خلال معظم العام الماضي، كان أحد الألغاز المحورية في الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، هو السؤال عن سبب عدم ظهور القوات الجوية للكرملين في القتال. مثل المقاتلة من الجيل الخامس “سوخوي”، التي كانت غائبة عن موكب الكرملين الأخير في يوم النصر؛ لإحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية.
يشير تقرير حديث كتبه جاك ديتش، المراسل لدى وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” وشؤون الأمن القومي في فورين بوليسي/Foreign Policy، إلى أن مسئولي الدفاع الأمريكيين يعتقدون أن الحرب أسقطت القاعدة الصناعية الدفاعية التي كانت تنتج مقاتلات وقاذفات قنابل.
أيضا، قال وزير الدفاع البريطاني بن والاس، إن القوات الأوكرانية عثرت على طائرات مقاتلة روسية مسقطة مزودة بأجهزة محمولة، تعمل بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، مثبتة في قمرة القيادة.
الآن، تستعد أوكرانيا لشن هجوم مضاد، على أمل أن تمارس على الأقل حركة خاطفة أخرى، شبيهة بما حدث لمدينة خاركيف، وتضع يدها على بعض الأراضي التي تحتلها روسيا، وكهدف أبعد وضع مدفعية بعيدة المدى على مسافة أبعد إلى الشرق، للوصول إلى منشآت الكرملين العسكرية في شبه جزيرة القرم.
لكن، بدأ المسئولون الغربيون والأوكرانيون يقلقون مرة أخرى من أن التكافؤ الجوي الهش في كييف قد لا يصمد.
يقول ديتش: يعتقد المسئولون الأوكرانيون أن روسيا تضع مقاتليها وقاذفاتها في خطة دفاعية، من خلال التحليق فوق المناطق التي تسيطر عليها روسيا فقط في منطقة دونباس. أو الطيران لمسافة 100 إلى 200 ميل من حدود أوكرانيا، وأحيانًا على مسافة بعيدة مثل بحر قزوين.
ونقل عن مسئول عسكري أوكراني، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قوله: “تمتلك روسيا تفوقًا على قواتنا الجوية، لكنها تقتصر فقط على الأراضي التي تحتلها، هذا كل شيء. في الوقت الحالي، يحاولون تجنب أي احتمال للتطفل على مجالنا الجوي”.
اقرأ أيضا: “فاجنر” للإيجار وعقدة روسيا المصرية
القدرة الجوية الروسية
يشير تقرير فورين بوليسي، إلى أن القوات الجوية الروسية -المعروفة اختصارا بـ VKS وهي الأحرف الأولى باللغة الروسية- تفوق عدد القوات الأوكرانية، وهي قادرة على التفوق على الطائرات الأوكرانية على أساس تكنولوجيا الرادار والصواريخ المتفوقة، وفقًا لتقرير نشره مؤخرًا مركز أبحاث CNA.
ومع ذلك، على الرغم من تدمير عدد كبير من الدفاعات الصاروخية أرض-جو التي تعود إلى الحقبة السوفيتية في أوكرانيا، وعدم القدرة على إعادة إمداد الباقي من الترسانات الروسية المغلقة، لم تلعب القوة الجوية الروسية دورًا رئيسيًا في إمالة مد وجزر الحرب. لأن طياري الكرملين غير مدربين على تنفيذ عمليات واسعة النطاق بأنواع مختلفة من الطائرات.
ولفت التقرير، إلى أن الطائرات الروسية، تظل مصدرًا موثوقًا به للدعم الجوي القريب؛ لتقدم القوات الروسية، منذ بدء غزو الكرملين قبل أكثر من عام.
كتب جاستن برونك، وهو باحث أول في مجال الطيران، القوة والتكنولوجيا العسكرية في مركز أبحاث RUSI -ومقره لندن- أنه “في المنطقة الشمالية، يمكن تقييم القوات الجوية الروسية على أنها ناجحة بشكل معقول. عبر استخدام المقاتلات -الدوريات الجوية القتالية- لتوفير تهديد دائم ورادع ضد الطلعات الجوية الأوكرانية القريبة من الخطوط الأمامية”.
وتثير تقييمات سرية المخاوف من تغير المد في الحرب الجوية. حيث تسربت إلى المجال العام أنباء تفيد بأن ذخيرة الدفاع الجوي في أوكرانيا قد تنفد في أقرب وقت من هذا الشهر.
ولفت التقرير إلى أن “كييف لا تستطيع إعادة إمداد أنظمة صواريخ S-300 التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، والتي تعتمد على مقذوفات الدفاع الجوي الروسية. وبالنسبة لأنظمة الدفاع الجوي باتريوت الأمريكية -نظام صواريخ أرض/ جو باتريوت المتقدم- وهي نفس البطاريات التي تدافع عن واشنطن العاصمة من أي هجوم جوي. فإن إعادة تشغيلها على الأرض في أوكرانيا لن يكون سوى حل جزئي.
اقرأ أيضا: أوروبا وحلم الإمبراطورية الليبرالية لمواجهة روسيا في أوكرانيا
كيف تساعد أمريكا؟
يلفت التقرير، إلى أنه “يمكن للولايات المتحدة فقط إنتاج حوالي 300 صاروخ باتريوت سنويًا، وهو أقل بكثير من وتيرة الضربات الجوية الروسية. و التي عادت مرة أخرى مع زيادة إنتاج الكرملين لأدوات التوجيه الذكية المستخدمة؛ لتوفير إرشادات دقيقة للقنابل غير الموجهة “الغبية”، لضرب المدن كما يعتقد المسئولون الأوكرانيون.
وعلى الرغم من أن شركة لوكهيد- مارتن تحاول مضاعفة إنتاجها تقريبًا إلى 500 صاروخ سنويًا، إلا أن الغرب لم يعد قادرًا على تنظيف وسائد ترساناته من صواريخ S-300، التي أصبحت الآن خلف الخطوط الروسية بالكامل.
وينقل التقرير عن جون فينابل، وهو باحث أول في مؤسسة هيريتيج فاونديشن، ومحارب قديم في القوات الجوية الأمريكية لمدة 25 عامًا، قوله: “نحن نبذل قصارى جهدنا؛ لمنحهم الدعم الذي نستطيع، ولكن تأتي نقطة لا يتبقى فيها شيء. ستأتي نقطة الانهيار من جانب أو آخر، ومن المحتمل أن يكون الجانب الأوكراني هو الذي يعاني”.
لكن، لا يعتقد الجميع أن النهاية قريبة.
قام برونك خبير RUSI، بتقييم في ورقته البحثية الصادرة في إبريل/ نيسان، يفيد بأن القوات الجوية الروسية “، من غير المرجح أن تكون قادرة على تحسين أدائها بشكل كبير، إذا تمكنت أوكرانيا من الحفاظ على المستويات الحالية للدفاعات الصاروخية أرض-جو في جميع أنحاء البلاد”.
يؤكد تقرير المجلة أن ” الصمود يجب أن يكون هو اسم اللعبة في أوكرانيا، حيث يقترب البنتاجون من نهاية دعم الأسلحة الجاهزة الذي يمكن أن يقدمه إلى كييف. بينما لا تزال إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مترددة في توفير طائرات مقاتلة متقدمة، يمكن أن تساعد في تسوية ميدان القتال”.
ويضيف: لطالما كان لدى أوكرانيا طيارون متاحون أكثر من الطائرات، حتى بعد أن سلمت بولندا ثماني مقاتلات من الحقبة السوفيتية من طراز MiG-29 إلى أوكرانيا، وسلوفاكيا أربعة، وتسعة أخرى في الطريق.
طلب متكرر
دفع فائض الطيارين، ونقص هياكل الطائرات إلى طلب أوكرانيا المتكرر للحصول على طائرات مقاتلة من طراز F-16، وفقًا لمسؤول عسكري أوكراني -تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته- فضلاً عن مطلب تجديد الدفاع الجوي.
في الواقع، استبعد الرئيس بايدن مؤقتًا إرسال طائرات F-16 إلى أوكرانيا في فبراير/ شباط، حيث أشارت الإدارة الأمريكية إلى المهلة الطويلة لتدريب الطيارين الأوكرانيين. لكن المسؤولين الأمريكيين لم يستبعدوا تمامًا إمكانية إرسال الطائرات.
وقال المسئول الأوكراني: “في الوقت الحالي، يركزون -أي الروس- على شيء واحد فقط. وهو تدمير مخزوناتنا العسكرية، والقوات البرية، في محاولة؛ لتجنب عملياتنا الهجومية. باستخدام طائرات F-16، يمكننا تدمير الطائرات الروسية، ولن يكونوا قادرين على إطلاق أي صواريخ كروز، أو حتى قنابل ذكية”.