“تعذر الجمع بين التفرغ لمهام تمثيل الشعب بالبرلمان، وبين مقتضيات العمل كنقيب للمحامين”، نص واضح وصادم في آن ، جاء ضمن حيثيات حكم قضائي صدر مؤخرا باستبعاد عضو مجلس الشيوخ سامح عاشور من الترشح كنقيب للمحامين، حيث لم يقتصر مردوده على عرقلة طموحات عاشور النقابية، وإنما بات يطرح تساؤلات بشأن وضع العديد من أعضاء البرلمان، ممن لم يطبقوا شرط “التفرغ وعدم الجمع بين وظيفتين” كما تنص المادة 103 من الدستور الحالي.
“رؤساء شركات كبيرة، وأعضاء بمجالس إدارات أندية رياضية كبرى، ومسئولو نقابات مهنية” يتواجدون حاليا بين صفوف أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، يخالفون ذات الشرط الذي منع سامح عاشور من الجمع بين منصبه البرلماني كعضو مجلس شيوخ، ومنصبه الذي كان يسعى إليه كنقيب للمحامين. “مصر 360” يرصد تلك النماذج ومدى صحة موقفها القانوني، والدرجة التي يمكن معها الجمع بين مناصب تستنزف جزءا من طاقاتهم وجهودهم، وما بين الاضطلاع بالأدوار البرلمانية المطلوبة.
اقرأ أيضا.. خاص| رئيس “موازنة النواب”: صرف أول دفعات قرض “النقد” لمصر أكتوبر المقبل
نماذج جمعت بين عضوية البرلمان ومناصب أخرى
تحفل الذاكرة البرلمانية بنماذج لأعضاء برلمان حاليين وسابقين، جمعوا بين عضويتهم النيابية، ومناصب ومواقع مسئولية أخرى، ففي البرلمان الحالي، وبينما تم استبعاد سامح عاشور من المنافسة على منصب نقيب المحامين لعضويته بمجلس الشيوخ، نجد نقيب الإعلاميين الحالي طارق سعدة عضوا في مجلس الشيوخ حاليا، والدكتورة كوثر محمود، نقيبة التمريض وهي عضوة مجلس الشيوخ أيضا، ورئيس نادي الترسانة طارق السعيد عضو مجلس النواب، والنائب محمد الجارحي عضو مجلس إدارة النادي الأهلي، والنائب يوسف الحسيني الذي يعمل مذيعا بالتلفزيون المصري.
وفي مجلس النواب السابق الذي ترأسه علي عبد العال، كان النائب مرتضى منصور رئيسا لنادي الزمالك في الوقت نفسه، والنائب أسامة هيكل رئيس لجنة الإعلام ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي. والنائبة رانيا علواني عضو مجلس إدارة النادي الأهلي أيضا.
التزام يهدد البرلمانيين
“الحكم الصادر على سامح عاشور، والذي تسبب في فرملة مساعيه نحو مقعد نقيب المحامين، وقبله الحكم المماثل على النائب أحمد عثمان الذي تم رفض ترشحه على مقعد نقيب المهندسين، خطير ودال ويجب التوقف أمامه كثيرا”. هكذا قال الدكتور صلاح فوزي أستاذ القانون الدستوري وعضو لجنة العشرة لإعداد دستور 2014، الذي أوضح في حديثه لـ”مصر 360″ أن هذه الأحكام استندت إلى قوة الدستور وتحديدا المادة 103، إلا أن التعامل مع شرط “التفرغ وعدم الجمع بين وظيفتين” يحتاج إلى مرونة في التفسير والتأويل.
وأوضح فوزي: “التفرغ بمعناه المطلق للعضو البرلماني أمر ينافي المنطق، ربما يكون التفرغ لمهام العضوية بشكل جزئي، لكي يركز النائب جهوده على متطلبات التشريع والرقابة، ويستطيع أيضا الانخراط في عمل ما يمكنه من تدبير أموره المعيشية والمادية، والمسألة تخضع في وجهة نظري لقدرة النائب على إدارة الوقت. عدد من النماذج السابقة جمعت بين عضوية البرلمان ورئاسة أندية رياضية وشركات كبرى، ووصل الأمر في عهود سابقة بالسبعينيات أن يكون الوزير ، نائب برلماني في الوقت نفسه، إلا أن الدستور منع ذلك حاليا.
وأشار فوزي إلى أن عضوية أعضاء البرلمان الحاليين، ممن يجمعون بين وظيفتين “سليمة”، ما دام لم يتم تحريك دعوى قضائية ضدهم، تؤدي للبحث في مسألة عدم تطبيق مبدأ التفرغ والجمع بين عضويتين، كما في حال نقيب الإعلاميين و نقيبة التمريض أعضاء مجلس الشيوخ حاليا.
العضو ليس فئويا
عضو لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بمجلس النواب أحمد الشرقاوي، قال في تصريحات لـ”مصر 360″ إن مسألة تفرع النائب “ضرورية للغاية” وتكفل له أفضل استغلال واستخدام لأدواته الرقابية والتشريعية وتأدية أدواره الخدمية على أكمل وجه وبتركيز تام.
يرى الشرقاوي أن وضع العديد من أعضاء البرلمان حاليا لا يتلائم مع قاعدة “التفرغ”. إذ أن العديد منهم أعضاء مجالس إدارات في كبرى الأندية الرياضية ورؤساء شركات ورؤساء نقابات، وشرط التفرغ الحكمة منه، أن نائب الشعب الذي يتمتع بصفة “العمومية” في تمثيله لكافة المواطنين، عليه ألا يكون ممثلا لطائفة أو جهة أو نقابة لها صفة “الفئوية”.
وعن منع سامح عاشور من الترشح نقيبا للمحامين، قال الشرقاوي الذي يعمل محاميا في الأصل، إن ما زاد من تعقيد وضع سامح عاشور حكم أدى لمنع النائب أحمد عثمان الذي أراد الترشح كنقيب للمهندسين، حيث منعه حكم قضائي لجمعه بين مقعده النقابي ومقعده النيابي. ليوضح أن ذلك الوضع القانوني يطال أيضا عددا من أعضاء البرلمان الحاليين.
صحة العضوية
وأوضح الشرقاوي: “هناك جزئية يجب الالتفات لها، نابعة من تساؤل قد يثار عن صحة عضوية النواب الحاليين، الأشبه بسامح عاشور وأحمد عثمان، ممن لديهم وظائف وأعمال جانبية لعضويتهم، وهو أنهم التحقوا بالبرلمان الحالي قبل بداية ظهور الأحكام التي تشدد على مسألة التفرغ، وحال استجد على وضعهم شيئ، كرغبة في الترشح لنقابة، أو التجديد في عضوية مجلس إدارة نادي رياضي أو شركة، حينها ربما يقوم أحدهم برفع قضية ضدهم تعرقل مسارهم، شرط أن يكون من يقوم بذلك له صفة، كمنافس انتخابي أو شخص يتمتع بمركز قانوني، قد يمنع جمع النائب بوظيفة أخرى، ولكن ما دام ذلك لم يحدث، فعضوية النواب الحاليين “غير المتفرغين” سليمة.
وعن توقعه للشكل الذي ستكون عليه المجالس البرلمانية، عقب صدور أحكام قضائية استجدت، تشترط “تفرغ العضو”، وما إذا كنا سنصبح على موعد مع “برلمان كامل” جديد خلال السنوات المقبلة من الأعضاء المتفرغين. رد الشرقاوي: لا أتوقع ذلك، فما دام لم يصاغ الأمر في شكل تشريع من البرلمان نفسه بشكل واضح ودقيق، فقد تحكم المحاكم بأحكام مختلفة، وحينها نكون بصدد وضعية تسمح بوجود نواب مستقبليين لا يتحقق فيهم شرط “التفرغ”.
تساؤلات عن التعارض
“أنا نائب برلماني، تم استبعادي من منصب نقيب مهندسين الجيزة بسبب قاعدة التفرغ”.. هكذا صرح رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، النائب إيهاب منصور. الذي عبر لـ”مصر 360″ عن عدم رضاه عن إشهار مسألة “التفرغ” في وجه أعضاء البرلمان. كما أكد أنه ظل نقيبا لمهندسي الجيزة لسنوات، ونائب برلماني عمل بدأب وتكثيف للنشاط وسط المواطنين وأحوال الدائرة في الوقت نفسه. كما لم يمنعه منصب نقيب المهندسين من تأدية مهامه البرلمانية على أكمل وجه، وذلك قبل أن يتم منعه من تجديد ترشيحه على منصب النقيب لنفس الأسباب التي واجهت سامح عاشور.
وأوضح منصور: “مسألة التوفيق في الجمع بين المنصبين، وقيامي بمهامي البرلمانية تثبتها الأرقام وليس مجرد الوعود، فخلال دور الانعقاد الماضي، كنت وكيلا للجنة القوى العاملة. ورغم ذلك شاركت في 111 اجتماعا في لجان نوعية مختلفة، توثقها مضابط المجلس، كنت أتقدم بمقترحات لتعديل القوانين، واستخدام كافة أدواتي الرقابية، وأقوم بأدواري الخدمية، في ذروة انغماسي بالعمل النقابي”.
“لماذا لا ينظرون لمن يجمع بين منصب نقابي أو في أي من مجالات العمل، على أنه سيساهم في نقل خبراته تحت القبة والعكس صحيح”.. هكذا تساءل إيهاب منصور، الذي قال إنه خلال توليه منصب وكيل لجنة الإسكان، كان يسهم برؤى جادة ومعالجات قيمة في قانون التصالح في مخالفات البناء، نتيجة أنه “عالم ببواطن الأمور” من خلال خبراته كنقيب مهندسي الجيزة، وأضاف: “هكذا عضو مجلس إدارة النادي الرياضي، سيفيد الشأن الكروي ويثري قضاياه، مثلا كما في حالة النائب حازم إمام أمين سر لجنة الشباب والرياضة بمجلس النواب، وعضو مجلس إدارة الاتحاد المصرى لكرة القدم في الوقت نفسه”.
وكشف منصور عن أنه قبيل ترشحه مجددا على منصب نقيب مهندسين الجيزة، ذهب إلى مجلس النواب ليسأله عن جواز جمع النائب بين منصب نقابي ومنصب برلماني، وأنه قد حصل على رد واضح بأنه “لا يوجد ما يمنع”، مدعوما بمذكرة ضخمة تضم أوراقا ومستندات تفيض بآراء فقهاء العمل القانوني وقامات ورموز نيابية منذ السبعينيات. أقروا بأنه لا وجود لما يضر مبدأ “تفرغ النائب” حال توليه شأن آخر يعمل به إلى جانب موقعه النيابي.
وقال رئيس الهيئة البرلمانية لحزب المصري الديمقراطي: “واقعة سامح عاشور تثير تساؤلا مهما، إذا كان النائب البرلماني مطالب بالتفرغ التام لمهامه النيابية، وحينما يتقاضى مكافأة عضوية 5 آلاف ولا تزيد عن 20 ألف، للإنفاق منها على مهامه النيابية، لو لم يكن لديه عمل إضافي فكيف يمكنه أن ينفق على أسرته وعلى معيشته”.
واختتم بتوقعه أن يعاد النظر في حكم استبعاده من رئاسة نقابة مهندسي الجيزة، وأنه عند إطلاع هيئة المفوضين بمجلس الدولة على الرأي البرلماني الشارح لعدم وجود مايتعارض بين منصبه النقابي ومبدأ التفرغ، فحينها سيكون أمام سيناريو طلب إعادة انتخابات نقابة المهندسين في الجيزة، ليكون نائبا ونقيبا في الوقت ذاته.
التفرغ إرث قانوني
تثار مسألة التفرغ لعضوية البرلمان كإشكالية “جديدة قديمة”، حيث نظر المشرع الدستوري والقانوني على الدوام لوظيفة ممثل الشعب على أنها تتطلب شرط “الاقتدار” عند التصدي لها، ومنذ ما يزيد عن قرن من الزمان مع صدور أول قانون انتخاب فى مصر بالعام 1913، نصت المادة 20 منه على عدم جواز الجمع بين وظيفة عمومية وعضوية المجالس التشريعية، امتد الأمر لدستور عام 1923، بحظر الجمع بين عضوية البرلمان “النواب أو الشيوخ” وأى وظيفة، وهو ما أكد عليه قانون الانتخاب في العام 1930.
الأمر ذاته تكرر في دساتير الأعوام “56 58 64” قبل أن يدخل دستور 1971 استثناء في مادته 89 على أن التفرغ هو الأصل، ولكن هناك استثناءات بسيطة من قاعدة التفرغ لعضوية المجلس، كل الوقت أو بعضه، وهو الاستثناء الذي صار قاعدة يسير وفقها أغلب أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الحاليين، قبل أن تبدأ الأحكام القضائية مؤخرا في إعادة النظر في ذلك الاستثناء المتعلق بمسألة التفرغ والجمع بين العضوية والمناصب الأخرى.