انتهز رئيس وزراء إثيوبيا فرصة الدورة العاشرة لمنتدى “تانا للسلم والأمن في إفريقيا” في بلاده يومي 15و16 أكتوبر/تشرين الأول الجاري لعقد مباحثات ثنائية مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان”.
وجاء المنتدى تحت عنوان “إدارة التهديدات الأمنية-إرساء المرونة في إفريقيا”. وأسفر لقاء آبي أحمد والبرهان عن تقريب وجهات النظر فيما يخص قضايا الحدود وسد النهضة. كما تمخض عن تعاون اقتصادي ثنائي بين البلدين. وهو ما يعد انتصارا دبلوماسيا إثيوبيا في ظل الظروف الراهنة.
محاولة استقطاب
رئيس الوزراء آبي أحمد وحاكم إقليم أمهرا وأعضاء البعثة السودانية في أديس أبابا استقبلوا “البرهان”. وحرص الجانب الإثيوبي على الإعلاء من أهمية التفاوض والتعاون في لقائه مع البرهان. حيث حققت إثيوبيا 3 مكاسب دبلوماسية واقتصادية:
1– مقترح إثيوبي للتكامل الاقتصادي مع السودان
يحتفظ السودان بقدر ضعيف من التعاون الاقتصادي مع إثيوبيا. ويشكل المقترح الإثيوبي لتعزيز الأطر الاقتصادية مع السودان بداية مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين. حال استمرارهما في هذا المسار.
ففي يونيو/حزيران أبرم البلدان اتفاقيات ثنائية للتعاون. من بينها الاتفاق على تطوير مشترك لخط سكة حديد يربط أديس أبابا بالخرطوم ويمتد إلى بورتسودان على ساحل البحر الأحمر.
2-الحوار بشأن سد النهضة
وتمكن آبي أحمد من تخفيف حدة الخطاب السوداني بشأن سد النهضة. حيث أكد البرهان خلال المنتدى أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الفنية للسد. وأن القضايا العالقة بين الدولتين يمكن حلها عبر الحوار.
ووفقا لتصريحات آبي أحمد فإن مشروع سد النهضة سيعود بفوائد كبيرة على السودان. على سبيل المثال يوفر السد الحماية الكافية ضد الفيضانات وآثار نقص المياه أثناء فترات الجفاف. كما أعلنت إثيوبيا عن خطتها لتصدير 5 آلاف ميجاوات من الكهرباء إلى الدول المجاورة في غضون 10 سنوات. وتحمل هذه الخطوة إمكانية أن تمثل خطورة كبيرة على حق مصر في مياه النيل إذا استطاعت إثيوبيا استمالة السودان إلى جبهتها.
3-معالجة مشكلة الحدود
وشدد الجانبان الإثيوبي والسوداني على ضرورة معالجة جميع المشكلات الحدودية بالطرق السلمية عبر اللجان الفنية المتخصصة. حيث لا تزال منطقة الفشقة محل نزاع بين البلدين فور إعلان الخرطوم في 31 ديسمبر/كانون الأول 2020 استعادة الجيش السوداني كامل أراضيه في المنطقة. ثم تصاعدت التوترات بشكل أكبر في أعقاب اشتباك في يونيو/حزيران بقيام إثيوبيا بإعدام 7 مواطنين سودانيين. بحسب السودان.
تخفيف التوتر
تقوم استراتيجية إثيوبيا على جس النبض بشكل أساسي لإحداث تغيير في الوضع القائم بهدف تجنب التصعيد. وذلك من خلال اتباع أساليب مرنة يمكن التحكم فيها بسهولة. باعتبارها استراتيجية فعالة لإدارة الأزمات.
وعبر متابعة السياسة الخارجية الإثيوبية تجاه السودان خلال الفترة الأخيرة يمكن استخلاص وجود رغبة حقيقية لدى آبي أحمد في تخفيف التوترات مع السودان. بل وضمه إلى جبهته مستغلا حالة الانقسام السياسي التي يمر بها السودان.
ومن هنا بدأت تحركات آبي أحمد تجاه السودان تأخذ منحى التهدئة في يوليو/تموز الماضي. وذلك على هامش القمة الاستثنائية رقم 39 لمنظمة الإيجاد”الهيئة الحكومية للتنمية” في إفريقيا. حيث شكل لقاؤه مع البرهان تحولاً نوعياً في تعاطي البلدين مع خلافاتهما. من بينها اختبار إثيوبيا العلاقات مع السودان. حيث كان اللقاء ضروريا في ظل بلوغ الخلافات حد الذروة. وانتهز الطرفان اللقاء للوصول إلى تسوية سلمية تتجنب المواجهة المباشرة. استثمارا في العديد من عناصر التعاون. كما تعهد آبي أحمد بطيّ الخلافات مع السودان وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين.
النفوذ الإثيوبي في القرن الإفريقي
تصنف إثيوبيا باعتبارها قوة إقليمية ذات تأثير في منطقة القرن الإفريقي. وتحاول مؤخرا اتباع دبلوماسية تقوم على تكوين أصدقاء في الجوار الإفريقي. كما تسعى لزيادة قوتها من خلال موازنة أولوياتها مع جيرانها.
ويمثل السودان بوابة رئيسة إلى منطقة وسط وغرب إفريقيا وفقا لحسابات إثيوبيا الاستراتيجية. كما يعد جزءا من استراتيجية إثيوبيا لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الإفريقية.
وحققت الدبلوماسية الإثيوبية نجاحا ملحوظا مع الصومال. حيث وقع الطرفان اتفاقية تعزيز العلاقات بين البلدين وإعطاء الأولوية للتنمية والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي في 28 سبتمبر/أيلول الماضي. كما اتفقا على التعاون في مواجهة الحركات الإرهابية. لا سيما في ظل نشاط حركة الشباب على الحدود الصومالية الإثيوبية. وذلك استكمالا للجهود الإثيوبية في تحسين العلاقات مع الصومال. والتي بدأت في عهد الرئيس السابق “محمد عبد الله فرماجو”. حيث وقع البلدان 16 اتفاقية تعاون اقتصادي في يونيو/حزيران عام 2018 كما استأنفا الرحلات الجوية المباشرة بعد توقف استمر 41 عامًا.
وبالنسبةلإريتريا استطاع آبي أحمد تحويل الدولة الخصم إلى حليف. حيث استفاد من توقيع اتفاقية السلام التي وقعها مع الرئيس الإريتري “أسياس أفورقي” في يوليو/تموز 2018. وأنهت الحرب التي استمرت عقدين من جهة الحصول على الدعم الدولي والفوز بجائزة نوبل للسلام. ومن جهة أخرى لعبت القوات الإريترية دورًا مركزيًا في دعم آبي أحمد ضد قوات جبهة تحرير التيجراي.
كما تعتبر جيبوتي حليفا رئيسيا بالنسبة لإثيوبيا. حيث كان ميناء جيبوتي المنفذ البحري الوحيد لما يقرب من 90% من التجارة الخارجية لإثيوبيا. ويربط البلدين خط سكة حديد يربط أديس أبابا بميناء دوراليه.
وفي مايو/أيار عام 2018 استحوذت أديس أبابا على نحو 40% من أسهم ميناء دوراليه في إطار خططها للعب دور مركزي في منطقة البحر الأحمر.
عوامل ضاغطة
على المستوى المحلي تعاني إثيوبيا حاليا أزمة اقتصادية تتعلق بعجز احتياطي النقد الأجنبي. وتدهور الأوضاع الاقتصادية. إذ يتوقع صندوق النقد تباطؤ النمو الاقتصادي هناك إلى 3.8 %.
ويرجع ذلك جزئيًا إلى الحرب في أوكرانيا والجفاف. ومن المتوقع أن يصل معدل التضخم إلى 35% بسبب مشكلات سلاسل التوريد المحلية والعالمية. بالإضافة إلى استمرار الصراع بين السلطة والتيجراي.
أما خارجيا فيعاني آبي أحمد ضغوطا دبلوماسية تتعلق برفع الدعم من جانب الولايات المتحدة. وكذلك يعاني قيودا من جهة الاتحاد الإفريقي.
في مسألة سد النهضة تحاول إثيوبيا كسب مزيد من الحلفاء الأفارقة لتقوية موقفها في مواجهة مصر. ولتقويض الجهود المصرية التي تدحض أسانيد إثيوبيا في الاستمرار في بناء السد.
وبالموازاة مع لقاء وزير الخارجية المصري سامح شكري يوم الاثنين مع رئيس المجلس العالمي للمياه “لويك فوشون” وعرض مصر التحديات المرتبطة بأمنها المائي بسبب السد الإثيوبي ومخاطر ملئه وتشغيله دون التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حاولت إثيوبيا على الجانب الآخر الالتفاف حول السودان لإقناعه بمزايا السد.
تعتبر مصر محركا رئيسيا للجهود الإثيوبية في منطقة القرن الإفريقي. فيما تعتبر مصر مركزا إقليميا للطاقة تحاول إثيوبيا عرض نفسها كمصدر للكهرباء في القارة. فقد أعلنت إثيوبيا أنها ستبدأ في تصدير الكهرباء من سد النهضة عام 2023.
التداعيات على مصر
وتثير التحركات الإثيوبية بعض الهواجس بالنسبة للحضور المصري في القارة. خاصة في مسألتي سد النهضة وأمن البحر الأحمر. فرغم العلاقات بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والبرهان متقدمة فإن ذلك لا يضمن مستقبل العلاقات بين البلدين في ظل أوضاع السودان المتلبة والمتغيرة. كما يعكس تعنت الموقف الإثيوبي تجاه مصر بشكل خاص مدى عمق الخلاف وعدم الاهتمام الإثيوبي بالتوصل إلى اتفاق يرضي مصر. ما يهدد أمن مصر المائي وكذلك رصيدها في القارة الإفريقية.