت عن مقتله.
خلال المقابلة التي أجريت الأحد الماضي، قال أردوغان: “أود أن أشارك الجمهور معلومات جديدة خلال هذا اللقاء”، هناك تطور يُظهر معركتنا الصارمة ضد التنظيمات الإرهابية فالاستخبارات التركية كانت تتعقب منذ زمن طويل من يسمى زعيم داعش المعروف بأبو الحسين القرشي وهذه هي المرة الأولى التي أعلن فيها هذا الخبر، وهو خبر القضاء على هذا الشخص خلال عملية نفذها جهاز الاستخبارات التركي في سوريا، سنواصل عملنا في محاربة المنظمات الإرهابية دون استثناء”.
اختيار توقيت الإعلان
إعلان أردوغان عن قتل أبو الحسين، جاء في وقت لم تستطع العديد من أجهزة الاستخبارات الكبرى تحديد هوية زعيم التنظيم الذي خلف أبو الحسن الهاشمي القرشي، الزعيم الثالث للتنظيم، بعد إعلان مقتله في نهاية نوفمبر 2022، حيث لم يعلن التنظيم وقتها عن هوية زعيمه الرابع، مكتفيا بإعلان اسمه الحركي (كُنيته) فقط.
فقبل أربعة عشر يومًا من الانتخابات الأكثر تعقيدًا في تاريخ الدولة التركية، وربما الأصعب على أردوغان خلال مسيرته السياسية، خرج الرئيس التركي معلنًا عن قتل الزعيم الرابع للتنظيم في خطوة يحمل توقيتها دلالات مرتبطة بالمعركة الانتخابية، حيث جاء الإعلان عقب أول ظهور شخصي له منذ إصابته بوعكة صحية عرقلت حملته الانتخابية لمدة 3 أيام، وبعد تعافيه من نزلة معوية تسبّبت في إلغائه أنشطة انتخابية.
اقرأ أيضًا: “تحالفات ورهانات” مركبة.. تركيا تشهد أكثر انتخاباتها الرئاسية تعقيدًا
صعوبة تحديد هوية زعيم التنظيم والجهود الدولية المبذولة في هذا الإطار، يشير إليها عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي كريم المحمداوي، بقوله إن بلاده التي خاضت حربا ضارية ضد التنظيم حرصت على أن تبقى المعلومات سرية فيما يتعلق بالبحث عن هوية زعيم التنظيم الجديد، مؤكدًا في الوقت ذاته على أن التحدث بها كان سيؤثر على عملية ملاحقته.
وبين المحمداوي أن أجهزة مكافحة الإرهاب العراقية كانت على تواصل مع دول كثيرة؛ لتبادل المعلومات بشأن زعيم داعش وجميع قيادات التنظيم البارزة، لافتًا إلى أن هناك قاعدة بيانات يجري تحديثها بين وقت وآخر عبر تبادل المعلومات بين هذه الأطراف.
التوقيت المناسب للعملية
لم يكن من الصعب على الاستخبارات التركية، بقيادة هاكان فيدان رجل أردوغان الأمين وصندوق أسراره، أن تحدد هوية زعيم تنظيم داعش الجديد، الذي أعلن عن توليه مهامه رسميًا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ففي التاسع من سبتمبر/ أيلول 2022، أعلنت السلطات التركية، القبض على القيادي البارز بتنظيم داعش، بشار خطاب غزال الصميدعي، الملقب بأبو زيد/ أستاذ زيد، والذي كان يعتقد لفترة أنه أبو الحسن الهاشمي القرشي الزعيم الثالث للتنظيم، قبل أن يُكتشف خطأ تلك الفرضية، والتي في الوقت ذاته لا تنفي كونه أحد أهم ثلاث قيادات في التنظيم، وكذلك كونه ممسكًا بالكثير من مفاصل التنظيم وقنوات اتصاله.
القبض على الصميدعي سهل كثيرًا من مهمة أردوغان، في تحديد هوية زعيم التنظيم الجديد، ومن ثم تحديد المواقع التي قد يتواجد بها سواء داخل العراق أو سوريا، خاصة وأن تركيا تنشر قوات في شمالي سوريا منذ عام 2020، حيث تسيطر على مناطق بأكملها بدعم من فصائل سورية.
ويعتقد مراقبون أن الاستخبارات التركية توصلت لهوية، ومكان اختباء أبي الحسين منذ شهرين أو أكثر، وظلت تتابعه عبر عناصرها المنتشرين في الشمال السوري، انتظارًا للوقت المناسب الذي يتم فيه تصفيته، والإعلان عن تلك الخطوة، خاصة مع اقتراب موعد العملية الانتخابية، وتأثير مثل تلك الخطوة خلال مرحلة الدعاية الانتخابية لأردوغان الذي ينافس ثلاثة مرشحين على الرئاسة.
رسائل انتخابية
مجموعة من الرسائل يحرص أردوغان على بثها قبل الساعة الثامنة من صباح الرابع عشر من مايو/ أيار الجاري، حيث تبدأ عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية.
أولى تلك الرسائل على المستويين الداخلي والخارجي، هو التأكيد على دوره في تحجيم تنظيم داعش الإرهابي، مع نفي أي دور لأجهزته في دعم عناصر التنظيم، أو توفير الملاذات الآمنة أو مصادر التمويل له، وهو الاتهام الذي لاحق الأجهزة التركية خلال فترات سابقة، حيث لم يكن هناك رسالة أوقع من قتل الرجل الأول بالتنظيم وزعيمه.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد تمكنت من قتل الزعيم الثاني للتنظيم أبو إبراهيم القرشي، الذي خلف أبو بكر البغدادي في فبراير/شباط 2022، من خلال عملية إنزال جوي لقوة خاصة بمنطقة أطمة على الحدود السورية التركية، بمنزل لم يكن يبعد سوى أمتار قليلة عن نقطة تفتيش تركية.
أيضًا، سبق الإعلان عن تمكن الاستخبارات التركية من تصفية زعيم داعش، بيومين فقط، شن أجهزة الأمن في اسطنبول حملة موسعة على خلايا تابعة للتنظيم، حيث ألقت قوات مكافحة الإرهاب القبض على عشرات من عناصر التنظيم ممن انخرطوا في أنشطته أو في عمليات تمويله.
وقالت مصادر أمنية إن قوات مكافحة الإرهاب التابعة لمديرية أمن اسطنبول ألقت القبض على 14 شخصًا، في عملية استهدفت تنظيم داعش الإرهابي، جرى خلالها القيام بمداهمات متزامنة في 12 عنوانًا في العاصمة التركية.
وأضافت المصادر أن العملية جاءت ضمن جهود قوات الأمن للكشف عن الأشخاص المشتبه بتعاملهم مع التنظيم الإرهابي.
وفي الوقت نفسه، قررت النيابة العامة في اسطنبول توقيف 8 أشخاص من أصل 11 يشتبه بقيامهم بتحويل أموال مرات عدة بشكل غير قانوني إلى عناصر من داعش جُمدت أصولهم بسبب الانتماء إلى التنظيم.
ووجهت النيابة إلى الموقوفين تهمتي “انتهاك قانون منع تمويل الإرهاب”، و”الانتماء إلى تنظيم إرهابي مسلح”.
تعزيز صورة أردوغان
بجانب رسائل تصفية زعيم تنظيم داعش، حرص أردوغان خلال الأيام القليلة الماضية على تعزيز صورته كرجل المنطقة القوي، ودوره في إحياء القوة العسكرية التركية، كقوة إقليمية وازنة في الإقليم بعدما أدت المُسيّرات التركية، التي باتت أنقرة في عهده إحدى روادها، دورًا محوريًا في إبراز قوة تركيا، خصوصًا عبر مساعدتها أوكرانيا في التصدي لتقدم روسيا على كييف في بداية الغزو الروسي، إضافة لدورها في تعزيز موقف أذربيجان في صراعها مع جارتها أرمينيا، وكذلك دورها في تقوية موقف قوات غرب ليبيا في مواجهة قوات الشرق.
ومنذ ثلاثة أيام، اعتلى أردوغان منصة معرض تكنوفست للطيران في اسطنبول، والذي يستعرض فيه قدرات تركيا التكنولوجية، بالإضافة إلى مسابقات الاختراعات بين الشباب التركي، وظهر على يمينه الرئيس الأذري ( أذربيجان)، إلهام علييف، فيما كان على يساره رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة، في إشارة واضحة لدعمهما له، وهي الإشارة التي يسعى من خلالها الرئيس التركي البالغ من العمر 69 عامًا؛ لترويج صورته كرجل المنطقة القوي وهي الصورة التي يريد تعزيزها في ذهن الناخب قبل الذهاب لصندوق الاقتراع.