تعتبر عروض الاستحواذ المعادل اللغوي الأخف لكلمة السيطرة على المؤسسات وابتلاعها فهي عملية تستهدف شركة بها شراء كل أو جزء من أخرى. مع التمثيل في مجلس إدارتها، والمشاركة في صناعة قرارها، أو الانفراد به.
للاستحواذ أنواع كثيرة -كل حسب طريقة إجرائه- أو حجم الشركة المُستحوَذ عليها لتتضمن الاستحواذ الرضائي أو العدائي. أو الاستحواذ الجزئي والكلي. لكن يجمع بينها وجود عرض بالاستحواذ مُقدم وتقييم للسهم عند الحدود العادلة.
في الاستحواذ الرضائي تقدم الشركة الراغبة في الاستحواذ عرضا لأخرى. ويتم دراسته من قبل مجلس إدارة الأخيرة وعرض الأمر على الجمعية العمومية. وبعدها يتم تقديم المستندات عن موقفها المالي وسعر السهم وقيام الراغب في الاستحواذ بفحص نافٍ للجهالة. وهو فحص تقوم بها الشركة لأخرى تريد شرائها لتنفي “جهلها” بوضعها المالي
أما الاستحواذ العدائي فيحدث عندما لا يتم تقديم العرض لمجلس إدارة الشركة المستهدفة بالاستحواذ. بل عن طريق الشركة القابضة المالكة لها. وهو نوع يهدف في المقام الأول للسيطرة وليس الاستثمار. وفي بعض التجارب إخراج أحد المنافسين من السوق عبر ابتلاعه.
أما الاستحواذ الكلي فيتعلق بشراء رأسمال الشركة المستحوذ عليها بنسبة تزيد على 50%. وقد تصل إلى 100% من رأسمال الشركة المُستحوذ عليها. فيما الاستحواذ الجزئي يكون على جزء من أموال الشركة المُستحوَذ عليها بنسبة محددة من رأسمالها وغالبا ما يكون بين 10% و30%.
خلاف يعوق الرقابة
يُفترض أن يكون لجهاز حماية المنافسة دور في إقرار الموافقة أو الرفض بشأن أي صفقة استحواذ أو اندماج تحدث داخل السوق المحلية. وهو أمر معمول به في أكثر من 135 دولة. وهناك تعديلات تشريعية على القانون تمنح الجهاز صلاحية وسلطة الرقابة عليها تم إقرارها من جانب مجلس الوزراء وإحالتها إلى مجلس النواب. لكن تم تأجيلها لدور الانعقاد في أكتوبر المقبل.
تلك التعديلات من شأنها منح الجهاز قوة قانونية تُمكّنه من الرقابة المسبقة على أي صفقة استحواذ أو اندماج قبل إتمامها. بحيث تكون للجهاز سلطة الموافقة أو الرفض وفقًا لنتائج دراسات السوق. ومدى تأثير الصفقة في المنافسة وتفادي وقوع أي ممارسات احتكارية داخل السوق.
تعديلات قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية تم تأجيلها أكثر من مرة بسبب خلاف بين جهاز حماية المنافسة وهيئة الرقابة المالية حول استثناء الأخيرة والشركات الخاضعة لها من تطبيق مشروع القانون. بجانب خلط بين الشركات الخاضعة للرقابة المالية المنظمة بقانون رقم 10 لسنة 2009 والكيانات التي لديها أوراق مالية مقيدة بالبورصة. والتي تخضع على المستوى الإدارى إلى هيئة الاستثمار.
الدور المنوط لجهاز حماية المنافسة للقيام به مرتبط في المقام الأول بمخاطر الاستحواذ الكامل على شركة. والتي من بينها الإخلال بمبدأ المنافسة. خاصة إذا ما كان الاستحواذ هدفه شخصيا دون رؤية للاستثمار أو تحقيق القيمة المضافة. وهي عملية تؤدي في النهاية إلى تقليص عدد الشركات المتنافسة. ما قد يسبب رفعا للأسعار والاحتكار.
الثانية بقائمة الاستحواذ
جاءت مصر في المركز الثاني بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا في صفقات الاستحواذ خلال النصف الأول من العام الجاري. وذلك بعدد صفقات 65 بقيمة 3.2 مليار دولار -بحسب تقرير لشركة “إرنست آند يونج” وهي رابع أكبر شركة محاسبة مالية في العالم وتقدم خدمات استشارية وضريبية.
وبحسب التقرير قفز نشاط الصفقات ثلاثة أضعاف ما كانت عليه خلال النصف ذاته من العام السابق بقيادة مبادرات حكومية مواتية. بما في ذلك منح ترخيص خاص للمستثمرين الأجانب.
تقول “إرنست آند يونج”، إن هناك 5 قطاعات كانت مستهدفة عموما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصفقات الاستحواذ والاندماج. تتضمن النقل والمنتجات الاستهلاكية والاتصالات والعقارات والطاقة والمرافق.
لكن خريطة الاستحواذات الخليجية حاليا تستهدف في المقام الأول قطاعات البنوك والخدمات الرقمية والأسمدة والنقل. إذ استحوذت شركة أبوظبي القابضة على حصص حكومية في 5 شركات. تضمنت البنك التجاري الدولي و”فوري” وأبو قير للأسمدة ومصر لإنتاج الأسمدة “موبكو” والإسكندرية لتداول الحاويات. وذلك مقابل نحو 1.8 مليار دولار. وقبلها حصة في “فوري” بقيمة 34.2 مليون دولار.
صندوق الاستثمار السعودي كان معنيًا بالقطاعات ذاتها. إذ مارس الاستحواذ -أو الاستثمار بلغة وزارة التخطيط- في “أبو قير للأسمدة والصناعات الكيماوية” و”مصر لإنتاج الأسمدة” و”الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع” و”إي فاينانس للاستثمارات المالية والرقمية”. مع حديث يروج حاليا عن فحص نافٍ للجهالة للمصرف المتحد المملوك للبنك المركزي بنسبة تقترب من 100%.
القطاعات الأكثر حيوية
الاستحواذات الخليجية الأخيرة ركزت على “وش القفص”. وهي مقولة دارجة في الأسواق المصرية تعني الشركات المنتقاة الرابحة. فالبضاعة أعلى العبوات دائما ما تكون أفضل من ناحية الشكل والحجم. لأنها وسيلة الترويج الذي يجذب التاجر من خلاله الزبائن.
قطاع البنوك في مصر أثبت قوته في مواجهة التحديات المالية الأخيرة. فلم يخسر حتى في خضم أزمة كورونا وتوقف النشاط الاقتصادي. إذ حققت البنوك المقيدة في البورصة نموا بأرباح وصلت إلى 10.8%.
البنك التجاري الدولي مصر -مثالا- حقق خلال النصف الأول من العام الحالي صافي ربح بلغ 7.780 مليار جنيه. مقابل 6.089 مليار جنيه خلال الفترة ذاتها من العام السابق. بزيادة 28% مدفوعًا بارتفاع صافي الإيرادات والدخل من العائد.
الدخول في بنوك ذات ملاءة مالية قوية يضمن توزيعات مالية مستمرة للأرباح. وفي عام 2021 قفز نصيب السهم الأساسي من أرباح البنك التجاري الدولي إلى 6.1 جنيه. مقارنة بنحو 4.67 جنيه خلال 2020.
كما تزايدت أهمية الأسمدة كثيرًا في خضم الحرب الروسية الأوكرانية. بعدما شهدت نقًصا عالميا ملحوظًا. إذ تستحوذ روسيا على نحو 22% من الصادرات العالمية من الأمونيا. و14% من صادرات العالم من اليوريا وقرابة 14% من فوسفات الأمونيوم الأحادي. وهي الأنواع الرئيسية من الأسمدة في العالم. وكان ذلك وراء اتجاه رأس المال الخليجي نحو ذلك القطاع في مصر.
رأي: المنافع تفوق المخاطر
أما “الإسكندرية لتداول الحاويات” فهي إحدى الشركات الضخمة في قطاع النقل البحري المصري. إذ تمتلك الشركة محطة الإسكندرية بطاقة 500 ألف حاوية مكافئة. ويتبعها مخزن متخصص لتفريغ مشمول الحاويات المشتركة LCL ساحة مخصصة للتعبئة وصرف مشمول الحاويات CFS. بجانب محطة حاويات الدخيلة بطاقة إنتاجية مليون حاوية مكافئة ويتبع المحطة مخزن لتخزين بضائع الحاويات المشتركة داخلها.
و”فوري” و”إي فاينانس” يمثلان إحدى الأذرع النشطة حاليا في قطاع الدفع الإلكتروني الذي تزايدت أهميته في مصر مع تطبيق الشمول المالي وتقليل التعامل النقدي “بالكاش” والانتقال إلى العدادات مسبوقة الدفع في قطاع الخدمات.
وارتفعت إيرادات “فوري” خلال الأشهر الستة الأولى إلى 1.01 مليار جنيه بنهاية يونيو. مقابل 742.56 مليون خلال النصف المقارن من 2021. بينما بلغ إجمالي إيرادات “إي فاينانس” 1.26 مليار جنيه مقابل 904.36 مليون في الفترة المقارنة ذاتها.
ويقول نادي عزام -الخبير الاقتصادي- إن الاستحواذ منافعه أعلى من مخاطره. إذ يعمل على توفير السيولة للشركات كما يدعم خططها التوسعية. وهو ما ينطبق على غالبية الاستحواذات الخليجية. إذ تتضمن شراء حصص غير حاكمة. بما يعني أن الإدارة والنسبة الكبرى تظل مصرية.
يضيف أن المُستحوِذ يريد أن يحقق المنفعة الاقتصادية له. فهو استثمار وليس منحة. وبالتالي سيختار القطاعات الواعدة التي تؤكد التوقعات وجود نمو قوي لها مستقبلا. وكذا الشركات القوية ذات الملاءة القوية.
الاستحواذات والكثافة السكانية
قبل سنوات ركزت الاستحواذات الإماراتية على 3 قطاعات أساسية في مصر. وهي الغذاء والسكن والصحة. وهي قطاعات مهمة لنحو 100 مليون مصري. إذ استحوذت شركات إماراتية خلال أعوام على شركة “أبو عوف” و”الإسماعيلية للاستثمار الزراعي” و”بورتو جروب” والسادس من أكتوبر “سوديك”.
وشق رأس المال الإماراتي طريقه في مصر بداية بالقطاع الصحي. وذلك بشراء مستشفى كليوباترا عام 2014. و“شركة بداية للخدمات الطبية” المتخصصة في الإخصاب والحقن المجهري ومستشفى “الكاتب” و“كوينز رويال” للولادة. بجانب شركة “ألاميدا الطبية” التي تملك مستشفيات “السلام الدولي بالمعادي” و”السلام الدولي بالقطامية” و”دار الفؤاد 6 أكتوبر”. بالإضافة إلى “دار الفؤاد” بمدينة نصر بالقاهرة ومعامل يوني لاب وإكسير للمناظير وطبيبي ومعامل البرج والمختبر.
وبالنسبة للسعودية فكان لها توجه ثابت معني في المقام الأول بقطاع الأغذية. وذلك منذ استحواذ المراعي على “بيتي” عام 2009 حتى استحواذ “صافولا” السعودي على أصول تابعة للشركة المصرية البلجيكية للاستثمارات الصناعية المصرية قبل أسابيع. قبيل أن تغير خطتها نحو القطاعات الصناعية والمالية والنقل.