شهد المؤتمر الاقتصادي جدلا كبيرا حول وثيقة ملكية الدولة ودور الحكومة في الاقتصاد والاستثمار. وهو المطلب الملح للمؤسسات الدولية حاليا. خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين طالبا مرارا بدور أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد.
ولم تضع وزارة المالية تصورات واضحة حول بعض النقاط الشائكة في الوثيقة التي تتضمن كيفية تقييم الأصول التي سيتم طرحها. واكتفت بتأكيد اتباع أفضل الممارسات بهذا الشأن والاستعانة بخبراء وجهات استشارية محلية وأجنبية مرموقة.
أحمد كجوك -نائب وزير المالية- شدد في كلمته خلال المؤتمر على دراسة التجارب الدولية في 30 دولة لتحديد الأنشطة التي ستوجد فيها الدولة بالوثيقة. أو التي ستتخارج منها. وفي مقدمتها معيار دارج يقصر وجود الدولة على حالات الضرورة فيما يتعلق بالمصلحة القومية أو صناعات جديدة فيها مخاطر كبيرة.
وبحسب كجوك فإن مجموعة العمل الخاصة بالوثيقة أجرت 40 ورشة عمل قطاعية ضمت ألف مشارك. 35% منهم من القطاع الخاص. و30% من الخبراء المستقلين. مع ممثلين لرأس المال الحكومي. وأفضت هذه الورش في النهاية إلى تعديل 30% من أنشطة ملكية الدولة في الوثيقة المبدئية لتتوافق مع اقتراحات الخبراء. مع تأكيد أنها ستكون “ممتدة”. أي تقبل التعديل وفق مؤشرات لقياس الأداء.
نقطتان أساسيتان أثارتا جدلا حول وثيقة ملكية الدولة خلال المناقشات. الأولى ترتبط بكيفية تقييم الأصول التي سيتم طرحها. والثانية تتعلق بالفرق بينها وبين الخصخصة.
وكانت إجابات نائب وزير المالية فيهما تتسم بالعمومية. إذ أكد أن وثيقة ملكية الدولة تستهدف تعظيم العائد للمصريين من أصولهم واقتصادهم. ورفع معدلات الاستثمار للمستويات العالمية ودفع التنافسية. وأن من يقوم بالتقييم خبراء ومؤسسات محلية أجنبية مشهود لها بالكفاءة
الطرح بالبورصة أم البيع المباشر
وتضمنت النقاشات جدلا بين منح أولوية لتخارج الدولة عبر الطرح بالبورصة. بهدف توسيع قاعدة الملكية وإتاحة الفرصة لأكبر عدد من المواطنين للتملك وأن يكونوا شركاء في الرقابة والصيانة لضمان حسن الإدارة. وبين جذب شريك استراتيجي أو أجنبي يستطيع تنمية الشركات بزيادة رأس المال وجذب تكنولوجيات جديدة وفتح سوق تصديرية.
بحسب منير فخري عبد النور -وزير الصناعة والتجارة الأسبق- فإن البيع لمستثمر مالي أو استثمار محفظة “شراء أسهم في البورصة” مع عدم التداخل في الإدارة المباشرة أمر غير حميد. فهذا النوع يحمّل ميزان المدفوعات عبئا ثقيلا أكبر بكثير من الدين الخارجي. فنسب توزيع الأرباح في الأغلب الأعم أكبر من نسبة الفائدة على القروض. والالتزام بتحويل الربح للخارج لحملة الأسهم يطول بعمر الشركة على عكس الدين فهو تحويل لأرباح مقيد بأجل القرض ذاته.
الدولة كمنظم وممول
وأكد أن الوثيقة تتضمن أن الدولة ستدخل كمنظم وممول في الصناعات المستقبلية ذات التكنولوجيا المتقدمة التي تنتمي للجيل الرابع من الثورة الصناعية. وهو أمر مرحب به. لكن يجب جذب مشاركة القطاع الخاص ومنحه حق إدارة تلك الشركات على أسس اقتصادية. ففي 1943 و1960 حينما شاركت الدولة القطاع الخاص تحققت نقلة صناعية وإنتاجية.
السياحة تم ذكرها بشكل هامشي في الوثيقة ـبحسب عبد النور خلال جلسات المؤتمر الاقتصادي ــ رغم أن مواردها قادرة على سد الفجوة التمويلية وتقليل العجز في ميزان المعاملات الجارية المصري. بشرط حل أراضي السياحة خاصة الشاطئية وإنهاء احتكار “مصر للطيران” خدمة الطيران المنتظم للمطارات المصرية. بما يؤهل لاقتناص الظروف الصعبة التي تعانيها الدول الأوروبية خاصة الشمالية منها وتطوير سياحة الإقامة في مصر مثلما تشهد دبي.
يضيف “عبد النور” أن الوثيقة لن تحقق أهدافها دون النظر لمناخ الاستثمار. فتحسينه يتطلب اتساق السياسات الاقتصادية مع الأهداف المعلنة. فالأهداف تتحدث عن ارتفاع الإنتاج وزيادة الصادرات وتقليص الواردات. لكن السياسة المالية تحمّل المنتج ضرائب ورسوما و”إتاوات”. والسياسة النقدية تقيم الجنيه المصري بما هو أكثر من قيمته. ما يضع عوائق أمام الصادرات وحتى منافسة المستورد في السوق المحلية.
وثيقة ملكية أم وثيقة تخارج
الدكتور شريف سامي -رئيس البنك التجاري الدولي- طلب عدم تغيير مجلس الوزراء لوائح تنفيذية “التشريعات الأدنى من القانون” دون إبداء الأسباب بما يمنح المختصين أن يناقشوا المنطق من التعديل. حتى لا يتم فتح الباب أمام التكهنات والتوقعات.
“سامي” رفض الاكتفاء بوضع نسب المجالات التي ستبقى فيها الدولة بالوثيقة. إذ يجعلها وثيقة تخارج الدولة وليس ملكيتها. على أن يكون القياس في وجود الدولة ليس بعدد الشركات أو رؤوس الأموال. فالمهم هو الحصة السوقية التي تمثل القياس الذي يجب الارتكان إليه.
ويوضح أن ملكية الدولة في مصر ليست بأسهم الشركات فقط. ولكنها تتضمن الأراضي والعقارات. فالمستثمر لا يستطيع الوصول إلى معلومات كافية حول الأرض والجهة المالكة لها. رغم أنها أحد مصادر الثروة.
ودعا إلى تحديد معنى كلمة “الدولة” المقصودة في الوثيقة. و”هل تتضمن البنوك وشركات التأمين الحكومية والتأمينات الاجتماعية باعتبارها أموال مودعين وحملة وثائق ومعاشات؟”.
القطاع الخاص والصحة.. شراكة يخشاها المريض
وتحت عنوان “خارطة الطريق لزيادة مشاركة القطاع الخاص في قطاع الصحة” طرح متحدثون -أغلبهم من المحسوبين على القطاع الخاص- رؤية تتضمن تسهيل إجراءات التصرف بالمشروعات الصحية سواء بالبيع أو الاستحواذ أو نقل الأسهم لتشجيع التداول. فضلا عن دخول الكيانات الطبية العالمية جذبا للاستثمار الأجنبي وتسهيل إجراءات استخراج تراخيص المؤسسات الصحية.
وتتضمن التوصيات أيضًا تيسير إجراءات الشراكة مع الدولة في المستشفيات القائمة والجديدة. وذلك عبر إدارة القطاع الخاص للمنشآت الصحية بنظام حق الامتياز. وهو أمر لاقى قبولا من الدكتور خالد عبد الغفار -وزير الصحة- الذي قال إن القطاع الصحي بحاجة إلى توفير 4000 سرير سنويًّا حتى عام 2030. وهو ما يقدر تكلفته الإجمالية بـ40-60 مليار جنيه سنويًّا في ظل معدل الزيادة السنوية للسكان الذي يصل إلى 2.5 مليون نسمة. ما يمثل فرصة أمام القطاع الخاص للاستثمار في هذا المجال.
شريف سامي تدخل في تلك النقطة وقال إن القرار الذي اشترط موافقة وزارتي التعليم والصحة على بيع مدرسة أو مستشفى اتسم بـ”الركاكة”. إذ لم يوضح الحالات التي يكون فيها الشراء لشركة تمتلك بدورها مؤسسة تعليمية أو صحية.