شاب يقتل شقيقه بسبب ضائقة مالية.. أب يذبح زوجته وأبناءه الأربعة بسبب تراكم الديون.. زوج يقتل زوجته وأبناءه بسبب 4500 جنيه.. رجل أعمال يقتل زوجته وأولاده الثلاثة ثم ينتحر بسبب ضائقة مالية.. أب يقتل طفله الرضيع بسبب ضائقة مالية.. انتحار عاطل من الدور العاشر لمروره بضائقة مالية… انتحار عامل في الفيوم للسبب ذاته… انتحار بائع متجول لعجزه عن تحمل تكاليف الحياة… انتحار نقاش بالصف في الجيزة لضيق ذات اليد… انتحار ربة منزل بالزاوية الحمراء بالقاهرة بسبب ضغوط اقتصادية… عامل يشعل النار في نفسه لعدم قدرته على توفير نفقات تزويج ابنته.
اقرأ أيضا.. فول ومكرونة سادة ولحمة فيما ندر.. غول الغلاء يلتهم “غذاء” المصريين
الشريك بين كل هذه الجرائم التي ارُتكبت ما بين أعوام 2018 و2022 هو تردّي الحالة الاقتصادية للجاني، وتراكم الديون عليه، أو عدم استطاعته إعالة أسرته بالشكل المطلوب. خلال السنوات الماضية تعرّض المجتمع المصري لهزات اقتصادية عنيفة ارتفعت فيها الأسعار بأكثر من 300% عما كانت عليه قبل التعويم الأول للجنيه عام 2016.
لا يمكن حصر العامل الاقتصادي في إطار جرائم الأموال كالسرقة أو الاعتداء، لكنها تمتد لجرائم أخرى أبرزها العنف والاعتداء على الأشخاص وما يسمى جرائم العرض. إذ إن ضيق الموارد المالية يحفز العديد من الأشخاص خاصة الشباب الذين لا تمكّنهم أحوالهم المالية من الزواج على ارتكاب جرائم، هكذا تُفسر دراسة للباحثين هاني علي وخالد عبد الفتاح أثر المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية على جرائم الأحداث في مصر.
عجز الأسرة
كما تُشير دراسة للدكتورة هند السيد، أستاذ علم الاجتماع المساعد في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إلى أن الجرائم تكون أكثر وقوعًا في المستويات المُهيَئَة لارتكاب السلوك الإجرامي داخل الأسرة.
وتُضيف الدراسة، أن تعرض الأسرة لضغوط اقتصادية بسبب عدم كفاية الدخل المالي لاحتياجاتها الأساسية تحدّ من قدرتها على القيام بواجباتها الرقابية، ويجعلها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها، وهذا يساعد على العنف في محيطها.
فضلا عن أن سوء الأحوال السكنية وضيق المسكن وانعدام الخصوصية وازدحامه يتسبب في ارتكاب جرائم داخل الأسرة، وفقًا للدراسة.
وفقًا لمؤشر الجريمة من موقع Numbeo، احتلت مصر المرتبة السابعة عربيًا والـ19 إفريقيًا، والـ67 عالميًا من حيث انتشار معدلات الجريمة، وقد لا تبدو تلك المعدلات مرتفعة مقارنة ببعض الدول مثل ليبيا والجزائر أو العراق؛ لكن تظل ضمن المعدلات المرتفعة عالميًا.
الفرد
يشرح الدكتور علي الإدريسي، عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، ارتباط الظروف الاجتماعية بالاقتصادية، إذ إن ارتفاع معدلات التضخم وزيادة الأسعار التي قفزت منذ عام 2016 تسببت في زيادة المشكلات الاجتماعية.
ويقول لـ”مصر 360″، إن الضغوط المرتبطة بكل المتغيرات الاقتصادية تضغط على الفرد وعلى الأسرة مما يتسبب في مشاكل اجتماعية، والتي قد تظهر في شكل “خناقات – انتحار – قتل – زيادة معدلات الطلاق..” وكل هذه ظواهر اجتماعية لا يمكن فك ارتباطها بالعامل الاقتصادي.
وارتفعت معدلات الطلاق في مصر خلال عام 2021 بنسبة 14.7%، مقارنة بعام 2020، حيث بلغت خلال عام 2021، 254 ألفا و777 حالة طلاق، بينما كانت 222 ألفا و39 حالة في عام 2020، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
كما أن زيادة معدلات الفقر لها دور في ارتفاع نسب الجرائم، أيًا كان شكل تلك الجرائم أو صورها، وفقًا للإدريسي، مضيفًا أن ارتفاع تكلفة معيشة الفرد يؤثر بالسلب في ضوء تدّني مستوى الدخول والرواتب.
وسجلت معدلات الفقر في مصر نسبة 29.7% خلال العام 2019/ 2020، فيما بلغت نسبة الفقر المُدقع 4.5%، وفقًا لما أعلنه بحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء؛ وذلك ارتفاعًا من 20% عام 2000 في معدلات الفقر.
ويعتقد عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أن الضغوط الاقتصادية على الفرد باتت ثقيلة، مدللاً على ذلك بارتفاع فواتير الخدمات كالكهرباء والمياه، وزيادة تكلفة التنقل بسبب زيادة أسعار المحروقات، وكل تلك المتغيرات في الأسعار تعدّ ظواهر لم يشهدها المواطن في مصر قبل ذلك.
ووفقًا لبيانات البنك الدولي، ارتفعت معدلات التضخم وفقًا لمؤشر الأسعار التي يدفعها المُستهلكون من 2.7% عام 2000 إلى 29.5% عام 2017، ثم بلغت 15.6% خلال شهر يوليو/ تموز الماضي.
ورغم انخفاض أرقام التضخم خلال عامي 2020 و2021 مقارنة بالأعوام السابقة؛ إلا إن ذلك ليس له ارتباط بتراجع الأسعار، لكن السبب الوحيد لذلك هو تغيير سنة الأساس التي تقيس على أساسها الحكومة معدلات التضخم، فبعدما كانت سنة الأساس 2010، غيرتها الحكومة إلى 2018، وذلك بعدما زادت المعدلات عقب التعويم الأول أواخر عام 2016.
ويُتابع، أنه برغم قيام الحكومة بعمل برامج حماية اجتماعية مثل تكافل وكرامة أو زيادة المعاشات وغيره، لكن تلك البرامج لا يمكن أن تحدّ من ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات التضخم خلال السنوات الفائتة. مشيرًا إلى أن الجرائم الأسرية انتشرت بمعدلات كبيرة خلال السنوات الماضية.
القتل العائلي
كما تُظهر دراسة صادرة عن جامعة عين شمس، أن جرائم القتل العائلي وحدها باتت تشكل نسبة الربع إلى الثلث من إجمالي جرائم القتل، فيما أكدت دراسة أخرى للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن نسبة 92% من هذه الجرائم تُرتكب بما يسمى دافع العرض والشرف، فضلا عن العوامل الاقتصادية التي أصبحت من بين أبرز أسباب تضاعف معدلات القتل العائلي.
وخلال العام 2021، سجلت القاهرة الكبرى 322 جريمة قتل، وفقًا لما أعلنت عنه وزارة الداخلية. وتُظهر خريطة تلك الجرائم أن الجيزة شهدت 157 جريمة قتل بنسبة 48.75% من إجمالي الجرائم، ووقع بالقليوبية 86 جريمة بنسبة 26.70%، وأخيرًا شهدت القاهرة 79 جريمة بنسبة 24.53%.
ويُوضح تقرير وزارة الداخلية، أنه من بين أبرز أسباب جرائم القتل كانت الخلافات الأسرية والزوجية والعائلية والتي بلغت 105 جرائم بنسبة 32.6% من إجمالي الجرائم، تليها المشاجرات بالأيدي والأسلحة وبلغ عددها 71 جريمة بنسبة 22%، ثم الخلافات المالية وبلغ عددها 36 بنسبة 11.1%، وجرائم السرقة وبلغت 31 بنسبة 9.6%.
ويُعاود على الإدريسي قائلاً، إن مستويات الرفاه ومؤشرات السعادة في مصر، متراجعة بسبب الوضع الاقتصادي، وتُشير تقارير المؤسسات الدولية لذلك. مشيرًا إلى أن تأثير التضخم وارتفاع الأسعار يًؤثر بشكل مباشر على ميزانية المواطن، وبصورة لا يستطيع المواطن التعامل معها أو حتى تفاديها.
رواتب ضعيفة
يقول الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، إن حالة الاقتصاد قبل 30 عامًا لم تكن بمثل الوضع الحالي، إذ كانت توجد معدلات مستقرة للأسعار، لكن ومنذ عام 2016 تبدّلت الأوضاع وباتت متغيرات الأسعار والتضخم ترتفع بشكل كبير.
ويُضيف لمصر 360، أن حجم دخول الأفراد كانت تكفي سد احتياجاتهم، مقارنة بالأوضاع الحالية، شارحًا ذلك :”كان الأب العائل للأسرة يستطيع سد احتياجات أسرته من راتبه، فيما كانت الأم تقوم بتدبير ما يسمى بمصروف البيت وكل هذا كان يخدمه الأسعار المستقرة”.
مرت مصر بارتفاعات متتالية في معدلات التضخم، وقفزات متتابعة في أسعار السلع الأساسية، وفقًا لرئيس المنتدى المصري للشئون الاقتصادية، مضيفًا أن الأوضاع الاقتصادية شهدت اضطرابات على مستوى الدخول والرواتب مقارنة بالأسعار.
واعتمادًا على بحث الدخل والإنفاق الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإنه رغم ارتفاع حجم الدخل الأسبوعي للفرد من 44 جنيهًا عام 1990 إلى 942 جنيهًا عام 2021؛ لكن مستويات الأسعار والتضخم عملت على تآكل هذه الزيادة بشكل ضخم.
وتُوضح نشرة الأرقام القياسية لأسعار المستهلكين الصادرة عن جهاز الإحصاء لعام 2000، أن أسعار السلع الأساسية والخدمات لم تتغير بشكل كبير منذ عام 1995/ 1996، وذلك مقارنة بأسعار السلع والخدمات التي تتغير شهريًا على الأقل خلال العام الجاري.
تفاوت طبقي
ثم يلفت عبده إلى مؤشر آخر وهو التفاوت الطبقي بين المواطنين خاصة في المناطق الحضرية، قائلاً :” لنفرض أن هناك أختين واحدة تزوجت من رجل ميسور الحال تستطيع شراء احتياجاتها، فيما أختها المخطوبة لا تستطيع شراء حتى عفش بيتها بسبب ارتفاع التكاليف”.
وهذا المؤشر يعكس حالة عدم الرضا بين المواطنين، والذي بسببه تحدث الكثير من الخلافات سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع، وفقًا لرئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية، مضيفًا أن معدلات البطالة أيضًا قد تكون سببًا في ظهور الجرائم.
ويختم حديثه بقوله :”راتب الفرد دلوقتي يدوب يأكلّه عيش حاف”. موافقًا على ارتباط زيادة معدلات الجرائم بارتفاع معدلات الفقر والبطالة وانخفاض الدخول والرواتب.
ولاتوجد بحوث دقيقة وموثوقة تقيس حجم التفاوت الطبقي بين أفراد المجتمع المصري، إلا إنه على الأقل ووفقًا لبيانات رسمية، فهناك ما لا يقل عن نحو 30 مليون إنسان يعيشون تحت خط الفقر.
إلى ذلك يتفق تقرير صادر عن جامعة دمشق السورية، في أن الفقر أحد العوامل الرئيسية للجريمة، إذ تظل هناك علاقة وثيقة بين عدم قدرة الفرد على تأمين غذائه أو احتياجاته وبين ارتكابه للجرائم. ويُدلل التقرير على حديثه، بأن بيع النساء لأجسادهن للحصول على المال، أو ارتكاب جرائم الاغتصاب والدعارة ظواهر مرتبطة بالحالة الاقتصادية.
تغييب الوعي
من جهته، يعتقد الطبيب جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أن العامل الاقتصادي لا يمكنه التأثير على الفرد، في حال ارتفاع نسب الوعي والثقافة بين أفراد المجتمع، لكن تغييب الثقافة وانعدام الوعي يشكلان جزءا مكملاً لتفسير انتشار الجرائم.
ويقول ل”مصر 360″، إن انعدام الوعي يتسبب في الازدواجية الدينية بمعنى وجود الظواهر والطقوس المرتبطة بالدين، لكن السلوك الإنساني والأخلاقي منعدم، إضافة لانحسار القيم المجتمعية وانهيار قيم الأسرة.
وبالتالي، لا يمكن فصل الجوانب السابقة عن العامل الاقتصادي، وفقًا لاستشاري الطب النفسي، معترضًا على الحلول التي تقدمها الحكومة والتي تنتهي بتشكيل لجان للطلاق ولجان للفقر إلخ؛ لكن الحلول تكمن في زيادة نسب الوعي لدى الفرد.
وينتج ذلك عن الاستثمار في الفرد سواء تعليميًا أو صحيًا أو بتأهيله لأسواق العمل الإقليمية، لرفع معدلات دخله، وفقًا لفرويز. مضيفًا أن تغييب الثقافة المصرية بسبب الظروف الاقتصادية وظهور وسائل التواصل الاجتماعي كان له أثر أيضًا في زيادة نسب الجرائم.
في النهاية، لا يمكن فصل الظواهر الاقتصادية وترديّها عن أسباب زيادة معدلات الجرائم خاصة الأسرية والعائلية والتي تُشكل أكثر من ثلث الجرائم المرتكبة خلال السنوات الماضية.