لا ينفك الاتحاد الأفريقي عن تقديم وعود لا يستطيع الوفاء بها. فبين حين وآخر يطرح أهدافا شديدة الطموح ثم يعود بنتائج لا تناسب كفاحه وقدراته. مثلما حاول اعتماد جواز سفر أفريقي -على غرار الاتحاد الأوروبي- بحلول عام 2018. وقبلها سعى لتفعيل التمويل الذاتي للاتحاد عبر ضريبة الاستيراد بحلول عام 2017. لكن كليهما فشل فشلا ذريعا.
هذا الفشل لم يمنع الاتحاد الأفريقي من إطلاق مشروع “إسكات البنادق” بحلول عام 2020. والذي -كالمعتاد- فشل في الوفاء بوعده وقام بتمديد المقترح إلى عام 2030.
ورغم هذا الإخفاق في وضع هذه المبادرة موضع التنفيذ، وهي المبادرة التي يفترض أنها ستؤثر في دول القارة جميعها، فإن هناك بصيص أمل يتمثل في قلة النزاعات مقارنة بالقرن الماضي. الذي شهد أعتى النزاعات والحروب الأهلية وأكثرها إراقة للدماء.
اقرأ أيضا: هل يصل قطار الدم الإثيوبي إلى محطة السلام؟
ما مبادرة “إسكات البنادق”؟
ذكر موقع الأمم المتحدة أن “إسكات البنادق” هو شعار لمشروع يستهدف إسكات جميع الأسلحة غير المشروعة في أفريقيا. حيث إن المبادرة “تهدف إلى تعزيز الوقاية من النزاعات وإدارتها وحلها في أفريقيا”.
وخلال كلمته في منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن اعتماد الاتحاد الأفريقي مبادرة “إسكات البنادق” يجب أن تتم من خلال إعداد أطر تنفيذية واضحة. تعالج جذور النزاعات وتسهم في إعادة الإعمار والتنمية في فترة ما بعد انتهاء الصراع.
وأضاف السيسي: “لا شك أن تفعيل تلك المبادرة يمثل ركنا أساسيا في تحقيق الاستقرار في ربوع القارة. خاصةً من خلال بناء مؤسسات الدولة الوطنية. وتمكينها من الاضطلاع بمهامها والحفاظ على مقدراتها. ومساعدة شعوبها على الانطلاق نحو التنمية والرخاء”.
وتابع: “لا يخفى عليكم أن توافر الإرادة السياسية لدى قادة دول أفريقيا لحل النزاعات القائمة. وتحصين الشعوب والدول من أي حروب ونزاعات ومخاطر مستقبلية. إنما يؤكد التزام دولنا بتحقيق النهضة الشاملة التي صاغت خطتها دول القارة”.
لكن لم تتحقق الإرادة الأفريقية التي تحدث عنها الرئيس المصري. فقد كان من المفترض أن تتم المبادرة بحلول سبتمبر/أيلول عام 2020. وفقا لرؤية أفريقيا 2063. وعلى الرغم مما حققته القارة من تقدم في العديد من السياقات الخاصة بمواجهة التهديدات الأمنية. وما تم وضعه من خطط واستراتيجيات فاعلة لضمان تحقيق واستدامة السلم والأمن في القارة فإن الوضع الراهن ينبئ بأن الوصول إلى هذا الإعلان ما زال بعيدا عن التنفيذ.
يعود ذلك لاستمرار الصراعات وتعقد خارطتها وتصاعد التهديدات الإرهابية والتحديات المادية والإنسانية في أفريقيا. والتي تقف حائلا دون تحقيق الهدف المرحلي المرجو من الرؤية.
رؤية أفريقيا 2063
في مايو/أيار عام 2013 احتفلت منظمة الوحدة الأفريقية -التي صارت فيما بعد الاتحاد الأفريقي- بالذكرى الخمسين لتأسيسها. وقد شهدت اعتماد رؤساء الدول والحكومات الأعضاء “إعلان الذكرى السنوية الخمسين”. والذي عبّر عن إصرار القادة على “تحقيق هدف أفريقيا الخالية من النزاع وجعل السلام حقيقة. وتخليص القارة من الحروب والصراعات الأهلية وانتهاكات حقوق الإنسان والكوارث الإنسانية والصراعات العنيفة”.
في هذا الوقت انطلق الحديث حول مبادرة “إسكات البنادق” حيث وقع الزعماء الأفارقة وثيقة Solemn declaration. والتي تناولت رؤيتهم وتطلعاتهم للخمسين عاما القادمة “رؤية أفريقيا 2063”.
وتضمنت تلك الرؤية مراحل مقسمة لفترات زمنية مقدار كل منها 10 سنوات.
آنذاك حدد زعماء القارة في تلك الوثيقة نقاطا. قالوا: “نريد أفريقيا قوية فتيّة متعلمة مصنعة منتجة وفاعلة في الدور العالمي”. خاصة أن القارة السمراء تمتلك أكثر من 90% من احتياطيات الموارد في العالم. ويستند المخطط المشار إليه في جدول أعمال 2063. إلى تسريع تنفيذ المبادرات الوطنية والإقليمية والقارية. الماضية والسابقة لضمان النمو والتنمية المستدامة.
وخلصت خريطة المبادرة إلى مراحل محددة بجدول زمني يشمل:
- 2016: التحول إلى البث التلفزيوني الرقمي في كل أنحاء أفريقيا.
- 2017: تسريع إنشاء منطقة قارية للتجارة الحرة.
- 2018: تتمتع القارة باتصالات حديثة متماشية مع الاتصالات الدولية.
- 2019: المضي قدما في توحيد مواصفات جواز السفر الرقمي الأفريقي.
- 2020: العمل على إسكات صوت البنادق في القارة من خلال العمل على احتواء النزاعات والصراعات داخل القارة. وأن يتم التعامل من جانب كل من له قضية في القارة. وذلك عبر المفاوضات والطرق السلمية لحلها. خاصة في ظل السعي نحو تطوير القوات الأفريقية بشكل كبير. وألا يكون هناك أي وجود لقوات حفظ سلام من خارج القارة.
- عام 2022: تطوير برامج التجارة الأفريقية البينية بحيث تكون الأولوية للتجارة بين دول أفريقيا.
وقد أعلن مجلس الأمن والسلم الأفريقي التابع للاتحاد الأفريقي في 1 يوليو/تموز 2017 وضع خريطة طريق ميدانية لـ”إسكات البنادق” في القارة بحدود عام 2020. بالإضافة إلى تفعيلها على الأرض خلال القمة التاسعة والعشرين لرؤساء دول وحكومات الاتحاد.
اقرأ أيضا: هل تشهد أفريقيا حربا باردة جديدة؟
أين البنادق التي تحاول الأمم المتحدة إسكاتها؟
تتمركز معظم البنادق التي توجه في قلب القارة -التي يعاني أكثر من 600 مليون شاب فيها من البطالة- في مناطق الصراع الشهيرة. الساحل وحوض بحيرة تشاد ومنطقة وسط أفريقيا وشرق الكونغو والقرن الأفريقي والسودان وجنوب السودان وليبيا.
وأكدت الأمم المتحدة أن الدول التي لا تقع فيها بنادق “يجب أن تتعاون مع جيرانها”. فلا أحد بعيد عن النزاعات في القارة. كما أن جزءا من أهداف المبادرة الوقاية من العنف قبل أن يقع.
ولا يقتصر الأمر على نزع البنادق بل بالإضافة إلى هذا تحاول المبادرة الدمج بين الأحزاب المتناحرة.
ويتوقع المتشائمون -بالفعل- أن هذا لن يتحقق بالنظر إلى اتجاه انعدام الأمن الذي تواجهه القارة. ويشمل ذلك انتشار الإرهاب والتطرف العنيف وعودة ظهور الانقلابات وعدم الاستقرار المرتبط بالموارد والصراعات. خاصة في مناطق مثل منطقة البحيرات الكبرى والصراعات داخل الدول مثل جنوب السودان وليبيا وإثيوبيا والكاميرون التي في أوجها.
كيف يمكن إسكات البنادق؟
تحاول الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي معالجة الأسباب الجذرية للمشكلة عن طريق تأسيس برامج في قطاعات عدة لمعالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وذلك لمنع لجوء ملايين الشباب العاطلين عن العمل أو غير متعلمين أو في وظائف غير آمنة من اتخاذ السلاح مفرا من واقعهم.
لكن التحدي الأكبر هو الاستيعاب الوطني للحملة من قبل الدول الأعضاء. حيث تملك الحكومات مسئولية إسكات البنادق وتضع بالفعل خططًا وطنية. يجب أن تكون الإرادة السياسية والقيادة على أعلى مستوى. يمكن للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة الحضور ودعم البلدان. نحتاج أيضًا إلى تعبئة الموارد لدعم كل هذه الأنشطة -بحسب الأمم المتحدة.
ستكون معالجة الأسباب الجذرية المتعددة للصراعات العديدة في أفريقيا بحلول عام 2030 مستحيلة. وذلك بالنظر لتأثير جائحة كورونا وحرب روسيا وأوكرانيا، التي أثرت كثيرا في القارة. كما يظل الاتحاد الأفريقي مقيدًا بسيادة الدول الأعضاء فيه. والتي يمكنها أن تفعل الكثير لدفع أعضائها في الاتجاه الصحيح. لكن يديها مقيدة في النهاية رغم هذا.
ولتجنب خيبة الأمل تعمل مفوضية الاتحاد الأفريقي من أجل تحديد مفهوم أفضل لمبادرة “إسكات البنادق” في سياق أهداف أجندة 2063. والمعالم المحددة التي ينبغي تحقيقها من الآن حتى عام 2030.
أيضا تحاول الأمم المتحدة إدماج المرأة في المبادرة كونها مؤثرة. ورغم ذلك لم يتم تسليط الضوء على تأثيرها على طاولات مفاوضات السلام.
الأمم المتحدة.. وأفريقيا دون نزاعات
يسير التعاون بين الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة بشكل جيد. ويمكن ربط أهداف معينة بسهولة نسبيًا بقائمة مؤشرات النجاح مثل تعزيز تمويل عمليات دعم السلام الأفريقية وإنشاء تدخلات عسكرية في إطار القوة الأفريقية الجاهزة (ASF). أو منع تداول تدفقات الأسلحة غير المشروعة في أفريقيا.
ويمكن قياس النجاح بالنظر إلى الأموال المتاحة في صندوق السلام. فضلا عن عدد عمليات نشر قوات الدفاع الذاتي والتعاون بين الوكالات الأمنية. وكذا التصديق على المعاهدات المخصصة لاستئصال الإتجار غير المشروع بالأسلحة وإنفاذها.
ومع ذلك يصعب قياس بعض الأهداف كنجاح استراتيجيات الوساطة الأفريقية وحفظ السلام. كما تتطلب القضايا الأخرى أيضًا إرادة سياسية أكبر بكثير. وهي مرتبطة بقضايا السيادة التي لن يفعل إطار من الاتحاد الأفريقي سوى القليل لتغييرها.
ويخطط الاتحاد الأفريقي مثلا لإبقاء الدول الأعضاء على التزاماتها بموجب الميثاق الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم. ويهدف هذا إلى ضمان انتخابات حرة ونزيهة ومنع رؤساء الدول من إعادة كتابة دساتيرهم من جانب واحد للبقاء في السلطة. فمن الصعب القيام بذلك بالنسبة لمنظمة حكومية دولية ليس لها سيطرة قانونية على الدول الأعضاء فيها.