يُعد كتاب «واقع الإرهاب والتطرف في أوروبا 2018: الأسباب والمعالجات»، للكاتب جاسم أحمد ومجموعة باحثين، واحدا من أهم الكتب البحثية العربية في مجال رصد أنشطة الجماعات اليمينية الأوروبية، التي كان ظهورها على الساحة الدولية أحد أكثر الظواهر أهمية وخطورة على مستوى العالم، خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي.
الإرهاب والتطرف في أوروبا.. الأسباب والمعالجات
يتناول الكتاب واقع الإرهاب والتطرف في القارة العجوز خلال عام 2018، بعيدا عن السرد التاريخي، مع اعتماد المعلومات والاستقصاء، والتركيز على البنية الحالية للجماعات اليمينية المتطرفة وأنشطتها في الوقت الحاضر، مع رصد أهم ملامح التهديدات الأمنية التي تواجه المجتمعات الأوروبية، وكيفية تعامل السلطات مع تلك التهديدات، التي تنوعت ما بين الإرهاب والتطرف والهجرة غير الشرعية، وهو ما فرض على دوائر صنع القرار الأوروبية المزيد من الجهد والخروج عن الأطر التقليدية لمواجهة تلك التحديات.
يتضمن الكتاب دراسات وتقارير استقصائية، معلوماتية، من شأنها تخدم صناع القرار، والباحثين والخبراء المعنيين في قضايا الجماعات المتطرفة وتقنيات مكافحة الإرهاب، لمعرفة وسائل وأساليب دول أوروبا في مواجهة التطرف والإرهاب.
يتضمن الكتاب دراسات وتقارير استقصائية، معلوماتية، من شأنها تخدم صناع القرار
يرسم الباحثون خريطة ذات طابع عالمي عن أماكن تواجد الجماعات المتطرفة داخل دول قارة أوروبا، وعلاقاتها بمعاقل الجماعات الإرهابية «الجهادية» حول العالم، وخصوصا في مناطق النزاع مثل أفغانستان، وفي بعض دول المنطقة العربية، ومنها سوريا والعراق وليبيا واليمن، فضلا عن دول شمال أفريقيا، وغيرها من الدول التي تنشط فيها جماعات إرهابية «جهادية» ذات صبغة دولية مثل «داعش» و«القاعدة».
يرصد الكتاب كيفية استفادة تنظيم «داعش» من فكرة الدعاية لمضاعفة قوته، وجعل التنظيم يبدو «أكثر قوة» مما هو عليه في الواقع، عبر تشجيع «الذئاب المنفردة» من داعمين في دول أوروبا على تنفيذ هجمات إرهابية، توقع أكبر عدد ممكن من الضحايا، لإظهار مدى قوة «اليد الطولى» للتنظيم.
يرصد الكتاب كيفية استفادة تنظيم «داعش» من فكرة الدعاية لمضاعفة قوته، وجعل التنظيم يبدو «أكثر قوة»
ووفق الكتاب، تدل العديد من المؤشرات على فكرة أن العلاقة بين الدعاية «الداعشية» والتمويل تمثلت في علاقة طردية؛ فكلما توسعت مصادر التمويل، توفر أمام الجماعة الأموال اللازمة لإخراج مواد دعائية مؤثرة. ويسجل الباحثون أن مؤسسة «بوليس إكستندينغ» البريطانية أصدرت تقريرًا بعنوان «حرب الإنترنت الجديدة: مكافحة التطرف الإلكتروني» يقع في أكثر من 100 صفحة، يوضح مدى خطر تهديد التطرف والإرهاب على الفضاء الإلكتروني في العالم، ولاسيَّما في أوروبا. أشار التقرير إلى أن تنظيم «داعش» يعتمد على موقع «تيليغرام» بصورة أساسية، لأن رسائله مشفرة ويصعب اختراقها، إضافة إلى «فيسبوك»، و«تويتر» بهدف نشر ثقافته المتطرفة والتكفيرية، وشن حرب نفسية لاستقطاب الشباب للتطوع في صفوفها والقتال في البلدان التي تحارب فيها.
مؤسسة «بوليس إكستندينغ» البريطانية: تنظيم «داعش» يعتمد على موقع «تيليغرام» بصورة أساسية، لأن رسائله مشفرة ويصعب اختراقها
يكشف الكتاب عن كيفية تجنيد الشباب إلكترونيًا عبر استخدام الألعاب عن طريق تصميم شخصيات وأعلام، إضافة إلى أصوات وتبديل شعارات وأدوات هذه الألعاب، فنجد مثلاً لعبة «صليل الصوارم»، الموجودة على «يوتيوب» قد اعتمدت المونتاج في عملها وليس عرضًا للعبة بشكل كامل، وإنما أجزاء ومقتطفات منها، تمكن مبرمجيها من تسخير مونتاجهم على هواهم لكي يظهروها بشكل قوي.
وتمكنت التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة من استقطاب الكثيرين من الشباب في أوروبا، من خلال استغلال عدة أسباب، منها البحث عن الهوية. وتحظى هذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة بدعم كبير يمكنها من استخدام عدة وسائل أخرى للاستقطاب، على رأسها المساجد، والسجون.
كما يرصد الكتاب، بالوقائع والمعلومات، كيف تداخل ملف «الهجرة غير الشرعية» في أوروبا، مع ملف الإرهاب والتطرف، وكيف استغلت الجماعات الإرهابية المهاجرين للتسلل إلى دول القارة والتمركز «المرابطة» بشكل دائم، مع التأهب الدائم لتنفيذ أي تكليف إرهابي، وانعكاس ذلك على الأمن القومي الأوروبي، ما يدفع دول أوروبا الى ايجاد اتفاقات ثنائية مع دول أفريقيا للحد من الهجرة غير الشرعية.
استعرض الكتاب أيضًا سياسات وإجراءات دول أوروبا والتعاون الدولي في ملفات مكافحة الإرهاب والحد من الهجرة غير الشرعية. وسعى لعرض تركيبة أجهزة الاستخبارات الأوروبية تحديدًا من الداخل، إذ يكشف الوحدات الجديدة التي استحدثت من قبل دول أوروبا داخل أجهزتها الاستخبارية، وإعادة آليات العمل لهذه الأجهزة من أجل سد الثغرات، وتوصل الباحثون إلى أن مؤشر الإرهاب في أوروبا قد انخفض كثيرًا، إلى جانب تراجعه دوليًا.
من جهة أخرى، دعم انتشار الفكر المتطرف والإرهاب على مستوى العالم، زيادة «مقبولية» الفكر اليميني المتطرف بين قادة الرأي العام الأوروبي، فلا شك أن انتشار تنظيم «داعش» أثار تخوفات لدى الرأي العام الأوروبي حول مدى الثقة في قدرة المجتمعات المفتوحة والحرة على حماية مواطنيها، وهو ما يسمح لقوى اليمين المتطرف بإثارة الشكوك حول جدوى آليات الدفاع لدى الحكومات الأوروبية، لاسيما مع تعرض بعض الدول الأوروبية لعمليات إرهابية.
دعم انتشار الفكر المتطرف والإرهاب على مستوى العالم، زيادة «مقبولية» الفكر اليميني المتطرف بين قادة الرأي العام الأوروبي
وأخيرا، يتضمن الكتاب عددا من التوصيات والمعالجات لملف الإرهاب في أوروبا، وملف الهجرة غير الشرعية، وملفات الاستخبارات، يمكن أن يستفد منها الباحثون وصناع القرار، حيث طالما اعتمد الباحثون على مصادر دولية موثوقة ولغة أكاديمية علمية في الدراسات والبحث، وهو ما يجعل الكتاب أحد المصادر ذات المصداقية في بحث قضايا الإرهاب والاستخبارات والهجرة غير الشرعية.
ــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب: واقع الإرهاب والتطرف في أوروبا 2018: الأسباب والمعالجات.
المؤلف: جاسم محمد، ومجموعة باحثين في «المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات- ألمانيا وهولندا»: حازم سعيد فرج، بسمة فايد محمد، شيماء علي، وقيصر حسان السلطاني.
الناشر: المكتب العربي للمعارف، القاهرة، 2019.