في منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي استكمل بنك أبوظبي الإماراتي تغيير العلامة التجارية لـ”بنك عودة” إلى “بنك أبوظبي الأول-مصر”. وذلك بعد إتمام الدمج القانوني لأصول بنك “عودة” في “أبوظبي الأول”. وبهذا بات بنك “أبوظبي الأول” أحد أكبر البنوك الأجنبية العاملة في مصر بأصول تقترب من 10 مليارات دولار.
سبق هذا الاستحواذ الإماراتي استحواذ صندوق الثروة السيادي في أبوظبي على نسبة 18% من أسهم البنك التجاري الدولي -أكبر بنك خاص في مصر- خلال مارس/آذار الماضي في صفقة قُدرت حينها بنحو مليار دولار.
في حين بدأ مسلسل الاستحواذ الإماراتي على حصص من سوق المصارف المصري منذ عام 2013. حين نفذ بنك “الإمارات دبي” استحواذه الأول على بنك “بي إن بي باريبا” الفرنسي في صفقة قُدرت وقتها بـ500 مليون يورو.
فيما غيّر بنك الاتحاد الوطني الإماراتي العامل في مصر علامته التجارية إلى بنك أبوظبي التجاري في شهر أغسطس/آب الماضي. وذلك بعد إتمام عملية اندماج بين بنك الاتحاد الوطني ومصرف الهلال وبنك أبوظبي التجاري.
يأتي هذا في الوقت الذي يستعد فيه البنك المركزي لإعادة طرح بنك “المصرف المتحد”. بعدما رفض سابقا عرضين تقدم بهما صندوق أبوظبي السيادي وصندوق الاستثمارات السعودية للاستحواذ على المصرف خلال يونيو/حزيران الماضي.
ونقلاً عن محمد الإتربي -رئيس اتحاد البنوك المصرية- فإن الإمارات تمتلك 5 بنوك في مصر بأصول تبلغ قرابة 400 مليار جنيه. تُمثل نحو 4% من حجم القطاع المصرفي. في حين يبلغ عدد الشركات الإماراتية في مصر نحو 1300 شركة.
البنوك الإماراتية في مصر . بنك الإمارات دبي الوطني: تأسس عام 2007 بعد اندماج بنك الإمارات الدولي وبنك دبي الوطني ودخل السوق المصرية عام 2013 . بنك أبوظبي الإسلامي: تأسس عام 1997 كشركة مساهمة مالية ودخل إلى مصر عام 2007، واستحوذ على البنك الوطني للتنمية المصري. . بنك أبوظبي التجاري: دخل إلى مصر بعد اندماجه مع بنك الاتحاد الوطني ومصرف الهلال وبلغ عدد فروعه 55 فرعًا في مصر. . بنك المشرق: تأسس عام 1967 في الإمارات وله نحو 10 فروع في مصر. المصدر: البنك المركزي المصري |
اقرأ أيضا: كيف استغلت الإمارات أزمة مصر المالية للاستحواذ على أصول ضخمة؟
قوة الاقتصاد
استكمل بنك أبوظبي تغيير العلامة التجارية لـ”بنك عودة” إلى “بنك أبوظبي الأول-مصر” منتصف يونيو/حزيران الماضي.
ويعتقد محلل أسواق المال -محمد مهدي- أن اهتمام الإمارات بالدخول في صفقات استحواذ على المصارف والبنوك في مصر يعود إلى سبب رئيسي. وهو اعتبار البنوك الأداة الرئيسية لقياس قوة الاقتصاد.
ويُضيف في اتصال هاتفي لـ”مصر 360″ أنه منذ عام 2008 وحين تعرضت بعض البنوك للإفلاس نتيجة الأزمة المالية العالمية. ألزم بنك التسويات الدولية البنوك بوجود احتياطات مالية معينة حفاظًا على أموال المودعين وخوفًا من تكرار الأزمة المالية.
وبالتالي باتت البنوك أداة رئيسية لقياس قوة الاقتصاد أو عدم جاهزيته -وفقًا لمحلل أسواق المال. مضيفًا أن قطاع المصارف والبنوك في مصر من الأقوى في الشرق الأوسط. إذ لم يتعرض لأزمات سيولة طويلة.
لكن هذا الحديث يتنافى مع تعرض القطاع المصرفي المصري لأزمة سيولة دولارية كبيرة بلغت أكثر من 15 مليار دولار. حيث تراجع صافي الأصول الأجنبية بالقطاع المصرفي المصري نهاية أغسطس/آب الماضي.
ويقول “مهدي” إن القطاع المصرفي أيضًا يستحوذ على عدد كبير من العملاء. وبالتالي فإن له تأثيرا ملحوظا على الاقتصاد. مشيرًا إلى أن الإمارات أيضًا تضع عينها على القطاعين الصحي والعقاري. وخلال الفترة القادمة ستكون هناك صفقات في هذين القطاعين.
ويمتلك نحو 36.8 مليون مواطن حسابات في البنوك والبريد. منهم 16 مليون امرأة -وفقًا لتقرير الشمول المالي الصادر عن البنك المركزي. فيما بلغ عدد البطاقات مسبقة الدفع 39.883 ألف بطاقة لكل 100 ألف مواطن. فيما بلغ عدد محافظ الهاتف 38.505 آلاف محفظة لكل 100 ألف مواطن.
الاستثمار في أدوات الدين
ويُوضح محلل أسواق المال محمد مهدي أن الاستثمار في أدوات الدين الحكومي المصري يعدّ عنصر جذب لكل البنوك الخاصة والحكومية. وليست حكرًا على البنوك الإماراتية وحدها. خاصة أن السندات والأذون التي تُصدرها الحكومة المصرية تكون مرتبطة بعائد مرتفع يضمن للبنك تحقيق أرباح.
وبحسب آخر بيانات صادرة عن البنك المركزي، فقد بلغت استثمارات البنوك في الأوراق المالية والسندات وأذون الخزانة نحو 3.73 تريليون جنيه. بحسب آخر إفصاح صادر عن البنك المركزي في يونيو/حزيران الماضي.
وبلغ صافي عائد البنوك نحو 141 مليار جنيه. وصافي إيرادات النشاط نحو 171.5 مليار جنيه. وإجمالي مصروفات نحو 114.6 مليار جنيه. فيما حققت صافي أرباح قُدر بنحو 56.8 مليار جنيه وذلك حتى آخر يونيو/حزيران الماضي.
اقرأ أيضا: لماذا تستهدف الإمارات شركات المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية؟
مكاسب القطاع
كما أظهر مسح أجراه موقع “بنوك وتمويل” تحقيق بنك “أبوظبي التجاري” أرباحا بنحو 286 مليون جنيه. بسبب نمو صافي الدخل من النشاط. سواء الدخل من العائد الذي ارتفع إلى 513.7 مليون جنيه والدخل من الأتعاب والعمولات والذي زاد إلى 127 مليون جنيه.
ووفقًا لتقرير الاستقرار المالي الصادر عن البنك المركزي للعام المالي 2020/2021 ارتفع استثمار البنوك في أدوات الدين “السندات وأذون الخزانة” ليمثل نحو 41.1% من إجمالي أصول البنوك. فيما مثّلت أصول القطاع المصرفي نسبة 106.2% من إجمالي أصول النظام المالي.
ووصل إجمالي أصول القطاع المصرفي نحو 6.2 تريليون جنيه في العام 2019/2020. ثم ارتفع إلى 7.9 تريليون جنيه في يونيو/حزيران 2021. حيث بلغ نصيب الاستثمارات المالية وأذون الخزانة والنقدية لدى البنوك 62.5%. فيما استحوذت محفظة القروض على نسبة 34.2% من إجمالي أصول القطاع المصرفي.
السيطرة على قرارات مالية
وأوضح محلل أسواق المال محمد مهدي أن هناك سببا آخر لاستحواذ الإمارات على البنوك. وهو تيسير عمليات الإقراض والإيداع والتحويل المالي للشركات الإماراتية العاملة في مصر دون الانتظار في صف العملاء لدى البنوك المصرية.
ويُدلل على حديثه بأن الشركة المنفذة للصفقات الإماراتية الأخيرة هي “الأهلي فاروس”. والتي امتلكت الإمارات جزءا منها لتيسير أعمال الاستحواذ والاندماج أيضًا. لذا فإن المؤسسات المالية وليست المصارف فقط هي هدف رئيسي لأي مستثمر. لأنها تُعطيها القدرة على السيطرة والتوجيه لقراراته المالية.
تعظيم ربحية الإمارات
ويرى نائب الرئيس التنفيذي بمركز مصر للدراسات الاقتصادية الدكتور علي الإدريسي أن القطاع المصرفي هو الأكثر ربحًا في مصر. وبالتالي سيكون هو الهدف الرئيسي لأي مستثمر أجنبي سواء كان إماراتيا أو غيره.
ويقول في اتصال هاتفي لـ”مصر 360″ إن وجود الاستثمار الإماراتي في قطاع البنوك في مصر جيد حال استخدامه وفقًا للقواعد المنظمة التي وضعها البنك المركزي. والذي يُتيح للبنوك الخاصة العمل في مصر.
ويُضيف أن توسع قاعدة الاستثمار الإماراتي كان يجب أن تواكبها زيادة بأعداد البنوك الإماراتية في مصر لتسهيل العمليات المالية للاستحواذ والصفقات للشركات الإماراتية. متابعًا أنه أيضًا يمكن اعتبارها محاولة لتعظيم مكاسب الإمارات عبر قصر عمليات الإيداع والاقتراض للشركات والمؤسسات الإماراتية في مصر على البنوك الإماراتية. وهكذا يضمن تحقيق أعلى عائد وربحية لبلاده.
ويعتقد “الإدريسي” أن الاستثمار في أدوات الدين الحكومي “سندات وأذون خزانة بالجنيه” -والتي تُصدرها الحكومة لتمويل عجزها- تُشكل السبب الرئيسي في تحقيق أغلب البنوك مكاسب وأرباحا. وفي الوقت نفسه تزيد العبء على الموازنة العامة للدولة. بالإضافة إلى خطورة استثمار البنوك في أدوات الدين الحكومي. باعتباره من بين ما يُطلق عليه “أموال ساخنة”. إذ تسمح السندات وأذون الخزانة للبنوك بتحقيق عائد مالي ضخم. وفي الوقت نفسه تكبد الدولة أعباء مالية بزيادة الفوائد وأقساط الدين المحلي -وفق “الإدريسي”.
الخلاصة أن هذه الاستحواذات الإماراتية تبدو كأنها دائرة تُحاول أن يكون كل ما فيها إماراتي. فيما ترغب في تعظيم أرباحها عبر الإيداع والاقتراض للشركات الإماراتية في مصر. فضلا عن الاستفادة من عائد الاستثمار في أدوات الدين الحكومي المصري ذات العائد المرتفع.