تواجه وزارة المالية تحديات حاليا في إنهاء مشروع الموازنة للعام المالي 2022/2023. في ظل تقلبات أسعار السلع الأساسية. وكذلك النفط التي اختلفت عن التقديرات التي وضعتها في منشور إعداد الموازنة الجديدة الذي ارتكنت إليه في توقعاتها للنفقات.
وتقدر الحكومة الموارد والمخصصات والمصروفات خلال العام المالي المقبل بناء على الافتراضات التي قدمتها وزارتا المالية والتخطيط والبنك المركزي.
وتأخذ هذه الافتراضات في الاعتبار الظروف والأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على الصعيدين الوطني والدولي.
في الموازنة الحالية تم تحديد سعر برميل النفط عند مستوى 61 دولارا. فيما جاءت الحرب الأوكرانية الروسية لترفع سعره إلى مستوى يناهز 140 دولارًا. وكل دولار زيادة في برميل النفط يكلف بمشروعها 2.3 مليار جنيه.
وتسببت الارتفاعات القياسية في أسعار القمح أيضا إلى تكبيد مصر نحو 15 مليار جنيه زيادة في الإنفاق. ومن غير المعروف حتى الآن المستويات التي يمكن أن تصل إليها الأسعار في ظل استمرار الحرب واستمرار القفزات في العقود الآجلة.
وحتى سعر صرف الدولار الأمريكي بات من الصعب تقديره في ظل استفادته من الحرب كأحد الأصول الآمنة. وفي الوقت ذاته التوقعات بارتفاع أسعاره في ظل سعي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي “البنك المركزي” لرفع الفائدة أكثر من مرة العام المقبل الذي يرفع معه العملة الأمريكية.
المشروع في أبسط تعريفاته يمثل بيانا ماليا تقديريا بالاستخدامات (المصروفات مجازا) والموارد (الإيرادات مجازا) المتوقعة خلال عام. مع تقديم لسياسات الحكومة المالية بمجال التعليم والصحة والإسكان وغيرها.
رحلة طويلة من أجل إقرار الموازنة العامة
ويتم إعداد المشروع عبر عدة مراحل أولها إصدار وزارة المالية منشورا لإعداد الموازنة ترسله إلى جهات الدولة التي تعد موازناتها الخاصة. التي تتضمن الإيرادات والمصروفات ثم ترسلها لوزارة المالية مجددًا.
تناقش وزارة المالية المشروعات الواردة إليها والخاصة بكل جهة وتفتح نقاشا معها حول أهميتها. وذلك قبل أن ترفع المشروع لمجلس الوزراء للمناقشة والتعديل. وبعدها يرفع إلى الرئيس الذي حال إقراره تتم إحالته إلى مجلس النواب لمناقشته وتعديله في ضوء القواعد الحاكمة في الدستور والقانون.
يفترض أن يدخل المشروع مجلس النواب قبل نهاية مارس لمنحه الوقت الكافي لدراسته قبل انتهاء السنة المالية القائمة في 30 يونيو. وبعد اعتماده من قبل النواب يتم إرساله مرة أخرى إلى وزارة المالية للتنفيذ وتصدر في صورة قرار ربط الموازنة.
ودأبت مصر على إنتاج طريقة واحدة لإعداد المشروع. وهي البنود التي تعتمد على تحديد الاعتمادات لكل بند وضرورة التقيد بها في الإنفاق. وحال الاحتياج إلى المزيد يتم فتح اعتماد إضافي لا بد أن يحظى بموافقة مجلس النواب أيضًا.
ويتم التأكد من تطبيق البنود والاعتمادات المخصصة لها قبل الأجهزة الرقابية ممثلة في مجلس النواب والجهاز المركزي للمحاسبات من أن الصرف يتم في حدود الاعتمادات المدرجة وفي الأغراض المخصصة لها.
هل توجد 3 موازنات في مصر؟
بدأت الوزارة انتهاج طرق إعداد أخرى في إعداد المشروع مثل موازنة “البرامج والأداء”. وذلك لا يعني أن لدينا أكثر من مشروع ولكن الاختلاف في طريقة الإعداد والتنفيذ. فموازنة البرامج تضع أهدافا معينة “برامج” وتعمل على تنفيذها وليس مجرد شراء سلع وخدمات مثل التقليدية. بمعنى آخر فإنها تهتم بطبيعة أنشطة وأعمال الأجهزة الحكومية أكثر من اهتمامها بقضية المخصصات والإنفاق وبالتالي تكتسب قدرا من المرونة.
بالنسبة لمسؤولي وزارة المالية فإن مشروع “البرامج والأداء” يساعد الهيئات الاقتصادية على تطوير إدارتها المالية. وتحسين أنماط العمل. فكل وحدة حكومية يتم تحليلها وفقا لاحتياجاتها وتكاليفها ثم يتم إعداد المشروع على أساس متطلبات المرحلة القادمة دون النظر إلى زيادة الموازنة أو نقصانها عن العام السابق.
من عيوب مشروع “البرامج والأداء” أنه يستغرق وقتا أطول في الإعداد عن “البنود”. لكنه يمتاز بالمرونة. فعملياته عادة ما تكون مركزة وتسعى إلى تخفيض التكاليف وتعد أداة لتقييم الأداء والتخطيط المالي للوحدات الحكومية وكذلك تقويم أداء الإدارات الحكومي.
وتعتمد العديد من الدول على “البرامج والأداء” منذ عقود مثل الولايات المتحدة الأمريكية. التي استحدثتها بهدف معالجة المشاكل التي تواجه عملية إعداد وتنفيذ الموازنة. وكان الهدف الأساسي منها هو تقديم أسلوب منظم لتحديد الأهداف الاستراتيجية وقياس أداء العمل وتحديد تكلفة الوقت المطلوب لتنفيذه.
الموازنة التشاركية
وفي المشروع الحالي قدمت ٨٢٪ من الهيئات المنطوية تحت الموازنة و٦٩٪ من الهيئات الاقتصادية بتقديم موازناتها طبقًا للبرامج والأداء. بعد خطة تضمنت رفع كفاءة ١٨٠٠ من ممثلي جهات الموازنة في إطار البرنامج الوطني لبناء قدرات الموظفين وتأهليهم لاستخدام النموذج الموحد لإعداد موازنة البرامج والأداء. وإعداد دليل يتضمن تحديد هياكل البرامج والمفاهيم الأساسية وأهداف مؤشرات قياس الأداء وكيفية تصميمها وخطوات إعداد الموازنة وتنفيذها.
وبدأت وزارة المالية تطبيق الموازنة التشاركية منذ سنوات. وهي التي تعزز المشاركة الشعبية في وضع البنود وتحسين كفـاءة الإنفاق العام عبر خلق حلقة وصـل بيـن المواطنيـن والجهــات المعنيــة الحكوميــة وغيــر الحكوميــة.
لكن تحتاج تلك الطريقة إلى قـدرات كـوادر فعالـة واعيـة ً مـن المواطنيـن قادرة علـى قـراءة وفهـم وتحليـل كال مـن الموازنـة وبرامــج الحكومــة بالإضافــة إلــى تمكينهــم مــن متابعــة تنفيــذ المشــروعات المحليــة والرقابـة المجتمعيـة ممـا يـؤدي إلـى تحسـين أحـوال المواطـن المصـري.
الموازنة والمصالح النخبوية
تمنح الموازنة التشاركية المواطنين القدرة على التأثير والقوة المباشرة في التعبير عن مصالحهم ورؤيتهم في مخصصات الدولة. بالإضافة إلى تقليل الشعور بالعجز في التأثير على الحكومة. وهي تعمل كأداة لتركيز الديمقراطية على احتياجات المواطنين وأولوياتهم بدلاً من الاهتمام بالمصالح الخاصة. لكن تطبيقها ما يزال نخبويا بعض الشيء في مصر ولا تنزل للقطاعات الأقل لمعرفة آرائهم في نفقات وإيرادات الموازنة والأولويات الإنفاق في وجهة نظرهم.
وأنشأت وزارة المالية وحدة الشفافية والمشاركة المجتمعية بقرار وزاري رقم 574 لسنة 2018 بهدف نشر مفاهيم وثقافات السياسة المالية والاقتصادية والإفصاح المالي. بالإضافة الى تفعيل المشاركة والتواصل المجتمعي وتصدر ما يسمى بموازنة المواطن سنويا التي تتضمن تبسيطا للموازنة العامة من أجل توصيل مفهومها للمواطن البسيط.
ويحدد دستور مصر لعام 2014 دور البرلمان في مراجعة الموازنة وإقرارها. كما يوضح دور الجهاز المركزي للمحاسبات في إدارة عمليات التدقيق فيما يخص المحاسبة والامتثال ويتطلب تحديد الحد الأدنى من المخصصات لقطاع الصحة ولقطاع التعليم وللجامعات وللبحث العلمي. كما يفرض ضرورة تحقيق الزيادة التدريجية في هذه المخصصات للوفاء بالمعايير الدولية.
وبعد انتهاء العام المالي يتم عرض التقرير العام للحساب الختامي للمشروع عن العام المنتهي الذي يضم الحسابات الختامية والهيئات الاقتصادية على مجلس النواب الذي يناقشه وحال الموافقة عليه. يبدى ملاحظته عليه ويعيد إرسالها للحكومة لمراعاتها في العام التالي.