في حوار سابق لوزير النقل كامل الوزير، قال إنه يحلم بامتلاك مصر موان أفضل من ميناء جبل علي الإماراتي. وهو حلم يبدو أن معرقله الأكبر مواني دبي. وهذا ما أكده الإعلامي والكاتب القطري جابر الحرمي، في تغريدة له عبر “تويتر” في مارس/آذار 2019. ففي الوقت الذي طُردت فيه دبي من إدارة مواني الصومال وجيبوتي، وواجهت معارك المنافسة في ميناء مومباي الهندي وموان أفريقية أخرى، تحكم الإمارات سيطرتها على قناة السويس لتحييدها وإخراجها من منافسة موانيها. وذلك كله “كي تتحكم في القرار المصري”، كما يقول الحرمي.
كذلك، يقلق التفسير نفسه لأداء الإمارات فيما يتعلق بإدارة المواني العالمية محللين في مصر. وقد تصاعدت تحذيرات بعضهم من التفريط في ملكية المواني المصرية التي عدّوها أحد محددات الأمن القومي، مع عزم الحكومة المصرية على دمج أكبر 7 موان في شركة واحدة، تمهيدًا لطرحها في البورصة. وهو سعي أكده رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمر صحفي الأحد الماضي.
أصول الدولة والقطاع الخاص
في نهاية إبريل/نيسان الماضي، كلف الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة. على أن يستهدف 10 مليارات دولار سنويًا. وذلك لمدة 4 سنوات، بقيمة إجمالية 40 مليار دولار. وهو ما تسعى الحكومة من خلاله إلى زيادة نسبة القطاع الخاص في الاستثمارات المنفذة إلى 65% خلال 3 سنوات، مقارنة بنحو 30% هي النسبة الحالية.
وتحاول الحكومة جمع نحو 5.7 مليار جنيه من حصيلة بيع هذه الأصول في الموازنة العامة للعام المالي 2022/ 2023. وهذا أقل من موازنة العام الجاري، بنحو 3.22 مليار جنيه، والتي بلغت 9.017 مليار جنيه.
وزير قطاع الأعمال، هشام توفيق، صرح لوكالة “رويترز” الأسبوع الماضي، أن مصر ستبدأ طرح الشركات الحكومية في البورصة ابتداءً من شهر سبتمبر/أيلول المقبل. موضحا أن قرار تأجيل طرح الشركات إلى سبتمبر يتزامن مع انتهاء فترة العطلات الصيفية للمستثمرين.
اقرأ أيضًا: لماذا تستهدف الإمارات شركات المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية؟
هل نحن بحاجة لطرح المواني؟
وبينما تتوقع الحكومة أن يحظى طرح المواني باهتمام المستثمرين المحليين والأجانب. ذلك لأهميتها الاستراتيجية. يحذر بعض المحللين من التفريط في ملكية هذه المواني. إذ تعد أحد محددات الأمن القومي.
أحد هؤلاء الذين حذروا من من برنامج الطرح الحكومي للمواني أمام القطاع الخاص المهندس وائل قدور، خبير النقل البحري وعضو مجلس إدارة قناة السويس السابق. يقول -في تصريحات لـ”مصر “360- إن موقع مصر الاستراتيجي قد يكون مطمعًا أمام بعض الجهات والمؤسسات الإقليمية التي ستسعى للسيطرة على المواني المصرية، وهذا ضد مصلحة مصر.
يرى قدور، أنه لا داعِ لخصخصة المواني المصرية. بل يمكن منح إدارتها لبعض الجهات والمؤسسات الدولية. ذلك على غرار مينائي السخنة، الذي تُديره هيئة موانئ دبي، وميناء شرق بورسعيد، وتُديره شركة ميرسك العالمية.
ووفق هذه الرؤية، يمكن بيع حق استغلال الطرق التي شيدتها الحكومة خلال السنوات الماضية، أو بيع حق استغلال قطار المونوريل. إنما أن تبدأ الحكومة برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتفريط في أهم ما تملكه، فهذا شيء مقلق، على حد قول عضو مجلس إدارة قناة السويس السابق.
“ليس هناك تفريطًا بالمواني”
في المقابل، لا يرى الدكتور علي الإدريسي، عضو الجمعية المصرية للتشريع والاقتصاد، أن هناك تفريطًا في المواني المصرية. وهو يرى أن الطرح الحكومي يساعد في توسعة قاعدة الملكية. وأنه لا يعني انتقال الإدارة من قبضة الحكومة المصرية.
ويُوضح لـ”مصر 360″، أن اتخاذ القرارات وغيرها من المهام المنوطة عملها بالمواني ستكون في يد الحكومة. فلا يمكن أن تفرط فيها.. “فيه حكومة تبيع موانيها؟ بالتأكيد لأ”.
وحول تكرار أزمة تجربة ميناء العين السخنة، يرد الإدريسي، بأنه على الحكومة تدارك الأخطاء التي وقعت فيها، وعدم تكرارها. مشيرًا إلى بدء حوار بين هيئة محور قناة السويس التابع لها ميناء السخنة وبين هيئة مواني دبي. وذلك لحل أزمات الميناء والبدء في عملية التطوير.
ومنذ أن حصلت هيئة مواني دبي على حق استغلال إدارة ميناء العين السخنة في 2008، وهو يعاني من أزمات في تكدس الشحنات ونقص في معدات الإنزال، وصغر حجم غاطس الميناء ما جعله غير قادر على استيعاب سفن الحاويات الكبرى وحتى متوسطة الحجم.
ما هي أكبر المواني المعدّة للطرح؟
تمتلك مصر نحو 15 ميناء تجاريًا، أبرزها مواني الإسكندرية والدخيلة ودمياط وشرق وغرب بورسعيد على البحر المتوسط شمالًا. بالإضافة إلى سفاجا والأدبية والسخنة والسويس على البحر الأحمر شرقًا. وقد بلغت معدلات تداول البضائع في المواني المصرية خلال العام 2021 نحو 162.7 مليون طن. ذلك مقارنة بـ156 مليون طن خلال العام 2020.
وحقق ميناء الإسكندرية معدلات تداول للبضائع تصل إلى 55.6 مليون طن. بينما سجل ميناء دمياط 32.7 مليون طن. فيما تداولت مواني شرق وغرب بورسعيد، والسخنة حوالي 63 مليون طن. ذلك وفقًا لبيانات هيئة النقل البحري.
وتبلغ الطاقة التصميمة للمواني 170 مليون طن. كما تبلغ الطاقات الاستيعابية لنشاط الحاويات أكثر من 11.5 مليون حاوية.
ويُمثل قطاع خدمات النقل والشحن نسبة 2.5% من إجمالي القيمة السوقية للشركات المُقيدة في البورصة المصرية. ويضم القطاع 3 شركات ذات مساهمة حكومية. وهي: “القناة للتوكيلات الملاحية- العربية المتحدة للشحن والتفريغ- الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع” وشركة واحدة خاصة هي الشركة المصرية لخدمات النقل “إيجيترانس”.
“المواني تحقق أرباحًا كبيرة”
يقول قدور إن الأرقام تؤكد ما تحققه المواني المصرية من أرباح كبيرة. وهو يلفت إلى ضرورة تغيير السياسات الاقتصادية، والاهتمام بقطاع الصناعة. كي نصل بمساهمة قطاع الصناعة إلى النسبة التي كانت عليها في الستينيات. وكانت تبلغ نحو 24% من الناتج القومي، مقارنة بـ17% حاليًا.
كما يعتقد أن هناك تلاعبًا في بعض الأرقام التي ذكرها رئيس الوزراء حول إجمالي صادرات الغاز الطبيعي تحديدًا. ويرجع ذلك إلى رغبة المسؤولين في تقليل العجز النقدي بين حجم الناتج المحلي وبين إجمالي الدين العام “المحلي – الخارجي”، لأقل من نسبة 90% للسماح لهم بالاقتراض من صندوق النقد الدولي.
في المقابل، يرى الإدريسي أن عمليات طرح المواني والفنادق ستسهم في زيادة رأس المال والاستثمار في تلك القطاعات. ما سيكون له أثر إيجابي على السوق المصري وعلى عمليات تدفق رأس المال الأجنبي في مصر.
ويُضيف، أن ذلك سيسهم في مد الحكومة المصرية بسيولة نقدية من العملة الأجنبية، في وقت هي في أشد الاحتياج له. خاصة بسبب الظروف الاقتصادية العالمية. متابعًا أن توسعة قاعدة الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال إنشاء مشروعات صناعية أو تجارية حقيقية أمر لا تسمح به الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية.
لذا تلجأ الحكومة إلى الاستثمار الأجنبي في المشروعات القائمة، عبر توسعة قاعدة الملكية، وفقًا للإدريسي. وهو يشير إلى ما لقرارات رفع الفائدة سواء من جانب الفيدرالي الأمريكي أو المركزي المصري من تبعات على الاستثمار المحلي والأجنبي. إضافة لضبابية المشهد الاقتصادي حاليًا.
ويُتابع أن مؤشرات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا سجلت “سالب” لأول مرة منذ فترة طويلة. لذا تضطر الحكومة إلى طرح بعض أصولها في البورصة والأسواق المالية.
اقرأ أيضًا: كيف استغلت الإمارات أزمة مصر المالية للاستحواذ على أصول ضخمة؟
هل تحتاج المواني المصرية للاستثمارات؟
تُوضح الباحثة شيريهان محمد علي، مدرس مساعد بكلية النقل الدولي واللوجستيات بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، أن المواني المصرية تُعاني عددًا من الأزمات المعقدة. أبرزها عدم التنوع وقلة حجم الغاطس بالمواني، والذي يصل متوسطه إلى 13 مترًا فقط. ما يُقلل فرص استقبال السفن والحاويات كبيرة الحجم وحتى المتوسطة. ذلك في ضوء زيادة أحجام السفن.
وتُضيف في دراسة أعدتها عام 2018 حول دور التكنولوجيا في المواني المصرية، أن أبرز المعوقات أمام تطور المواني هي وجود بعض القوانين المعقدة. حيث باتت لا تتناسب مع الفترة الحالية. لذا يجب تحديث البنية التشريعية في قطاع النقل البحري.
وتُتابع: هناك تباين في الاهتمام ببعض المواني مقارنة بموان أخرى. حيث يتم الاهتمام بمواني وأرصفة سفن البترول. ذلك مقارنة بتدهور وإهمال مواني الصيد تمامًا. وتضيف: أن هناك كذلك مشاكل تتعلق بالعمال. إذ لا توجد مراكز تدريب كافية ولا وسائل إنقاذ تحميهم. إضافة إلى أن مراكز السلامة البحرية ليس لديها الصلاحيات الكافية للتفتيش وتأمين السلامة.
وتُشير شيريهان محمد علي، إلى أن القطاع يحتاج إلى إنشاء مراكز رئيسية للإنقاذ لتكون في خدمة مواني البحر الأحمر والمتوسط. إضافة لضرورة استغلال المواقع الفريدة للمواني، وعدم الاكتفاء بأن تكون المواني معدة للحاويات فقط. بل يجب أن تتنوع خدماتها.
لماذا لم تتطور المواني المصرية؟
إن سيطرة مواني دبي على ميناء العين السخنة، منذ عام 2008، حرم الميناء من التطوير لأكثر من 13 عامًا. وتقلصت أعمال الشحن والتفريغ. فضلًا عن تقليل أعداد العمالة. وهو ما يثير التشكك حول تعمد هذا حرصًا على منطقة جبل علي في دبي.
وتتحكم مواني دبي الإماراتية في 7 مواني بمدخل البحر الأحمر وقناة السويس. وبالتالي، فإنها لن تسمح لمصر بتطوير موانيها. خاصة مع اقتراب نهاية عصر البترول. لذا سيبقى ميناء جبل علي هو الباقي للدولة الخليجية.
في النهاية، إذا كانت الحكومة المصرية راغبة في طرح موانيها للاستثمار أمام القطاع الخاص، فيجب عليها الحذر من منافسيها الإقليميين المباشرين. وعلى رأس هؤلاء كلهم دبي.