أصبح شراء الذهب هذه الأيام، الخيار الأول عند التفكير في الاستثمار، أو الحفاظ على الأموال، في ظل ما تعانيه البلاد من أزمة اقتصادية ضخمة، ونقص في المعروض من النقد الأجنبي. وقد بات من البديهي اصطفاف المواطنين على عتبات محلات الصاغة في كل مكان، في طوابير طويلة لشراء سبائك أو جنيهات ذهبية لـ”حفظ”، قيمة الجنيه.
سامح عبد الكريم مهندس زراعي بأحد الشركات يقول: إنه نظرًا لتدهور قيمة الجنيه وتخوفه من حدوث تعويم مرة أخرى، في أي وقت، قرر سحب أمواله التي كان يودعها في أحد البنوك لشراء سبيكة ذهبية، بناءً على نصيحة من أصدقائه كاستثمار مضمون في الوقت الحالي.
قفزت أسعار الذهب عيار 21 الأكثر شهرة في مصر بنسبة بلغت نحو 58%، منذ بداية العام الحالي، وحتى نهاية شهر إبريل/ نيسان الماضي، حيث زاد سعر الجرام من 1700 جنيه إلى نحو 2700 جنيه، بدون إضافة المصنعية والرسوم. فيما سجل سعر الجنيه الذهب قرابة 21 ألف جنيه.
وبالقياس مع أسعار إبريل/ نيسان من العام الماضي 2022، ارتفعت أسعار الذهب عيار 21 بنسبة قُدرت بـ156.3% تقريبًا، بعدما ارتفع سعره من 1029 جنيهًا إلى 2700 جنيه، فيما زاد سعر الجنيه الذهب بنسبة 140%، بعدما زاد سعره من 8736 جنيه إلى 21000 جنيه.
ويعتقد سامح أن الشهادات الادخارية التي أعلنت عنها البنوك بفائدة 25% أو 19%، تحقق عائد أقل من نسب التضخم المعلّنة والتي بلغت نحو 40%.
وقد سجلت معدلات التضخم السنوية 32.7% خلال شهر مارس/ آذار الماضي، فيما ارتفع معدل التضخم الشهري الأساسي فسجل 39.5% بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
يؤكد هاني ميلاد رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات باتحاد الغرف التجارية، إمكانية تجاوز جرام الذهب عيار 21 حاجز الـ3 آلاف جنيه، بسبب ارتفاع الطلب وانخفاض المعروض.
وأضاف ميلاد خلال مؤتمر صحفي أمس الأحد، أن التجار يقومون ببيع الذهب بأسعار تصل إلى 2900 جنيه للجرام، موضحًا أنهم يشترون الذهب بنفس الأسعار المرتفعة والتاريخية في ظل نقص المعروض.
كما أشار إلى أن نقص المعروض يُجبر التجار والمواطنين على الشراء بنفس الأسعار المرتفعة مع ندرة الخام في الوقت الحالي، مضيفًا أن الفرق بين سعر البيع والشراء أصبح ضئيلًا جدًا. وهو أمر طبيعي ومتعارف عليه بحسب كلامه.
وتابع ميلاد، أنه يتم تصنيف الذهب عالميًا ضمن سلة العملات، ويمكن الاستثمار فيه بما يتم مع العملات. ويضيف أن الظروف الحالية الاقتصادية تُنشئ استثمارًا قويًا في الذهب، لافتًا إلى أن شعبة الذهب ليست جهة تسعير، وأن آليات السوق الحرة وبورصة الذهب عالميًا، والعرض والطلب وسعر الدولار محليًا هما من يحكّمان سعر الذهب في مصر.
لكن كلام رئيس الشعبة مردود عليه، بأن سعر أونصة “أوقية”، الذهب عالميًا سجلت 1990 دولارًا، بما يعني أن سعر الجرام بلغ حوالي 63.5 دولارًا، بحساب أن الأوقية توازي نحو 31.1 جرام تقريبًا. وهذا يعني أن سعر الجرام وفقًا لسعر الصرف الرسمي للدولار (30.9 جنيهًا للدولار)، سيصل إلى نحو 1962 جنيهًا. ووفقًا لسعر السوق الموازية (36 جنيهًا للدولار)، سيكون حوالي 2413 جنيه.
لكن وبحسب السعر المعلّن لجرام الذهب في محال الصاغة التي تنشرها منصة “آي صاغة”، فإن سعر الدولار الذي تُسعر به محال الصاغة جرام الذهب تراوح بين 42 إلى 43 جنيهًا، بزيادة نحو 13 جنيهًا عن السعر الرسمي للدولار.
المضاربة على سعر الدولار والجنيه
ويتفق ذلك الطرح مع رؤية رئيس قسم إعادة الهيكلة ببنك قطر الوطني معتز غريب، الذي وصف تسعير الدولار لدى محال الصاغة بـ”السويقة”، ذلك لأنه يتم تسعير الدولار أمام الجنيه في سوق الذهب يوميًا، وبشكل يوحي بأنه “مضاربة”، على الجنيه.
ويقول في تحليل نشره على صفحته على موقع فيس بوك، إن عددا من العاملين بمحال الصاغة يمارسون “المضاربة”، على سعر الجنيه، مستغلين تخوّف المواطنين من تعويم الجنيه، واستعدادهم لشراء الذهب بدلًا من الأموال النقدية “الكاش”.
ويتهم غريب أصحاب محال الصاغة بالتحكم في السوق، يرفعون الأسعار باستمرار، وكل صاحب محل يقوم بإنشاء جروب “مجموعة”، على موقع التواصل الاجتماعي “تيليجرام”، ويكتب أسعار بضاعته من الذهب ويُحدِثها باستمرار من خلال زيادة سعر الجرام، وكل منهم يرفع السعر عن الآخر، ما تسبب في زيادة سعر الجرام نحو ألف جنيه في أقل فترة زمنية ممكنة.
ويُدلل غريب، على مضاربة أصحاب محال الصاغة على الجنيه، من خلال الأرقام المعلّنة ففي يوم يرتفع سعر الجرام 1000 جنيه، ثم ينخفض 500 جنيه في يوم آخر، ما اعتبره أمرًا غير منطقي.
نقص المعروض من الذهب
ندرة المعروض هو ما تسبب في الارتفاع الكبير في أسعار الذهب، بحسب ماجد عبيد خبير إدارة المخاطر المالية، ويفسر ما يحدث بأن التاجر يقوم بتسعير الذهب على أساس سعر الدولار في السوق السوداء، ثم يُضيف علاوة لندرة الذهب، لذا لا يمكن حساب سعر دولار السوق السوداء من سوق الذهب، كونه محمل بعلاوة ندرة المعروض من الذهب.
وانخفضت واردات مصر من خام الذهب خلال الأشهر الـ8 الأخيرة من العام الماضي إلى 163.8 مليون دولار، مقارنة بنفس الفترة من عام 2021 التي بلغت 594.5 مليون دولار، بنسبة تراجع بلغت أكثر من 260%.
ويُضيف عبيد في تحليل عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، أن هناك سيولة رهيبة في سوق الذهب، بسبب عدم جدوى الشهادات الادخارية ذات الفائدة 19%، بسبب ارتفاع معدلات التضخم السنوي إلى مستويات أكبر من الفائدة بنحو 13.3%.
ومن جهة أخرى، يرى عبيد أن مقترح الحكومة بالسماح للمصريين بالخارج بإدخال الذهب في حدود 10 آلاف دولار، دون فرض جمارك، هو انعكاس لما يحدث من انفلات في سوق الذهب، فضلاً عن فقدان الثقة في الجنيه.