تشهد شركات التكنولوجيا حول العالم موجات تسريح موسعة للعاملين فيها في إطار الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم. ورغم اختلاف أسباب الاستغناء عن العمالة، من إعادة هيكلة إلى محاولة تخفيض الخسائر، أو حتى تباطؤ النمو والتشديد النقدي أو ارتفاع التضخم. إلا أن موجة تسريح العاملين لم تفرق بين شركة وأخرى بداية من Byju’s وUnacademy وZomato إلى Google وCisco وTwitter وAmazon. حتى وصل الأمر إلى عملاق التواصل الاجتماعي “فيسبوك” التي أعلن رئيسها التنفيذي، مارك زوكربيرج، طرد 11 ألف موظف من العاملين فيها أو ما يعادل 13% من القوة العاملة في “ميتا” الشركة الأم.
اقرأ أيضا.. ملفات خاصة| عودة “الخصخصة”.. إنقاذ أم تأزيم للاقتصاد والمجتمع في مصر؟
حمى استغناء
بعض الشركات عند الوقوع في أي أزمة مالية أو تشغيلية، لا تفكر إلا في تخفيض العمالة كأحد أهم سبل تخفيض النفقات. إذ أن شركة مثل “فيسبوك” رأت أن خفض التكاليف وتقليص الميزانيات والامتيازات، لن تكفي لموازنة النفقات مع العائدات، واعتبرت أن الحل الوحيد اتخاذ قرار “صعب” بالاستغناء عن العمالة.
شركة “Cisco” أعلنت تسريح أكثر من 4 آلاف موظف أو 5% من قوتها العاملة كجزء من خطتها “لإعادة الهيكلة”. وفي التوقيت ذاته قررت شركة التجارة الإلكترونية “أمازون” فصل نحو 10 آلاف موظف على مستوى العالم، على أن يتم إعلان العدد الكلي للمفصولين مطلع العام المقبل 2023، بعد إغلاق الباب أمام برنامجها للاستقالة الطوعية الذي ينتهي بنهاية الشهر الجاري.
عملاق التكنولوجيا في العالم “جوجل” قررت تسريح 10 آلاف موظف بينما سرحت “تويتر” 3700 موظف أو ما يعادل نصف القوى العاملة لديها. كذلك قررت خدمة بث الأغاني “ساوند كلاود” أن تخفض حوالي 20% من قوتها العاملة العالمية. كما أعلنت شركات مثل Stripe و DocuSign وVimeo وShopify و”نتفليكس” وCoinbase و”سناب شات” و”Zillow” تسريع أعداد كبيرة من موظفيها.
براد جيرستنر، المدير التنفيذي لشركة “التيميتر كابيتال”، قال إن وادي السيليكون يسود فيه اعتقاد كبير حاليا بأن الشركات من “جوجل” إلى”ميتا” إلى “تويتر” وحتى “أوبر”، يمكن أن تحقق مستويات مماثلة من الإيرادات مع عدد أقل بكثير من العمالة. بجانب اعتقاد آخر بأن تقليص العمالة في شركات التكنولوجيا يزيد كفاءة الشركة بنسبة 20%.
سويفل المصرية
شركة النقل التشاركي “سويفل هولدينجز”، المصرية المقيدة في بورصة ناسداك بأمريكا، تعتزم هي الأخرى تسريح عدد كبير من موظفيها في أسواق مصر، ودبي، وباكستان، للتحول إلى الربحية وخفض النفقات. وبحسب الشركة فإن ذلك يأتي في ظل سقوط السهم عن مستوى دولار واحد، ما جعل الشركة قريبة من الشطب من البورصة الأمريكية.
“سويفل” خفضت عدد الموظفين بنسبة 32% كجزء من الجهود المبذولة لتحويل التدفق النقدي إلى الإيجاب بحلول العام المقبل 2023. كذلك المحاولة في توفير النفقات لإنقاذ الوضع المالي للشركة، خاصة في ظل الخسائر التي يشهدها السهم في الآونة الأخيرة.
ويقول موقع “أتلانتيك” إن شركات التكنولوجيا أصيبت بالصدمة بسبب التضخم في فترة ما بعد جائحة كورونا وارتفاع أسعار الفائدة، وهو ما نتج عنه تسريح جماعي للعمال عبر شركات كان يبدو قبل سنوات قليلة أنه لا يمكن إيقافها تماما.
وبحسب “أتلانتيك” يرى البعض أن أزمات شركات التكنولوجيا مجرد استراحة بين العصور التكنولوجية المختلفة مع الانتقال السريع من عصر المتصفح إلى عصر مواقع التواصل الاجتماعي “سوشيال ميديا”، وتطبيقات الهواتف الذكية والعالم الافتراضي الموازي “ميتافيرس” ما يعني أن تسريح العمال هي استراحة قبل الانتقال لعصر جديد.
جبان فوق المعتاد
بحسب كريم هلال، رئيس مجلس إدارة شركة “سيكونس فينشرز” فإن التحديات الاقتصادية التي شهدتها دول العالم ومن ضمنها مصر أثرت سلبا على أحجام الاستثمار في شركات التكنولوجيا، خاصة أن شركات التكنولوجيا تنتمي إلى ما يعرف بـ”رأسمال المخاطر”، فرأس المال أصبح جبانا أكثر من المعتاد.
لكن “هلال” يعود ليؤكد أن هناك صناديق استثمار ما زالت تراهن على القطاع التكنولوجي باعتباره العالم الجديد للمرحلة القادمة، والقطاع المصرفي بقيادة البنك المركزي كان من أبرز الأسباب التي دفعت الصناديق للتسابق على الدخول بالشركات التكنولوجية، بعد أن قرر تحقيق التحول الرقمي على جميع البنوك واستخدام تكنولوجيا الفنتيك أي التكنولوجيا المالية.
بعض شركات التكنولوجيا لديها نفس توقعات شركة “سيكونس فينشرز ” وتراهن حاليًا على تحويل الأزمات لمكاسب والتوسع في التشغيل مثل شركة بايلون لحلول الطاقة الذكية التي تعتقد بأن ارتفاع أسعار الطاقة ستشجع المواطنين على استخدام برامج حديثة لمراقبة الاستهلاك مما يفتح الباب أمام ظهور أسواق جديدة ومنها مصر لاستيراد برامج التحليلات اللازمة لعمليات الترشيد.
يقول أحمد العطيفي، محلل أسواق المال، إن الشركات التكنولوجيا حققت أرباحًا عالية خلال السنوات الثلاث الماضية، بسبب تداعيات جائحة كورونا والتباعد المنزلي، وانتعاش الطلب على تلك الخدمات. لكنه أضاف الآن ومع عودة الحياة، وفي ظل الاقتصاد الذي يعاني وارتفاع التكاليف بدأت الأرباح تنخفض، وظهرت مشكلة كبيرة في الإيرادات ما يتطلب تقليص الإنفاق.
كذلك أوضح أنه خلال الثلاثة أشهر الأولى من 2021، قفزت إيرادات كبرى الشركات الأمريكية مثل أمازون وأبل وفيسبوك ومايكروسوفت وآلفابيت المالكة لمحرك البحث جوجل، بنسبة 41% إضافية لتصل إلى 322 مليار دولار.
“العطيفي” أرجع تسريح العمالة لعدم كفاية الإيرادات والأرباح لحجم الرواتب ما يجعل الحفاظ على الشركة مرتبطًا بتخفيض تلك الرواتب ثم تخفيض العمالة نفسها. لكنه رجح أن تتخذ أسهم شركات التكنولوجيا هبوطا مؤقتا مع معاودة الصعود بقوة منتصف 2023 بعد إشارات تعافي الاقتصاد العالمي المتوقعة في الربع الأول من 2023، لأن الأسهم دائما تسبق الأحداث.