تشهد سوق السيارات في مصر حالة من التخبط. إذ تتلخص الأزمة في نقص المعروض من المركبات الجديدة بفعل أزمة الدولار، والارتفاعات شبه الأسبوعية في أسعار الماركات الجديدة. وظاهرة “الأوفربرايس” التي تصل في بعض الأحيان إلى 100 ألف جنيه للسيارة الواحدة. كذلك وصلت الأزمة إلى السيارات المستعملة التي تزايدت أسعارها في بعض الموديلات إلى الضعف في أشهر قليلة.
وتراهن الحكومة، على المبادرة التي أطلقتها وزارة المالية لإعفاء سيارات المصريين المقيمين بالخارج من 100% من الرسوم المقررة، شريطة إيداع كامل الرسوم الجمركية في حساب لصالح وزارة المالية بالدولار واستردادها بعد 5 سنوات بالجنيه بدون عوائد، على إنعاش السوق، خاصة أنها فتحت مجالا أوسع للاستيراد بعد السماح باستيراد سيارة مر على تصنيعها أكثر من 3 سنوات إذا لم يكن المواطن مالكها الأول. وهو أمر لا ينطبق مع سوق الاستيراد التقليدي الذي لا يسمح باستيراد المستعمل إلا إذا كان موديل -طراز- العام.
اقرأ أيضا.. السيارات الكهربائية بمصر.. عوائق تُحبط الانتشار
ويُلزم تيسير استيراد سيارات الاستعمال الشخصي للمصريين المقيمين بالخارج بإيداع وديعة بالدولار في حساب وزارة المالية لمدة 5 سنوات بدون عائد، مع إعفائهم من الجمارك والضرائب على أن يُسجل الراغب في الاستفادة بياناته، وبيانات السيارة المطلوب استيرادها. كما يقوم بسداد المبلغ النقدي المنصوص عليه، ويُمنح في مقابل ذلك موافقة استيرادية تثبت تمام السداد صالحة لإتمام إجراءات الاستيراد والإفراج عن السيارة المستوردة لمدة عام.
سيارات الخارج
وبداية من الثلاثاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني، يمكن لأي مصري بالخارج الاستفادة من التعديلات الجديدة. بينما شكّل مجلس الوزراء لجنة ممن مختلف الجهات للإجابة على جميع تساؤلات المغتربين الراغبين في إدخال سياراتهم، والتواصل مع مصلحة الجمارك التي تعتبر الجهة المسئولة عن التنفيذ.
وأطلقت الحكومة، مساء الثلاثاء، تطبيقًا رسميًا لـ«سيارات المصريين بالخارج» بالهواتف المحمولة الذكية يتضمن فتح حساب إلكتروني على هذه المنصة الرقمية وتسجيل البيانات ورفع المستندات، ويتم إخطار المتقدمين بالرسوم المستحقة تلقائيًا، ثم استصدار أمر دفع بتحويل المبلغ على حساب وزارة المالية بالبنك الأهلي المصري خلال 4 أشهر اعتبارًا من 15 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، حتى 14 مارس/آذار 2023.
وتستهدف الحكومة دخول 500 ألف سيارة للسوق المحلية من بوابة المغتربين، وهو معدل قد لا يؤثر في أسعار السيارات محليًا بصورة فورية، فتلك السيارات لن تدخل دفعة واحدة، فضلًا عن أنها ليست جميعًا معروضة للبيع بعد دخولها مصر، وفق خبراء بسوق السيارات.
فجوة ونصيحة
بحسب التقديرات، فإن حجم مبيعات السيارات سنويا بمصر يتراوح بين 250 أو 300 ألفا، ولا يتوافر في السوق حاليا في أحسن التقديرات سوى 40 ألفًا. ما خلق فجوة بين العرض والطلب رفعت معها الأسعار.
وانخفض حجم مبيعات السيارات إلى 148.5 ألف سيارة خلال الثمانية أشهر الأولى من العام الحالي مقابل 186.3 ألف سيارة خلال الفترة المماثلة من العام الماضي بنسبة تراجع 20%، بحسب بيانات مجلس معلومات سوق السيارات المصري “أميك”.
جهاز حماية المستهلك، الذي حاول خلال الأشهر الأخيرة التدخل في سوق السيارات ومحاربة ظاهرة الأوفربرايس بفرض التجار مبالغ إضافية على المركبات، طالب المواطنين بأن يؤجلوا قرار الشراء، وألا يقارنوا ثمن المركبات الحالية بأسعارها الأصلية، واعدًا في الفترة القادمة أن تشهد زيادة في حجم المعروض من السيارات.
أزمة عالمية
شعبة السيارات باتحاد الغرف التجارية ترى أن مشروع قانون منح المصريين من الخارج تسهيلات لاستيراد السيارات، سيزيد حجم المعروض من السيارات محليًا، إلا أنه لن يحل الأزمة نهائيًا بسبب انخفاض حجم المنتج عالميًا من السيارات، بجانب أزمة الاستيراد محليًا، بسبب نقص العملة.
يعتبر بعض الخبراء، أن التحركات الحكومية جيدة لكنها لن تحل أزمة نقص المعروض من السيارات بشكل تام ولكنها تعمل على تهدئته، فالحل بطريق قصير الأجل بتوفير الدولار للاستيراد، وحل تراكم طلبات حجز السيارات، وتشجيع صناعة التجميع المحلي، التي من شأنها حل مشاكل الاستيراد على المدى البعيد.
أسامة أبو المجد، رئيس رابطة تجار السيارات، يقول إن دخول كم كبير من السيارات للسوق المحلي سيعمل على إنعاشها، خاصة أن سوق السيارات تعاني من مشكلات داخلية وخارجية مرتبطة بنقص الإنتاج عالميا بسبب تداعيات كورونا والحرب الروسية الأوكرانية التي أثرت على الصناعة وأوجدت قوائم انتظار من الحاجزين.
وأثرت الحرب الروسية الأوكرانية على إمدادات النيون والأرجون والهيليوم وهي عناصر أساسية في الصناعة تأتي غالبيتها من مناطق ماريوبول وأوديسيا التي تقع في قلب المعارك.
يحتاج استيراد السيارات نحو 4 أشهر في الوضع الطبيعي، لكن السوق العالمية حاليًا، تعاني من نقص المعروض. كما سيؤثر رفع سعر فائدة الإيداع والإقراض على حجم المبيعات أيضًا لأن 70% من مبيعات سوق السيارات تتم عبر الإقراض سواء من البنوك أو التمويل النقدي.
يقول أبو المجد إن قانون تنظيم إدخال سيارات المصريين بالخارج من شأنه أن ينعكس على حجم الاستيراد المحلي بشكل غير مباشر، عبر توفير العملة الصعبة وتعزيز الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية الذي قد يسهل فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد الماركات الجديدة.
المشكلة والفرصة
وطالبت رابطة تجار السيارات أكثر من مرة الحكومة بفتح استيراد السيارات المستعملة، مؤكدة أن مصر تعتبر الدولة الوحيدة التي تمنع استيرادها حتى أن أوروبا تسمح باستيراد وبيع السيارات فيما بينها، مؤكدة أنها تحد من الأزمة بالسوق المحلية بشكل كبير.
من المتوقع أن تسهم المبادرة في تعزيز الاحتياطي النقدي بمبالغ قدرها النائب عمرو هندي، عضو مجلس النواب عن المصريين بالخارج، بـ3 مليارات دولار على مدى زمني قريب ترتفع إلى 7 أو 8 مليارات دولار حال تسهيل الاشتراطات، لكن وزير المالية محمد معيط قلص ذلك الرقم إلى 2.5 مليار دولار.
“خالد سعد” أمين رابطة مصنعي السيارات، طالب باتباع أساليب مهمة للارتقاء بصناعة السيارات والاعتماد على الإنتاج المحلي فمصر تستورد مركبات بقيمة 4 مليارات دولار تتضاعف إلى 8 مليارات بحلول 2027.
أضاف أن الصناعة المحلية لديها فرصة سانحة لتعظيم إنتاجها، واستغلال حجم الطلب المحلي، مضيفًا أن تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار انعكس على حجم استيراد السيارات، والتي تشمل سعر السيارة الأساسي وتكلفة الشحن والمصاريف الجمركية.
يقول سعد إن تجربة التجميع المحلي يمكن البناء عليها فالمكون المحلي في الملاكي وصل إلى 30% مع استهداف حكومي لوصوله إلى 50%، والنقل يصل إلى 60% مع استهداف رفعه إلى 80%، خاصة أن مصر تمتك صناعة مغذية جيدة.
ويتفق أسامة أبو المجد مع الرأي السابق في ضرورة الاهتمام بالتصنيع المحلي فمصر لديها 18 مصنعا لتجميع السيارات، بجانب الدخول لصناعة السيارات الكهربائية باعتبارها المستقبل مع تشجيع التطوير والابتكار ورفع القدر التنافسية.