في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي قرر البنك المركزي تحرير سعر صرف الجنيه وربطه بالعرض والطلب أمام الدولار ورفع سعر الفائدة 2%. وهو الأمر الذي تسبب في فقدان الجنيه نحو 18.8% من قيمته حتى الآن. إذ قفز الدولار الواحد من 19.7 جنيه إلى 24.25 جنيه.
وربطت الحكومة تحرير سعر الصرف بمساعدته في تنافسية المنتجات المصرية المصدّرة للخارج. وعدّتها الحكومة “أحد الإنجازات” -وفقًا لما نشره بيان صادر عن المركز الإعلامي التابع لمجلس الوزراء. فهل يساعد تراجع الجنيه على تنافسية قطاع التصدير المصري؟. وهل لدى المنتجات المصرية قدرة على المزاحمة في الأسواق العالمية؟.
مدخلات الإنتاج
يرى عضو مجلس إدارة جمعية المصدرين المصريين -المهندس علي عبد القادر- أن تحرير سعر صرف العملة المحلية يُؤثر بالسلب في الأغلب على قطاع التصدير المصري. لأن أغلب مدخلات الإنتاج مستوردة من الخارج.
ويُضيف لـ”مصر 360″ أن نحو نصف واردات مصر في الأغلب سلع وسيطة ومواد خام. وبالتالي فأي خفض لسعر صرف العملة المحلية يرفع أسعار تلك المواد المستورَدة. ولا يمكن إنكار أن مصر لديها مشكلة في مسألة عدم وجود مصانع إنتاج سلع وسيطة.
ولا يعمم عضو جمعية المصدّرين مسألة استيراد أغلب مدخلات الإنتاج على قطاعات التصنيع للتصدير. فهي مسألة نسبية. إذ إن هناك نشاطات صناعية تستورد 50% من مدخلات إنتاجها. وهناك صناعات أكثر من 80% من مدخلاتها مستوردة وهكذا.
ويُدلل “عبد القادر” على حديثه بأن القطاع الوحيد الذي ربما يكون تحرير سعر الصرف في صالحه هو “السياحة” بسبب عدم وجود ما وصفه بـ”adding value” أي قيمة مضافة في أي من عناصر إنتاجه. لكن صناعات مثل البلاستيك أو الرخام فأغلب مدخلات إنتاجها من الخارج حتى قطع الغيار.
سلع وسيطة
وبلغت نسبة استيراد مصر من السلع الوسيطة والمواد والبترول الخام نحو 47.9% خلال العام المالي 2020/2021 بحسب بيانات البنك المركزي المصري. وفي المتوسط خلال الفترة بين 2016 إلى 2020 وصلت النسبة إلى 40.4% ثم إلى 49%.
ويُشير “عبد القادر” إلى أن زيادة أسعار السلع الوسيطة والأولية “المواد الخام” ستؤدي لارتفاع أسعار تكلفة المنتج. وبالتالي زيادة سعره على المصدّر. مستغربًا من تشبيه البعض مصر بالصين. لأن الأخيرة لديها إمكانيات تصنيع أقوى وأيد عاملة أوفر وأكثر خبرة. وبالتالي فهي تمتلك ميزات نسبية مقارنة بمصر.
ويتفق حسن الفندي -رئيس شعبة السكر بغرفة الصناعات الغذائية باتحاد الصناعات- في طرح عضو جمعية المصدرين في عدم استفادة صادرات مصر من تحرير سعر الصرف. وذلك بسبب زيادة تكلفة مدخلات الإنتاج على الصناعة المحلية.
ويقول لـ”مصر 360″ إنه في المتوسط تتراوح نسب استيراد مدخلات الإنتاج للصناعة من المواد الأولية والوسيطة بين 50 و60%. مشيرًا إلى النسب الباقية تكون عبارة عن مصروفات تشغيل ومصروفات بيع وتوزيع وتمويل وأرباح.
زيادة الصادرات
ويُضيف “الفندي” أن صادرات مصر لم ترتفع بنسب كبيرة خلال فترة التعويم الأولى. لكنه يأمل في زيادة الصادرات خلال الفترة المقبلة. لافتًا إلى أنه كلما انخفضت قيمة الجنيه أمام العملات الأخرى ارتفعت تكلفة الاستيراد. وبالتالي فأي مُنتج سواء سلع وسيطة أو أولية أو كاملة التصنيع سيرتفع سعرها.
وقد زادت صادرت مصر منذ العام المالي 2016/ 2017 الذي شهد التعويم الأول للجنيه (في نوفمبر/تشرين الثاني 2016) حتى العام المالي 2020/ 2021 بقيمة 6.94 مليار دولار فقط. بنسبة 24.2% خلال الخمسة أعوام المالية الماضية -وفقًا لبيانات التقرير الشهر الصادر عن البنك المركزي.
ويعتقد أن أسعار صرف الجنيه أمام الدولار تسير لمرحلة الاستقرار. حيث اقترب سعر الدولار في البنوك من السعر في السوق الموازية. أملا أن يعطي ذلك دفعة قوية لتحويلات العاملين بالخارج وزيادة الحصيلة الدولارية داخل الدولة.
ويلفت إلى أن زيادة أسعار بعض المنتجات الحالية ليست بسبب تحرير سعر الصرف وحده. لكن بسبب ندرة السلع في الأسواق المحلية كنتيجة مباشرة لتكدس البضائع على أرصفة المواني.
كما تكشف بيانات البنك المركزي أن نسبة الصادرات من المنتجات كاملة الصنع بلغت 39.4% خلال العام المالي 2020/ 2021. وأقصى نسبة وصلت إليها كانت في العام المالي 2016/ 2017 بنسبة 41.5% فقط من إجمالي قيمة الصادرات المصرية.
ما يعني أن نسبة كبيرة من الصادرات المصرية إما سلع وسيطة “نصف مصنعة” وإما مواد خام دون تصنيع. حيث تُوضح بيانات البنك المركزي أن قيمة صادرات مصر من المواد الخام ونصف المصنعة بلغت 11.3 مليار دولار في العام المالي 2020/ 2021. بنسبة 39.4% من إجمالي الصادرات المصرية.
تصدير الأدوية
ويقول حاتم البدوي -رئيس شعبة أصحاب الصيدليات بالغرفة التجارية- إن مصدّري الأدوية المصنعة محليًا قد يربحون. بسبب سياسة التسعير الجبري للأدوية. موضحًا أنهم قد يستفيدون من فرق أسعار العملة المحلية وبين العملات الأجنبية.
ويُضيف لـ”مصر 360″ أن عملية تسعير الأدوية المصدَّرة للخارج تتم عبر آلية معروفة. حيث يتم تسعيرها بنسبة 60% من متوسط سعرها في بلد المنشأ. بمعنى أنه حال تصدير عقار معين للسعودية فإذا كان سعره في مصر 100 جنيه فذلك يعني أن سعره بالسعودية لن يتجاوز 8 ريالات. وبالتالي فهو رخيص مقارنة بأسعار أدوية من دول أخرى.
وقد زادت صادرات مصر من الأدوية والأمصال بقيمة 200 مليون دولار خلال الفترة بين 2016/ 2017 و2020/ 2021. وبنسبة تبلغ نحو 39.9% بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
وسجلت صادرات مصر من الأدوية والأمصال نحو 301 مليون دولار عام 2016/ 2017 زادت إلى 501 مليون دولار في 2020/ 2021 وفقًا لبيانات “المركزي”.
ويعود “البدوي” ليقول: “هذا لا يعني زيادة أو قفزة في عملية التصدير. إذ إن أغلب مدخلات الإنتاج الأساسية في صناعة الدواء مستوردة”. ويُدلل على ذلك بأن كل المواد الفعّالة للأدوية مستوّردة وكل الماكينات وقطع الغيار وحتى مواد التعبئة يتم استيرادها أيضًا: “إحنا يدوب بنعبي الدواء في قزايز أو نكبسه في شرايط” -وفقًا لوصف “البدوي”.
في الختام، حتى تستفيد صادرات مصر من تحرير سعر صرف الجنيه وتزيد قدرتها التنافسية بالخارج لا بد من زيادة المكون المحلي في عملية التصنيع. وذلك عبر زيادة إنتاج السلع الوسيطة واستغلال المواد الخام المتاحة. وإعادة تصنيعها بدلا من إخراجها. وعلى رأسها الخضراوات والفاكهة التي تعدّ مصر لاعبًا مهمًا في بعض منتجاتها عالميًا.