تشير التقارير المتلاحقة من المؤسسات الدولية المالية على وجه التحديد إلى أن الأسوأ فيما يخص الاقتصاد العالمي لم يأت بعد. فالتضخم الذي يضرب العالم يواصل الصعود بوتيرة هي الأعنف منذ عقود رغم رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة. كما يتفاقم الأمن الغذائي ليهدد أمعاء 345 مليون نسمة حول العالم. بينما يوجد بالفعل أكثر من 828 مليون إنسان ينامون جوعى كل ليلة.
على غير المعتاد، تسير توقعات المؤسسات العالمية في مسار واحد يغلب عليه القتامة والتشاؤم. فالخبراء في صندوق النقد الدولي يرجحون ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء والأسمدة للبلدان المعرضة بدرجة كبيرة لانعدام الأمن الغذائي. أو على الأقل ستتكبد تلك البلدان 9 مليارات دولار بالإضافة إلى الضغوط الواقعة على ميزانياتها العمومية خاصة بين عامي 2022 و2023.
اقرأ أيضا.. المنتدى الاقتصادي: العالم في خطر كبير.. وآفاق “مظلمة” معيشيا
تسببت الارتفاعات في الأسعار بالدول المعتمدة على استيراد الغذاء في تآكل احتياطيات العملات الأجنبية فيها. كما أدى الأمر لإضعاف قدرتها على دفع مقابل وارداتها، مع استمرار اشتعال أزمة تكاليف المعيشة التي تزيد معها حدة الفقر وتضر بالنمو ما قد يفضي في النهاية إلى عدم الاستقرار السياسي. وبالتالي ستحتاج البلدان شديدة التعرض للمخاطر خلال العام الحالي وحده لما يصل لـ7 مليارات دولار لمساعدة أفقر الأسر على الصمود.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قالت في دراسة جديدة بعنوان “يدفعون ثمن الحرب”، إن الاقتصاد العالمي سيتعرض لصدمة أكبر مما كان مرجحا لها العام المقبل. كما أن توقعات النمو أصبحت قاتمة. خاصة بعد الانعطاف نحو الأسوأ لعدد من المؤشرات أولها النمو العالمي الذي تباطأ بقوة في الربع الثاني من العام الجاري.
المنظمة أكدت أن البيانات في العديد من الاقتصادات تشير إلى فترة طويلة من النمو الاقتصادي الضعيف. كما خفضت توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي في عام 2023 إلى 2.2% مقابل 2.8% في تقديرها السابق في يونيو/حزيران الماضي. وكان التخفيض الأكبر من نصيب منطقة اليورو التي يتوقع أن تسجل نموا ضئيلا بنسبة 0.3%، مقارنة بتوقعات سابقة عند 1.6%.
ملايين معرضون لزيادة الفقر والجوع
50 من كبار الاقتصاديين في جميع أنحاء العالم شاركوا بآرائهم في تقرير توقعات الاقتصاديين الرئيسيين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يصدر كل 3 أشهر، كانت آرائهم غير مبشرة. إذ تركزت تلك الآراء في الأساس حول الركود والنمو والتضخم والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
كما تحدث الخبراء الخمسون عن تأثر الملايين من الناس بشكل سلبي، مع زيادة معدلات الفقر خاصة في القطاعات الأكثر هشاشة التي تعاني أيضا من عدم المساواة. بينما يتوقع 90% من الخبراء أن تنخفض الأجور الحقيقية في الاقتصادات منخفضة الدخل. كذلك تنخفض في ثمانية من كل عشر دول نامية.
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية رجحت أن ينخفض الإنتاج العالمي عام 2023 بمقدار 2.8 تريليون دولار بالمقارنة مع تقديراتها السابقة التي أصدرتها قبل أزمة أوكرانيا في ديسمبر/كانون أول 2021. كما توقعت حدوث أزمة تكلفة معيشية حادة بنسبة 80% من دول العالم على الأقل. بالإضافة إلى فشل الأجور في مواكبة ارتفاع الأسعار حتى عام 2023.
أجمع كبار الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع على أن الأجور لن تكون قادرة على مواكبة ارتفاع الأسعار عامي 2022 و2023. كما توقعوا انخفاض الأجور الحقيقية في الاقتصادات منخفضة وعالية الدخل خلال تلك الفترة.
انخفاض الأجور الحقيقية
انخفضت الأجور الحقيقية في جميع أنحاء منطقة اليورو بنسبة 1.7% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2022. بسبب حرب أوكرانيا والصدمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا عام 2020، في أسوأ تضرر للأجور المعدلة حسب التضخم منذ ما قبل الأزمة العالمية.
التهديد الذي تتعرض له مستويات المعيشة الأساسية من المرجح أن يزيد من مخاطر الاضطراب المجتمعي. فنحو 80% من الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع يتوقعون أن تنطلق الاضطرابات الاجتماعية في البلدان منخفضة الدخل أولا بسبب ارتفاع التكاليف.
المنتدى الاقتصاد العالمي أشار إلى أن عدم الاستقرار السياسي العالمي يبلغ حاليا أعلى مستوياته منذ الأزمة المالية عام 2008، وفقًا لمؤشر السلام العالمي لعام 2022.
كما أنه من المرجح بحسب المنتدى استمرار مشكلات سلسلة التوريد التي كانت سببا أساسيا من أسباب التضخم في السنوات القليلة الماضية. إذ ستحتاج الشركات إلى بناء مرونة في سلسلة التوريد مع إدراكها للتيارات الاقتصادية والجيوسياسية والسياسية.
كما أدى الارتفاع في تكلفة الديون إلى تعليق المديرين التنفيذيين للشركات لبعض خطط الاستثمار، خاصة بعدما خلقت التقلبات الكبيرة في تقييمات الأسهم فجوة بين تصورات المشترين والبائعين للقيمة الحقيقية للأًصول. بينما أدى الارتفاع الكبير في قيمة الدولار مقابل معظم عملات العالم إلى خلق مجموعة من الاعتبارات الجديدة للشركات متعددة الجنسيات التي يتعين عليها التحوط.
الدول النامية تدفع الثمن
رئيس بنك الاحتياطي الهندي شاكتيكانتا داس، قال إن العالم في عين عاصفة جديدة. فإجراءات الاقتصادات المتقدمة مدفوعة باعتباراتها المحلية ستجعل الأسواق الناشئة تعاني من العواقب بسبب التداعيات العالمية. كما أن جميع الأسواق المالية بما في ذلك الأسهم والسندات والعملات تعاني اضطرابا غير مسبوق. إذ أنه عندما تكون العملات في حالة انخفاض حر، فإن التضخم المستورد يصبح أمرا لا مفر منه.
وبحسب داس فإن ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية على السندات الحكومية، أدى لارتفاع أكبر في تكاليف الاقتراض بالنسبة للمستهلكين ومؤسسات الأعمال. الأمر ساهم في حدوث انخفاضات حادة لأسعار الأسهم على مستوى العالم.
المؤسسات الدولية تطالب حاليا بتقديم الدعم العاجل والكافي للمواطنين حول العالم، خاصة هؤلاء المعرضين لانعدام الأمن الغذائي، عن طريق المساعدات الإنسانية من برنامج الأغذية العالمي وغيره من المنظمات. بالإضافة إلى ضرورة الاعتماد على التدابير المالية المحلية الفعّالة، وإعطاء أولوية لمكافحة التضخم وحماية الفئات الأشد هشاشة.
كما تطالب المؤسسات أيضا بالحفاظ على الانفتاح التجاري والسماح بتدفق الغذاء من المناطق ذات الفوائض إلى المناطق ذات الاحتياج. خاصة أن التدابير الحمائية لا تؤدي إلا إلى تفاقم أزمة الغذاء وكانت وراء زيادة أسعار القمح العالمية. علاوة على ضرورة زيادة إنتاج الغذاء وتحسين توزيعه، بما في ذلك ضمان الوصول الكافي للأسمدة وتنويع المحاصيل، والاستثمار في الزراعة القادرة على تحمل تغير المناخ لزيادة المحاصيل مستقبلا.