بعد أيام من دخول قرار مجموعة السبع وأستراليا، إضافة للاتحاد الأوروبي بـ “تسقيف” سعر النفط الروسي بـ 60 دولارًا للبرميل، حيز التنفيذ، بغرض حرمان موسكو من وسائل تمويل حربها ضد أوكرانيا، تطفو على السطح التكهنات بتأثر سوق الطاقة العالمي. خاصة بعد أن اختبرت أوروبا فترة عانت فيها من نقص إمدادات الطاقة. فضلا عن مخاوف من تعطيش روسيا لسوق النفط. ما يتسبب في ارتفاع أسعار يؤثر على الدول الهشة اقتصاديا.
وفقًا للقرار، بدأ تطبيق الحد الأقصى لأسعار مجموعة السبع على النفط الخام الروسي الاثنين الماضي. لكن روسيا شددت على أنها لن تصدِّر نفطها وفق شروط تخالف قواعد السوق. فكيف ستؤثر حرب أسعار النفط الروسي على سوق الطاقة العالمي؟ وهل تتأثر الأسعار في 2023 حال ما قررت روسيا خفض إنتاجها ردا على قرار التسقيف؟ وما مدى تأثر موقف الدول المستوردة للنفط بهذه القرارات؟
إنتاج روسيا من النفط
تستمد روسيا قوتها عالميًا في مجال الطاقة من حجم إنتاجها اليومي من النفط. حيث تسيطر موسكو على ما يقارب الـ 10% من الإنتاج العالمي، الذي يُغطي كامل احتياجات الدول الصناعية، وتلك المستوردة لكامل استهلاكها من السوق العالمي.
وفي يونيو الماضي، ارتفع إنتاج روسيا من النفط بنحو 5% ليصل إلى نحو 1.46 مليون طن يوميا، أو ما يعادل 10.7 مليون برميل يوميا، وهو معدل ضخم للغاية كأحد أكبر المنتجين للنفط في العالم.
وجاء ارتفاع الإنتاج الروسي من النفط منتصف 2022، بعدما سجل حجم إنتاج النفط الخام في مايو/ أيار الماضي حوالي 9.273 مليون برميل يوميا، مقابل 9.159 مليون في إبريل/ نيسان من العام ذاته.
وكانت روسيا تنتج أكثر من 11.3 مليون برميل يوميًا، قبل موافقتها على خفض إنتاجها بأكثر من مليوني برميل يوميًا، في إبريل/ نيسان 2020، ضمن اتفاق مجموعة “أوبك+ أوبك بلس” الذي أقر تخفيضات إنتاج النفط بنحو 10 ملايين برميل يوميًا؛ أي نحو 10% من إنتاج النفط العالمي، عقب تفشي فيروس كورونا.
خسائر اقتصادية مشتركة
وعلى الرغم من قرار تسقيف تسعيرة النفط الروسي، إلا أن دول الاتحاد الأوروبي تُعد المستفيد الأكبر من النفط الروسي على الإطلاق. حيث تُغذي موسكو أوروبا بنحو 40% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي ونحو 27% من احتياجاته من النفط الخام.
يقول جمال الأيوبي الخبير البترولي، إن تحديد سقف لأسعار النفط الروسي سيكون له مرود سلبي على كل من روسيا والسوق الأوروبي. ذلك بالنظر للتبعات المحتملة للقرار في إحداث أكثر من سعر للنفط المُباع عالميًا سواء من روسيا أو باقي الدول المصدرة. وبالتالي سيكون هناك مزيد من التقلبات السعرية خلال 2023 حال استمرار تطبيق القرار.
ويضيف الأيوبي، لـ”مصر 360″، أنه مع إعلان موسكو عن رفض بيعها للنفط بالتسعيرة المُحددة من الاتحاد الأوروبي، فستكون أوروبا أمام مُعضلة تتعلق بمدى قدرتها على إيجاد سوق بديلة تلبي كامل احتياجاتها خلال الشتاء.
اقرأ أيضًا: حرب بوتين الأخرى بسلاح الطاقة.. كيف تعوّض أوروبا الغاز الروسي؟
ووفق الأيوبي، فإن دول أوروبا لن تتمكن من توفير 27% من احتياجاتها من النفط على الفور. خاصة في ظل التزام منظمة الأوبك بقرار خفض الإنتاج العالمي للحفاظ على السوق العالمي وإضفاء مزيد من الاستقرار على الأسعار.
ويتوقع الخبير الدولي ارتفاع أسعار النفط عالميا خلال ديسمبر الجاري. مع إصرار أوروبا على تحديد سقف لسعر النفط الروسي. وبالتالي ستضطر الدول الأوروبية إلى شراء النفط بالتسعيرة العالمية المتوقع ارتفاعها الفترة المقبلة. ما يعني أنها قد زادت من الأعباء الملقاة على عاتقها خلال الشتاء.
ويلفت الأيوبي إلى أن الخسائر الروسية مرهونة بمدى قدرة الاتحاد الأوروبي على تضييق الخناق على موسكو من أجل تفعيل قرار تسقيف الأسعار بأقل من الأسعار التي تبيع بها موسكو حاليًا، وتكبيدها أقصى خسائر ممكنة. إذ المعروف أن روسيا في الوقت الحالي تبيع نفطها بسعر يكاد يتساوى مع ذات السقف الذي حدده قرار التسقيف الصادر عن الاتحاد الأوربي ومجموعة السبع وأستراليا.
كيف ترد روسيا
يقول رمضان أبو العلا الخبير البترولي إنه من المقرر أن تواجه روسيا أكثر من سيناريو الفترة القادمة بعضها قد يحمل في طياته نتائج إيجابية والأخرى ستعود بالسلب على عوائدها من بيع النفط الخام المملوك لديها.
ويوضح “أبو العلا”، لـ”مصر 360″، أنه من الممكن أن تتفادي موسكو حجم الخسائر التي ترغب أوروبا في إلحاقها بها. ذلك عبر مجموعة من الخيارات التي قد تساعدها بها الدول الصديقة لروسيا. بحيث تقوم بتوريد كامل شحنات النفط إلى أسواق “الصين، تركيا، الهند” التي ستعوض المشتريات الأوروبية. وبالتالي لن تضطر روسيا إلى تخفيض تسعيرة نفطها.
ويلفت الخبير البترولي النظر إلى أن روسيا بإمكانها إحداث تأثير مضاد للسوق العالمي باتخاذ قرار بخفض إنتاجها من البترول الخام (تعطيش السوق). ما يتسبب في إحداث أزمة عالمية على مستوى المعروض بالسوق. وهنا ستقفز الأسعار بمعدل قد يتجاوز مستوياته الحالية.
في حين يحذر أبو العلا من أن روسيا قد تواجه مُعضلة على مستوى عمليات نقل نفطها خارج أوروبا. باعتبار أن بعض شركات النقل الكبيرة قد ترفض نقل النفط الروسي وتأمينه حال عدم خضوع موسكو لقرار الاتحاد الأوروبي بألا يتجاوز سعره الحد الأقصى البالغ 60 دولارًا، من أجل الحد من الإيرادات التي تجنيها موسكو من عمليات التسليم إلى الدول التي لا تفرض حظرًا على نفط روسيا.
مصر والشرق الأوسط
وفق مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول، فإن دول الشرق الأوسط تُعد الخاسر الأكبر في حال استمرار الصراع بين الاتحاد الأوروبي وروسيا، بسبب اعتمادها الكامل على نفط روسيا.
ويقول إن محاولة أوروبا الإضرار بالوضع المالي لروسيا لا يؤثر على موسكو فقط. فالاقتصاديات الهشة تُعاني من العقوبات التي تُفرض على روسيا، باعتبارها تؤثر بشكل مباشر على السوق العالمي كما يحدث الآن على مستوى النفط.
ويلفت إلى أن تفعيل حظر بيع نفط روسيا داخل أوروبا بسعر أعلى من 60 دولارًا، قد يتسبب على المدى القريب والمتوسط في تقليص حجم الإنتاج الروسي بالسوق. وبالتالي سيكون هناك احتمال لارتفاع أسعار النفط. وحينها ستعاني الاقتصادات المستوردة للنفط خاصة في الشرق الأوسط باعتبارها السوق الأقرب إلى أوروبا.
اقرأ أيضًا: قرار أوبك+ بخفض الإنتاج.. حين يكون النفط لاعبا رئيسيا في الجغرافيا السياسية
ومصر باعتباها إحدى الدول المستوردة للنفط الخام من الخارج، بكميات قد تصل إلى حدود 25% من احتياجات السوق، ستعاني مع أي ارتفاع على مستوى الأسعار في فاتورة استيرادها الشهرية من وقود الخارج.
لكنه يشير إلى صفقات عقدتها مصر بعقود متوسطة وطويلة الأجل مع بعض الدول لاستيراد جانب من احتياجاتها النفطية من خلال عقود لعدة سنوات. وهنا قد تكون الدولة في مأمن لبعض الوقت من التقلبات السعرية في السوق العالمي حاليًا.
يقول نائب رئيس هيئة البترول إن السوق المحلية في مصر نجحت في حل مُعضلة الغاز الطبيعي التي عانت منها لسنوات. لكن لا تزال احتياجاتها النفطية تؤرقها بعض الشيء، نتيجة عدم الوصول حتى الآن إلى اكتشافات نفطية قادرة على سد حاجة السوق من المنتجات البترولية.
مصير شركات التنقيب
ويضيف يوسف أن تسقيف أسعار شراء صادرات النفط من روسيا، ربما قد يطيل عمر عمل شركات البحث والتنقيب خلال الفترة المقبلة؛ حال استمرار تفعيل القرار لفترة طويلة. وبالتالي سيتأثر مستقبل استثمار شركات التنقيب في أوروبا بشكل حتمي بسبب الأسعار المزدوجة هناك.
أما في الشرق الأوسط سيبقى الأمر مرهونًا بقوى العرض والطلب، بحسب نائب رئيس هيئة البترول. لأن ضخ استثمارات جديدة لرفع الطاقة الإنتاجية من الآبار النفطية سيحتاج إلى عناية دقيقة تكون قادرة على تشكيل رؤية مستقبلية للأوضاع في السوق العالمي. ومع ذلك تبقى القرارات والأحداث المفاجئة التي تؤثر على مختلف الدول مُعضلة لا تستطيع استراتيجيات الشركات الاستثمارية تجاوزها بسهولة.
إن ما يتعرض له السوق العالمي منذ بداية عام 2020 فيما يتعلق بجائحة كورونا وما تلاها من حرب روسيا وأوكرانيا يضفي مزيدًا من الغموض حول مستقبل الاستثمار في مجال الطاقة. خاصة في المناطق القريبة من النزاعات.
ومحليًا، قد لا تتأثر شركات البحث والتقنيب. لأن مصر حتى الآن لا تزال بحاجة إلى كميات كبيرة من النفط لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود. وبالتالي هي بحاجة إلى مزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال للتوصل إلى آبار نفط جديدة، وفق نائب رئيس هيئة البترول.