لم تمر 24 ساعة على إعلان الحكومة المصرية صرف حزمة مالية جديدة للحماية الاجتماعية، حتى استيقظ المصريون صباح الخميس 27 أكتوبر/تشرين أول 2022، على إعلان نتائج اجتماع استثنائي للجنة السياسة النقدية في الساعات الأولى من النهار. الاجتماع أسفر عن عدد من القرارات النقدية، أهمها رفع سعر الفائدة على الجنيه، وترك تحديد سعره أمام باقي العملات لقوى العرض والطلب. بالإضافة إلى إلغاء الاعتمادات المستندية بشكل تدريجي حتى ديسمبر/كانون أول المقبل.
اقرأ أيضا.. “المركزي”: تحرير كامل للجنيه ورفع الفائدة.. قرارات تؤثر سلبا على الاستثمار والتشغيل وتزيد فوائد الديون
الحزمة التي تم الإعلان عنها، جاءت بعد ساعات من الجلسة الختامية للمؤتمر الاقتصادي “مصر 2022”. وإعلان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، موافقة الحكومة عليها.
وهي عبارة عن 300 جنيه علاوة شهرية استثنائية مستديمة للعاملين بالدولة والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية والعاملين بشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام والعاملين علي الصناديق والحسابات الخاصة بتكلفة 18.5 مليار جنيه. و300 جنيه منحة استثنائية لأصحاب المعاشات لمواجهة غلاء المعيشة بتكلفة سنوية 32 مليار جنيه. بالإضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور إلى 3000 جنيه شهريا وزيادة الحد الأدنى لكل الدرجات الوظيفية بالدولة بقيمة 300 جنيه.
كذلك رفع حد الإعفاء الضريبي بمقدار 25% من 24 ألف جنيه إلى 30 ألف جنيه لجميع العاملين بالدولة والقطاع الخاص بتكلفة سنوية تتحملها الخزانة العامة بنحو 8 مليارات جنيه. دعم رواتب العاملين بشركات القطاع الخاص المتعثرة حتى 30 يونيو/حزيران 2023. و3.3 مليار جنيه إضافية لاستمرار صرف حزمة الحماية الاجتماعية المقررة بالبطاقات التموينية لـ10.5 مليون أسرة حتى 30 يونيو/حزيران المقبل بتكلفة إجمالية سنوية 8.5 مليار جنيه. كما أعلنت وزارة المالية تحمل الحزينة العامة للدولة 1.9 مليار جنيه تكلفة إضافية لاستمرار قرار تثبيت أسعار الكهرباء للمنازل لمدة ستة أشهر إضافية حتى 30 يونيو/حزيران المقبل بتكلفة سنوية 3.8 مليار جنيه. فيما أعلنت الحكومة أن إجمالي حزمة الحماية الاجتماعية للدولة تتكلف 67.3 مليار جنيه اعتبارًا من الشهر المقبل لتخفيف الأعباء عن المواطنين.
دعم حكومي بعد “مظلة يوليو”
حزمة الحماية الاجتماعية هي الثانية من نوعها هذا العام، حيث قرر الرئيس عبدالفتاح السيسي في يوليو/تموز الماضي صرف مساعدات استثنائية للأسر الفقيرة، والأكثر احتياجًا من أجل تعزيز أمنها الغذائي، ومجابهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
وشهدت مصر في سبتمبر/آيلول الماضي، ارتفاعا في معدل التضخم إلى أعلى مستوى له في 4 سنوات عند 18%. خبراء اقتصاد توقعوا انخفاضا في مستويات التضخم السنوات المقبلة ليصل إلى 12.8% بنهاية السنة المالية الحالية في يونيو/حزيران 2023. وإلى 11.6% في العام التالي، غير أن حزمة الحماية الاجتماعية هذه حسب تصوراتهم مجرد مساندة، لكنها لن تكبح جماح موجة الغلاء الراهنة.
أحد شروط صندوق النقد
وحسبما أفاد الخبير الاقتصادي الدكتور وائل النحاس، فإن حزمة الحماية الاجتماعية المعلن عنها من جانب الحكومة لا تكفي لمواجهة الموجة الحالية. كما لفت إلى أن زيادة الحد الأدنى للرواتب، مع تثبيث أسعار المحروقات لفترة سيكون محاولة لامتصاص آثار التعويم، وعبور هذه الفترة.
ورغم كون مظلة الحماية الاجتماعية مضمنة في توصيات ختامية للمؤتمر الاقتصادي للتخفيف عن المواطنين. غير أن الخبير الاقتصادي وصفها بـ”أنها أحد شروط قبول صندوق النقد الدولي للقرض”. متابعا: “بعد التعويم، وخلال شهر تقريبا، سيظهر أثر حزمة الحماية الاجتماعية، وما إذا كانت كافية أم لا؟” بحسب ما قال.
وتخطط مصر للحصول على تمويلات خارجية قيمتها 146.4 مليار جنيه (7.4 مليار دولار)، مقابل نحو 78.4 مليار جنيه (3.9 مليار دولار) مقدّرة بموازنة السنة المالية الحالية، ما يعني زيادة حجم التمويلات الخارجية بنحو 87%.
فاتورة الإصلاح
ومن زاوية مغايرة اعتبر الدكتور مصطفى بدرة الخبير الاقتصادي، حزمة الحماية الاجتماعية التي قدمتها الدولة جزء من فاتورة الإصلاح الاقتصادي التي يتحملها المواطن. كما أشار إلى أن موجة ارتفاع الأسعار كلفتها كبيرة، وما تقدمه الحكومة جزء بسيط من الكل.
وأضاف في تصريح لـ”مصر 360″ أن الدولة، وحسبما جاء في تصريحات الرئيس السيسي عن حاجة المواطن إلى 10 آلاف جنيه شهريا. أنه من الممكن أن ترفع الحكومة الرواتب لهذا الحد، لكن ذلك يعني حدوث موجة تضخم لا يمكن مواجهتها.
رقابة الأسواق
مقابل هذه الحزمة الاجتماعية فإن الحكومة ملزمة بفرض رقابة على الأسواق المختلفة، حسب رؤية “بدرة”. إذ يأتي ذلك لأن ثمة استغلال غير مسبوق للسلع، يوازيه ارتفاع أسعار غير محكوم بأية ضوابط.
وأظهرت بيانات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) أن أسعار الغذاء عالميا ارتفعت بنسبة 33% في أغسطس/آب على أساس سنوي. مع ارتفاع أسعار العديد من السلع مثل الزيوت النباتية والحبوب واللحوم، لتسجل أعلى مستوياتها في 10 سنوات.
ووفق وزارة التموين والتجارة الداخلية فإن أسعار 8 سلع تموينية –في شهر أكتوبر/تشرين أول 2022- شهدت زيادات تراوحت من 50 قرشًا إلى 6 جنيهات، خلال عمليات الصرف. وهي على الترتيب “سعر الزيت زيادة 2 جنيه، العدس زيادة 1 جنيه، المسلى زيادة 6 جنيهات، الصلصة نحو 1.25، الجبن 250 جراما زيادة 50 قرشا، والجبن 500 جرام زيادة 1 جنيه، المسحوق الأتوماتيك زيادة 2.5 جنيه، الصابون زيادة 1 جنيه، والخل زيادة 75 قرشا”.
وتصرف السلع التموينية لنحو 64 مليون مواطن مقيد على 22 مليون بطاقة تموينية.
طبقًا لما أعلنته الجهة الرسمية المعنية بـ”السلع التموينية” لفت الخبير الاقتصادي وائل النحاس إلى ضرورة التعامل مع مكونات المجتمع باعتبارها قطعة واحدة، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف احتياجات الناس من فئة إلى أخرى. لكن الجهة المخاطبة تلتقي في احتياجاتها الأساسية “غذاء، وعلاج”حسب وصفه.
وأرجع “بدرة” ارتفاع أسعار السلع الغذائية في الأسواق إلى تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، لكن ذلك لا يعني نفي احتمالية رفع الأسعار بشكل أكبر بعد حزمة الحماية الاجتماعية حال تجاهل فرض الرقابة، حسب قوله.
وحسب شعبة المواد الغذائية فإنه السلع منذ بدء الحرب الأوكرانية شهدت زيادة مطردة في أسعارها، على رأسها اللحوم التي ارتفعت بنسب تصل إلى 25%، والدواجن بنسب تصل إلى 40%.
الحكومة مطالبة بأكثر من ذلك
ومن جانبه أشاد الدكتور عبد المطلب عبد الحميد الخبير الاقتصادي بتوجيهات القيادة السياسية للحكومة لزيادة أعداد المنافذ المعنية بالسلع الاستهلاكية، والسيارات المعدة للبيع بأسعار مدعمة. كما لفت إلى أن ذلك بمحاذاة حزمة الحماية الاجتماعية ربما يحدث أثرًا في مواجهة الغلاء الطاحن الذي يعانيه المواطن المصري.
وأضاف في تصريح لـ”مصر360″ أن سياسة الدعم النقدي تستدعي منح مبالغ معقولة للمواطنين، وفق دراسة شاملة للأسر الأكثر فقرًا، والأسر الفقيرة، ومراعاة تدرج هذه الفئات، واحتياجاتها.
الخبير الاقتصادي أشار إلى أن احتياجات الأسر الفقيرة، والمتوسطة تتزايد في فصل الشتاء، عبر تنوعها ما بين “كساء، وغذاء، ودواء”. كما أكد ضرورة تدخل الحكومة في سد هذه الاحتياجات وسط ارتفاع أسعار للأطعمة، والمشروبات. وقال: “على الحكومة أن تطفئ نار الغلاء الراهن، وسيكون ذلك في مصلحة البلاد”.
واستطرد قائلا: “هناك خدمات بمقابل مادي مبالغ فيه، وفوق طاقة الأسر الفقيرة، وهو أمر لم يدرج في حزمة الحماية الاجتماعية، وعلى الحكومة التي تمتلك تقديم الخدمات مراعاة ذلك”.
ولفت رئيس الوزراء إلى استمرار العمل بحزمة الحماية الاجتماعية –المعلن عنها في وقت سابق-، والخاصة بتوفير دعم مالي للأسر المستهدفة. من خلال البطاقات التموينية بشرائح تتراوح ما بين 100 إلى 300 جنيه، والتى يستفيد منها أكثر من 10.5 مليون أسرة مقيدة على البطاقات التموينية. كما أوضح أن هذه الحزمة كان من المقرر أن ينتهي العمل بها فى 31 ديسمبر/كانون أول 2022، ولكن تم التوافق على استمرار العمل بها حتى 30 يونيو/حزيران المقبل.
أثر إيجابي
من جانبه أشاد الخبير الاقتصادي -وليد جاب الله- بحزمة الحماية الاجتماعية التي أقرتها الحكومة، ووصفها بـ”المتنوعة، والشاملة” مضافًا إليها مظلات اجتماعية سبق أن دعمت بها المواطن في فترة ماضية منذ بدء الحرب الروسية-الأوكرانية. لافتًا إلى أن الأمر لن يتوقف عن تعويم الجنيه، وتحرير سعر الصرف، وإذا كانت هناك ثمة تخوفات من زيادة معدل التضخم فإن الدولة ستواجه ذلك برفع سعر الفائدة.
وحسب رؤيته فإن مظلة الحماية الاجتماعية مثلما ستنعكس على الموظفين، وأصحاب المعاشات بشكل مباشر، فإنها ستنعكس بشكل غير مباشر على بقية طوائف المجتمع، في أعقاب زيادة القدرة الشرائية للشريحتين السابقتين. لافتًا إلى أنها يترتب عليها مزايا لكافة طوائف المجتمع أبرزها رفع الحد الأدنى للإعفاء الضريبي إلى 30 ألف جنيه، بما يعني زيادة أجور العاملين في القطاعين التجاري، والصناعي”.
واستطرد قائلًا: “الدولة تبذل جهدها لمواجهة الظروف الاقتصادية العالمية، والسلع كانت تقيم في الأسواق بسعر الدولار الحالي قبل تحرير سعر الصرف. وبالتالي فإن ثمة صعوبات سيواجهها المواطن في الفترة الحالية. لكنها ستنتهي إلى زيادة معدلات المعروض من السلع بعد سد الفجوة التمويلية من جانب صندوق النقد”.
كما أن حزمة الحماية الاجتماعية بغض النظر عن تحرير سعر الصرف- على حد قوله- تدعم استقرار الأسواق، والأسعار، بعد تثبيت أسعار الكهرباء الذي اقترن بتثبيت أسعار الطاقة، باعتبارهما مكونين مهمين من مكونات عناصر الإنتاج. كذلك قال: “الدولة تعمل على احتواء معدل التضخم، وتقدم مزايا مالية، لتمكن المواطن من عبور التحديات الراهنة ارتباطًا بما يواجهه من توحش الأسعار”.
التعويم سيوفر الدولار
في سياق متصل، أعرب الخبير الاقتصادي فخري الفقي عن تعاطفه مع المواطن المصري الذي حصل على حزمة حماية اجتماعية بالأمس، وفي غضون ساعات فوجئ بتحرير سعر الصرف، لافتًا إلى أن حزمة الحماية “جيدة”، لكن البعض اعتبر الحكومة “أعطت باليمين، وسحبت باليسار” بعد تعويم الجنيه.
أضاف الفقي لـ”مصر360″ أن البنك المركزي استعمل رفع سعر الفائدة لمواجهة آثار التضخم الناتجة عن تحرير سعر الصرف. مشيرًا إلى أن معدل التضخم خلال شهرين على الأكثر سيأخذ في التباطؤ، وفي نهاية السنة المالية قد يصل إلى 8%.
ونحو أثر مظلة الحماية الاجتماعية على قدرة المواطن المعيشية لقاء ارتفاع متوقع في الأسعار أوضح الخبير الاقتصادي أن الدولة رفعت المرتبات، والمعاشات قبل 3 أشهر من السنة المالية. بجانب حزمة حماية اجتماعية شملت تثبيت أسعار الطاقة، وغيرها، بما يعني أن متوسط دخل المواطن في غضون 6 أشهر سيصل إلى معدل أكبر من متوسط التضخم.
والتعويم وفقًا لرؤية “الفقي” مع تحرير سعر الصرف نتج عن توافق سياسات نقدية مع صندوق النقد الدولي، بما يعني أن برنامج الإصلاح الاقتصادي يستهدف توفير الدولار بشكل رسمي. وفتح الأسواق أمام الواردات لتوفير السلع النادرة، وزيادة المعروض، إلى جانب كبح جماح التضخم.
وأضاف: “قبل إقرار حزمة الحماية الاجتماعية كانت الأسعار في زيادة، والمرتبات كما هي. وقبل التعويم كان الدولار غائبًا عن الأسواق”، غير أن الوضع الراهن “حزمة حماية اجتماعية مع تحرير سعر الصرف”سيفيد الجميع، ويفتح السوق المصري أمام المستثمرين بسبب استقراره، وتوفر الدولار.
وحسب رؤيته فإن الحكومة مطالبة في الأشهر الحالية بتشديد الرقابة الأسواق منعًا لقفزات غير منطقية في أسعار السلع، حتى لا تتفاقم الأمور أمام المواطنين.