في كتابه «السلطة السوداء: الدولة الإسلامية واستراتيجيو الإرهاب»، يقول كريستوف رويتر، مراسل مجلة «دير شبيغل» الألمانية في الشرق الأوسط لربع قرن، إن تأسيس تنظيم «داعش» في العراق لم يتم على أيدي «متطرفين» من أهل السنة العراقيين، كما يعتقد الكثيرون، بل إن التنظيم تأسس بواسطة ضباط الاستخبارات من أعضاء حزب «البعث» العراقي، في المقام الأول، وبمساعدة غير مباشرة من الجيش الأمريكي.

«السلطة السوداء».. كيف ساعد الأمريكان في صناعة «داعش»؟

 

يضيف المؤلف أنه «يجب علينا من أجل فهم تأسيس الضباط البعثيين للتنظيم، أن نرجع إلى عام 2003، عندما قامت القوات الأمريكية بغزو العراق، وأقدم رئيس الإدارة الأمريكية السابق في بغداد بول بريمر على حل الجيش العراقي بجرة قلم، لذلك كان لدى ضباط الجيش العراقي شعور بأنّهم قد تعرضوا لمعاملة غير عادلة، فانتقلوا إلى مقاومة الاحتلال الأمريكي، وذلك من خلال تأسيسهم ما يُعرف باسم «كتائب البعث»، وهي مَنْ مهَّدت الطريق لتنظيم داعش».

اقرأ الكتاب الأول: الإرهاب والتطرف في أوروبا.. الأسباب والمعالجات

ويؤكد «رويتر» أن ضباطًا «بعثيين» من أتباع صدام حسين هم من وراء البذرة الأولى للتنظيم، وأن العميد عبد محمد الخليفاوي المعروف باسم (حجي بكر)، الذي كان ضابطًا رفيع المستوى في استخبارات سلاح الجو العراقي، هو الذي وضع الأسس التنظيمية التي سار عليها «داعش» في بداية نشأته. وينقل المؤلف عمن عرف حجي بكر وصفه بأنه «متحفظ ومهذب ومتملق، وشديد الانتباه وكتوم وغير صادق، وغامض وشرير».

اقرأ الكتاب الثاني:«حقول الدم: الدين وتاريخ العنف».. هل اخترعت أوروبا الإرهاب؟

ويورد المؤلف أن الضابط العراقي السابق حجي بكر كتب في مذكراته «سنعيّن أذكى العملاء شيوخا للشريعة». كما أضاف على الحاشية بأن عددًا من «الإخوة» سيتم اختيارهم وتزويجهم ببنات أكثر العائلات نفوذا، لضمان التغلغل في هذه العائلات دون إدراكها لذلك».

اقرأ الكتاب الثالث: المال الأسود: التاريخ الخفي لأثرياء دعموا صعود اليمين المتطرف

ويتابع: «أدرك بسرعة مؤسِّسو تنظيم «الدولة الإسلامية» أنَّ دعوتهم إلى «إعادة حزب البعث» لم يكن لها أي تأثير في جذب الجماهير. ولكن عندما قالوا: «نحن سوف نُعيد الإسلام ونجاهد وننشئ دولة إسلامية» – أدركوا أنَّ لذلك تأثيرًا كبيرًا في جذب الناس من جميع أنحاء العالم. وهؤلاء الناس كانوا على استعداد للموت، وهذه ميِّزة كبيرة بالنسبة لأية قوة مسلحة. علاوة على ذلك فإن بإمكانهم من خلال استخدام الاسم «الدولة الإسلامية» أن يقولوا لأعدائهم، عندما يحقِّقون حجمًا معيَّنًا من القوة: نحن «الدولة الإسلامية» وكلُّ مَنْ هو ضدَّنا يعتبر كافرًا. وهذا يمنحهم شرعية لم يكن يتمتَّع بها حزب البعث قطّ ولن يتمكَّن من الحصول عليها أبدًا. وذلك لأنَّهم سيستندون هكذا إلى تاريخ عمره ألفٌ وأربعمائة عام، وليس ستين عامًا من الحكم القمعي فقط».

اقرأ الكتاب الرابعدراسة أممية: الفقر سبب التطرف في أفريقيا.. لا الإسلام

وهكذا، جعل رجال حزب «البعث» وقادة الوحدات الخاصة القدماء الصعود السري في «تنظيم القاعدة في العراق» وبعد ذلك في تنظيم «داعش» أمرًا ممكنًا. وفي عام 2010 تولوا بدورهم القيادة بعدما تمكَّن الأمريكيون تقريبًا من قتل جميع قادة الفصائل الإسلامية الصغيرة، التي كانت أعمالها فعالة في مقاومة القوات الأمريكية.

اقرأ الكتاب الخامس: الجهاد الفرنسي: الضواحي، سوريا، باريس، السجون

ويكشف الكاتب بالتواريخ والأحداث جوانب مثيرة عن التنظيم، منها أن سلاح الجو السوري التابع لنظام الأسد، كان يعمل دائما في «خدمة تنظيم داعش»، كما عمل أكثر من مرة على إنقاذه في معاركه مع الثوار، في حين أن طيران النظام لم يتعرض إلا نادرا جدا لقوات «داعش» التي كانت تتحرك بحرية كاملة بين العراق وسوريا. في المقابل، عمل «داعش» على إنقاذ قوات النظام عشرات المرات خلا المعارك على الجبهة السورية، وذلك من خلال طعن قوات الثوار من الخلف.

ــــــــــــــــــــــــــ

الكتاب: «السلطة السوداء: الدولة الإسلامية واستراتيجيو الإرهاب»

المؤلف: كريستوف رويتر

ترجمة: محمد سامي الحبال

الناشر: منتدى العلاقات العربية والدولية، 2016.