يعطي المؤتمر الاقتصادي الذي انطلق اليوم الأحد ويستمر ثلاثة أيام تمكين القطاع الخاص بنصيب الأسد من الجلسات النقاشية التي تناقش الحياد التنافسي. فضلا عن تخارج الدولة من النشاط الاقتصادي وتمكين وتحفيز رؤوس الأموال الخاصة في جميع جهود التنمية وتشجيع مشاركته بمشروعات الطاقة المتجددة.
يأتي ذلك بينما يواصل القطاع الخاص في مصر انكماشه وتوجيه دفته نحو الاستثمار للخارج. إذ كشف مؤشر ستاندرد آند بورز جلوبال لمديري المشتريات بمصر أن القطاع الخاص غير النفطي انكمش للشهر الثاني والعشرين على التوالي عند 47.6. وهو ما يقل عن مستوى الخمسين نقطة الفاصل بين النمو والانكماش.
ورغم إحجام رجال الأعمال المصريين عن التوسع محليا يخططون للانطلاق خارجيًا. ففي المنتدى الاقتصادي الإفريقي “Choiseul” المنعقد بالدار البيضاء يوجد نشاط لبعض رجال الأعمال المصريين الذين أعلنوا عزمهم تدشين مشروعات في المغرب. وفي مقدمتهم نجيب ساويرس الذي أعلن عن مشروع باستثمارات تفوق 100 مليون دولار كمرحلة أولى.
ولا توجد تقديرات رسمية لاستثمارات المصريين في الخارج. في حين يقدرها بعض أعضاء اتحاد المستثمرين بأكثر من 30 مليار دولار. تنشط في غالبية دول العالم خاصة المنطقة العربية.
ويقول اتحاد المصريين بالاتحاد الأوروبي إن الرقم يصل إلى 100 مليار دولار في أوروبا وحدها. بينما تقدرها جمعية رجال الأعمال المصريين بنحو 100 مليار لكن على المستوى العالمي.
أصعب التحديات أمام الحكومة
يقول الدكتور مصطفى مدبولي -رئيس مجلس الوزراء- إن تحسين بيئة الاستثمار هو أصعب التحديات التي تواجه الحكومة في ظل البيروقراطية والتعقيدات القديمة. لكن حكومته أعدت عشرة مشروعات قوانين تم إقرار 6 منها. وما تزال أربعة أخرى تناقش في مجلس النواب.
وأشار “مدبولي” في كلمته خلال المؤتمر الاقتصادي اليوم إلى ميكنة الحكومة الإجراءات واستحداث وحدة بمجلس الوزراء لفض المنازعات وتبسيط الإجراءات وتقليل المدى الزمني لمنح الرخص. بحيث لا تتجاوز عمل عشرين يوما. بجانب منح الرخص الذهبية فضلا عن منظومة التقاضي عن بعد.
ويكشف استطلاع للرأي شاركت فيه 500 منشأة وأجراه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تعقيدات تواجه العديد من المنشآت الاقتصادية في مصر بمختلف القطاعات. إذ طالب (34.4%) بدعم عمليتي الاستيراد والتصدير وتذليل معوقات التصدير وتيسير إجراءاته. فيما طالب (15.6%) بزيادة الفرص التصديرية وفتح أسواق جديدة والمشاركة في المعارض الدولية. و(11.6%) بتذليل معوقات الاستيراد وحل مشكلات الاعتمادات المستندية.
وبحسب الحكومة فإن الدولة خصصت 30 مليون متر مربع أراض صناعية بعضها دون مقابل في الصعيد. لكن ما تم تنميته منها على أرض الواقع ودخوله حيز التشغيل لا يتعدى 3 ملايين متر فقط.
وتبين أن رجال الأعمال اشتكوا من عدم وجود مرافق في هذه الأراضي. فضلا عن دخول سامسرة في طروحات الأراضي. فاتخذت الحكومة قرارا بمنح حق الانتفاع أو التملك على أن تتولى التنمية الصناعية إصدار جميع إجراءات التشغيل. مع منشور بتسعير جميع الأراضي الصناعية في الجمهورية كلها.
المؤتمر الاقتصادي ونقاش الحيادية والتنافسية
واعترفت الحكومة خلال المؤتمر الاقتصادي بوصول شكاوى تتعلق بعدم المنافسة الحيادية وغياب الرؤية الواضحة من الدولة تجاه دورها في الاقتصاد. لكن توجد مشكلة في التواصل مع رجال الأعمال الذين لا يعرفون كل الإجراءات التي تتم.
وكان إتاحة المجال للقطاع الخاص أحد المطالب الأساسية للمؤسسات الدولية. حتى إن البرنامح الجديد مع صندوق النقد يتضمن آليات محددة لمساهممة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي.
وزير المالية الدكتور محمد معيط قال في بيان صحفي مؤخرا إن وزارته تستهدف العمل على اتخاذ مجموعة متسقة ومتكاملة من التدابير التي تسهم في زيادة تنافسية الاقتصاد المصري. وتحسين بيئة الأعمال ودفع معدلات الإنتاجية ومعدلات التصدير السلعية والخدمية. والدفع بالأنشطة الخضراء وزيادة دور ومساهمة القطاع الخاص عن طريق سرعة إصدار وثيقة سياسة ملكية الدولة في شكلها النهائي. بما يسهم في تأكيد رغبة الدولة المصرية ومؤسساتها تشجيع وجذب القطاع الخاص لزيادة استثماراته ووجوده القوى بالسوق المصرية.
وثيقة ملكية الدولة.. هل ينتهز القطاع الخاص الفرصة؟
وبحسب نادر سعد -متحدث رئاسة مجلس الوزراء- فإن الحكومة المصرية خصصت جلسة مطولة لوثيقة ملكية الدولة في المؤتمر الاقتصادي. وذلك لتحديد المبادئ الحاكمة لوجودها في النشاط الاقتصادي.
وتناقش الدولة أيضًا استراتيجية جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية والحياد التنافسي. ودوره في تعزيز الاقتصاد ومشاركة القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة والبيئة التشريعية المواتية للنشاط الاقتصادي.
ودعا صندوق النقد الدولي الحكومة إلى اتخاذ مزيد من الخطوات لتعزيز تطوير القطاع الخاص وتحسين الحوكمة وتقليص دور الدولة حال أرادت البلاد الحصول على قرض جديد.
وتستهدف وثيقة ملكية الدولة التخلص من جميع استثمارات الدولة وملكياتها في نحو 79 نشاطًا في القطاعات المختلفة. على رأسها أنشطة الاستزراع السمكي والثروة الحيوانية وقطاع المجازر وقطاع التشييد -عدا مشروعات الإسكان الاجتماعي- وأنشطة إنتاج برامج التليفزيون والأفلام السينمائية، وتجارة التجزئة وصناعات السيارات والأجهزة الكهربائية والأثاث والجلود والأسمدة والزجاج.
دعم القطاع الخاص.. وسيلة وليس غاية
يقول الدكتور وليد جاب الله -الخبير الاقتصادي- إن الدولة المصرية تعوّل على زيادة مشاركة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي إلى 65%. بعدما هيأت البنية التحتية ووفرت الطاقة والغاز وطورت البيئة التشريعية بإصدار قانون ضمانات وحوافز الاستثمار. بجانب مبادرات تمويلية منخفضة التكلفة.
يقول “جاب الله” إنه مع تداعيات الحرب الأوكرانية وفاتورة التضخم العالمي أصبح الإنتاج المصري أكثر تنافسية. والدولة تسعى حاليا للوصول إلى أفضل الطرق لتحفيز القطاع الخاص والاستماع لمطالبه في الحوار الوطني أو المؤتمر الاقتصادي.
ولا يعني دعم القطاع الخاص في العموم انطلاقة اقتصادية -بحسب “جاب الله”- فأنماط الاسـتثمار الخـاص خاصة الاســتثمارات الأجنبية تعمل بمجـالات لا تســاعد بالضـرورة فــي الإصلاح الهيكلــي اللازم لإحـداث تأثيـر تنمــوي ملمــوس. في ظل ممارســات توظيـف قاسية ينتهجهــا القطــاع الخــاص في مصــر تزيــد مــن بــؤس غالبيــة الســكان العامليــن.
وتطالب دراسات بدور أكبر للقطاع الخاص في المسئولية الاجتماعية وألا يُترك بلا رقابة. فضلا عن السماح له بمراكمة الأرباح مهما كان الثمن. فبـدلاً من ذلك ينبغـي علــى مؤسسات القطاع الخاص العاملة في المجتمع المصري أن تفي بالتزامهـا تحقيـق تنمية حقيقية عبر أنشطتها برفع مستوى معيشـة موظفيهـا وإتاحة المجال لهم للعمل دون تمييـز.
ولبلوغ هذا الهدف على الدولة أن تضمن تحمل القطاع الخاص بالفعل مسـئوليته في تحقيق أهداف تؤدي إلى تنمية ملموسة. وحرمانــه مـن امتيازاته الحاليـة حال فشـله في القيام بذلك. أو بمعنى آخر محاسـبة القطــاع الخـاص إذا فشـل فــي إحداث الأثر التنموي المطلوب.