هل تلجأ الحكومة لخصخصة إدارة الشركات الحكومية؟ يطرح ذلك التساؤل نفسه بقوة حاليًا مع عدم قناعة الدولة بأداء مجالس إدارات الشركات الحكومية. ذلك رغم خطة التطوير التي انتهجتها. إلى جانب اتهام العمال المستمر للمسؤولين عنهم بسوء الإدارة والجمود عن مواكبة خطط التطوير والتغيرات العنيفة التي تشهدها الأسواق المحلية والعالمية.
يُقصد بخصخصة الإدارة منح شركات القطاع الخاص إدارة شركات حكومية مقابل الحصول على مبالغ مالية متفق عليها أو نسبة من صافي أرباح الشركات. ذلك مع وضع مستهدفات يجب على تلك الإدارات تحقيقها ودون الاستعانة بعمالة من الخارج. إلا في الإدارة العليا فقط أو في نطاقات ضيقة.
خصخصة الإدارة في هذا التصور تعني أن تظل حقوق الملكية في يد الدولة، وأن تترك حق التشغيل فقط للقطاع الخاص. وهي مفيدة في حالة تنشيط الشركات الخاسرة، بضخ فكر جديد في الإدارة لديه رغبة في العمل. لأن مكاسبه لن تتحقق إلا بتحقيق صافي ربح جيد.
وزير قطاع الأعمال العام أكد قبل أسابيع أن تراجع أداء أعمال شركات قطاع الأعمال العام سببه نظام الإدارة ونقص العمالة الفنية. ذلك مقابل زيادة الإداريين الذين يتراوح عددهم بين 40% و60% من إجمالي طاقة العمل في غالبية الشركات. مؤكدًا الاستمرار في خط الدمج التي قلصت تلك الشركات من 118 شركة إلى 72 فقط.
الرئيس ينتقد إدارة القطاع العام
انتقد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال افتتاح مصنع كيما بأسوان أخيرًا، إدارة القطاع العام والحكومي للشركات. مؤكدًا أنها تفتقر للكفاءة ولا تحقق النجاح المطلوب. بينما أضاف أن مسؤولي شركات قطاع الاعمال يتحدثون عن حسن إدارتهم. واستطرد: “أرد عليك وأقولك بأمارة إيه؟ بأمارة مجالس الإدارة اللي فلوسها بالكوم”.
قال السيسي إن الدولة تسعى للحفاظ على العمالة وحقوقها خلال عملية الإصلاح في قطاع الأعمال، وكل إجراء للتصويب والإصلاح لا يمكن يكون على حساب العمال.
وحققت شركات قطاع الأعمال العام مجتمعة أرباح خلال عام 2019/2020 نحو 94.6 مليار جنيه بمعدل تراجع نحو 4 مليارات جنيه عن عام 2018/ 2019 و5 مليارات عن العام 2018/2017 وبزيادة قدرها 10 مليارات جنيه عن العام 2016/2017 و40 مليار جنيه عن عام 2015/2016.
شركات قطاع الأعمال العام مملوكة للدولة بنسبة لا تقل عن 51%. وتنقسم إلى شركات قابضة وتابعات لها ويوجد 8 شركات قابضة في مصر هي: الشركة القابضة للصناعات المعدنية، والشركة القابضة للصناعات الكيماوية، والشركة القابضة للأدوية والمستلزمات الطبية، الشركة القابضة للسياحة والفنادق، الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج، الشركة القابضة للنقل البحري والبري، الشركة القابضة للتشييد والتعمير، الشركة القابضة للتأمين، وكل شركة قابضة يتبعها عدد من الشركات التابعة.
تجربة خصخصة إدارة القطاع العام
لدى الدولة تجربة في خصخصة الإدارة تتمثل في حقي التأجير وحق الامتياز في 2017 بفروع شركة الأزياء العصرية “بنزايون” التابعة للقابضة للسياحة والفنادق إحدى شركات قطاع الأعمال العام مع مجموعة الشوا للتجارة والاستيراد لاستغلال وتطوير فروع مملوكة لها لمدة 9 سنوات، بتكلفة 10 ملايين جنيه مع الاحتفاظ بكامل العمالة التابعة لشركة بنزايون، وتحسين مرتباتهم ورفع كفاءتهم المهنية.
مع تولى رأس المال الخاص الجانب الإداري تم تطوير المنتج المعروض لكي يناسب العصر، ففروع بنزيون العريقة ظلت تقد طرازات من الأزياء تتناسب مع الأعمار الكبيرة التي تتجاوز الخمسين رغم حملها لقب الأزياء العصرية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة المالية سارة عيد، في تصريحات قبل شهور، إن الحكومة تعتزم تمكين القطاع الخاص من إدارة عدد من الشركات المملوكة للدولة بالنيابة عن القطاع العام في مجالات النقل والسياحة والإسكان، لكن لم يتحقق ذلك الأمر على أرض الواقع إلى الآن.
عيوب مزمنة
أكدت دراسة للمعهد المصري للدراسات أن تطوير القطاع العام يحتاج إلى إدارة قوية ومسؤولين لديهم قدرة على إدارة هذه المنشآت، وتحويلها إلى منشآت رابحة. فتطوير المعدات يتطلب أيضًا تطوير العقليات التي تديرها. إلى جانب تعزيز انتماء العمال حتى يشعرون بأن للمصانع ملكهم، وأن إدارتها بالطريقة السليمة ستعود عليهم جميعًا بالنفع.
صحيح، أن الدراسة أكدت أن مشكلة تسعير الطاقة من أهم التحديات التي تواجه شركات قطاع الأعمال العام. حيث إنها تعمل على زيادة تكلفة عوامل الإنتاج، وانخفاض القدرة التنافسية لمنتجات الشركة في السوق المحلي والسوق العالمي. لكنها أكدت أيضًا أن تلك الشركات عانت إهمالاً متعمدًا في صيانة وتجديد آلات ومعدات المصانع. ما تسبب في انخفاض القدرة التشغيلية انخفاض العمر الإنتاجي لها.
وأكدت الدراسة نصًا أن شركات قطاع الأعمال العام تعاني فسادًا ماليًا وإداريًا من سوء استخدام للموارد فيها. إلى جانب ضعف الرقابة على الإدارات، وعدم وجود تواصل بين الإدارة التسويقية وعمليات الإنتاج، التي سببت تراكمًا في المخزون الإنتاجي دون القدرة على تصريفه.
هناك إمكانية دخول القطاع الخاص في إدارة المصانع الحكومية كنوع من الشراكة، لإنقاذ الشركات التي يمكن إنقاذها. مع تقديم حوافز للمستثمرين الذين سيدخلون بهذه الشراكة لتحفيزهم على إنقاذ هذه الشركات. إذ أن سر نجاح القطاع الخاص هو الإدارة الغائبة في القطاع العام.
ترجع دراسة لمركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، أسباب خسارة الشركات الحكومية في ترك مجالس إدارات فاشلة وبعضها لديه مخالفات كبيرة في إدارة الشركات سنوات طويل، وعدم وجود حوكمة وشفافية في الشركات, مما أدي لتعاظم خسائرها دون محاسبة في ظل إهمال المتابعة، ومنح رؤساء مجالس الإدارات مكافآت ضخمة رغم تحقيق خسائر.
تشير أيضًا إلى عدم سداد فوائد القروض، مما ضاعفها عشرات المرات، وإهمال التدريب المستمر مما حول العمال الي طاقة عاطلة، وافتقاد الشركات للمحاسبة وغياب سياسة الثواب والعقاب وتحولها الي عزب خاصة لمجالس الإدارات مما ساهم في تراجعها.
القواعد الأساسية اللازمة في الإدارة
لا تعني الاستعانة بالشركات الخاصة في الإدارة وضع قواعد محددة تضمن عدم تضارب المصالح، وتمنع ألا تتعمد تلك الشركات تعميق خسائر الشركات الحكومية من أجل زيادة مكاسب شركاتها الخاصة حال عملها في القطاع ذاته. ويفترض أن تتم الاستعانة بشركات في الإدارة لها صفة الاستقلالية. ذلك مع تعيين مراجعين حسابات حكوميين لمتابعة الأداء أولاً بأول.
ينظر بعض الخبراء الاقتصاديين لطرح حصص من شركات القطاع العام بالبورصة على أنه وسيلة لتحسين إدارة تلك الشركات. إذ يسمح بتمثيل المشترين في مجالس الإدارات وإجبارها على إصدار تقارير بنتائج الأعمال بصورة ربع سنوية. ما بدفع بتجديد الإدارات باستمرار.
يؤكد الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي وعضو مجلس إدارة إحدى الشركات القابضة سابقًا، أن قطاع الأعمال يحتاج إلى اختيار الكفاءات في الإدارة بعيدًا عن المجاملة والمحاباة. وهي مشكلة مزمنة في القطاع العام منذ عقود. والنظر إليه ككيانات قابلة للإصلاح والمنافسة بشرط تدريب العمالة ودعم الطاقة وتحديث المعدات.
يقول عبده إن القيادات التي تدير ذلك القطاع تفتقر الخبرات الكافية والرغبة في الإنجاز. وحتى حينما يتم اختيار أحد الشخصيات الكفؤة يتم استقطابها سريعًا من قبل الشركات الخاص. مشيرًا إلى واقعة عايشها بنفسه. وذلك بعد اختيار رئيس مجلس إدارة جيد لإدارة إحدى الشركات التابعة لها. إذ بعد تعيينه استقال سريعًا لتلقيه عرضًا من القطاع الخاص براتب أكبر بعشرة أضعاف.
شركات قطاع الأعمال في طور الكهولة
للدكتور مدحت نافع، رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية السابق، تجربة في القطاع استمرت عامين. وقد انتهت بضرورة توسعة هيكل الملكية. إلى جانب زيادة آليات توفير التمويل المطلوب بشكل مستمر للتطوير ورفع القدرات الإنتاجية. وكذا تحقيق الاستدامة للمنتج، والوصول للفكر الاحترافي للاستثمار.
يقول نافع إنه تعرض لصدمة حينما بدأ مزاولة مهامه بهيكل تنظيمى شديد الهرمية لا يعكس رؤية الشركة ولا نشاطها الأبرز في إدارة محفظة مالية. وكانت المرة الأولى التي يرى فيها مسمى “رئيس قطاعات” لا يدير في أحسن الأحوال فردًا أو فردين. بينما يحتاج إلى جيش من رؤساء القطاعات التابعة ومديري عموم ومديرين ورؤساء أقسام وسائر الدرجات الوظيفية إذا حاول أن يحقق شيئًا من خلال التقيد بهذا الهيكل.
ويضيف أن الشركة كلها كانت شائخة وتضم ما لا يزيد على تسعين موظفًا أغلبهم كعادة مؤسساتنا المملوكة للدولة) من الوظائف الإدارية والخدمات المعاونة، والترقي في الهيكل لم يكن يخضع أبدا إلى نظام تقييم دوري. فهو محض مكافأة أو جمعية يقبضها الأقدم طالما أنه لا يثير كثيرًا من المشاكل. بل إن بعض القيادات الكبرى في المؤسسة لم تكن مؤهلة وظيفيا ولا تعليميا لتولى المهام المكلفة بها. مشيرا إلى غياب الإدارة بالأهداف وطردها للكفاءات عبر تمكين محدودي الكفاءة والمهارات وتحول المسميات الوظيفية إلى منح لأهل الولاء.
يعتبر بعض الاقتصاديين إن خصخصة الإدارة أسلوب رحيم في التعامل مع شركات القطاع العام. فهي تجنب الخاسر، ومنها مصير التصفية أو الخصخصة بمعناها الكامل. ذلك بانتقال الملكية للقطاع الخاص. بينما تحفظ حقوق الدولة، خاصة أن تلك الشركات لديها أصول قابلة لدفع تكاليف التطوير. وشركات الغزل والنسيج مثالاً على قابلية الوضع للإصلاح بشرطة ضخ استثمارات ووجود إرادة لتحقيقه.