تعتزم الحكومة إعلان الاستراتيجية الوطنية لإنتاج الهيدروجين بداية مارس/ آذار المقبل. ذلك بعد أن تسلمت المسودة النهائية للاستراتيجية من الاستشاري المسئول عن إعدادها. الأمر الذي يُمكن الدولة من التوسع في مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر بالسوق المحلية السنوات القادمة.
وكان مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، وجه بعقد اجتماعات دورية بين الجهات المعنية بالدولة، ممثلة في وزارتي الكهرباء والطاقة المتجددة، والبترول والثروة المعدنية. ذلك لمراجعة الاستراتيجية التي تسلمتها الحكومة مؤخرا، تمهيدًا لإعلانها في موعد أقصاه الأسبوع الأول من شهر مارس/ آذار المقبل.
تستهدف الحكومة من الاستراتيجية الجديدة للهيدروجين، دعم وتوسيع نطاق إنتاجها مستقبلًا، والاتجاه للتصدير للخارج. وكانت أعلنت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنها تستهدف زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بما بين 10 مليارات و18 مليار دولار بحلول 2025. ذلك في إطار الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر التي تستهدف الاستحواذ على 8% من سوق الهيدروجين عالميًا.
فهل تكون الاستراتيجية وحدها كافية لتجعل من مصر مركزًا إقليميًا وأكبر مُصدر للهيدروجين إلى أوروبا مستقبلًا؟
لماذا الهيدروجين؟
بات الهيدروجين الأخضر هو الملف الأكثر طرحًا على ساحة الاقتصاد الأخضر والتنمية المستدامة خلال الوقت الراهن. حيث أعلنت العديد من الدول، بما فيها مصر عن مبادرات لمشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر. وقالت الحكومة إنها ستواصل الإعلان عن مزيد من المشاريع المتعلقة بهذا النوع من التحول في الطاقة. ذلك كجزء من مبادرة وطنية تهدف إلى دمجه في استراتيجية الطاقة 2035.
ودفع التوجه العالمي نحو الهيدروجين الأخضر، الحكومة إلى السعي نحو إطلاق خطة وطنية لإنتاج الهيدروجين، بقيمة 40 مليار دولار. ذلك في ظل توافر كميات من الطاقات الجديدة والمتجددة التي تُعد عنصرًا أساسيًا -إلى جانب المياه- في توليد الهيدروجين الأخضر. وأظهرت مصر اهتمامها بهذه الطاقة في فعاليات قمة المناخ Cop-27 التي أقيمت نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
والهيدروجين الأخضر نوع من الوقود الناتج عن عملية كيميائية، يستخدم فيها تيار كهربائي ناتج عن مصادر متجددة -شمس أو رياح- لفصل الهيدروجين عن الأكسجين في الماء. وبالتالي تصبح طاقة ناتجة دون انبعاث ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي والمسبب للاحتباس الحراري.
اقرأ أيضًا: بيع الطاقة النظيفة للقطاع الخاص| أي تأثير على إنتاج الهيدروجين الأخضر؟.. تساؤل حول الأولويات
العامل الآخر المشجِّع على التحول نحو الهيدروجين الأخضر، هو اعتماده على مصادر الطاقة المتجددة. ومن هنا يكون استخدام الفائض الكهربائي في إنتاج الهيدروجين الأخضر، بديلًا عن اللجوء للتخزين. وهو ما يحقق هدفين؛ الأول تحقيق أمان استراتيجي من المخزون، والثاني تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ثمة مشجِّع آخر للتحول نحو إنتاج الهيدروجين الأخضر. وهو انخفاض تكاليف الكهرباء الناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة (الشمس والرياح)، والتي بدروها تزيد اهتمام الدول بالهيدروجين الأخضر. هذا بالإضافة إلى أن الهيدروجين يحتوي على ما يقرب من ثلاثة أضعاف الطاقة التي يحتويها الوقود الأحفوري. ما يجعله أكثر كفاءة، وفقا لمقالة نشرتها كلية كولومبيا للمناخ. ويمكن أيضًا اعتباره مضاعف للكهرباء. فمع بعض الماء وقليل من الكهرباء، يمكنك توليد المزيد من الكهرباء أو الحرارة. كما أنه متاح على نطاق واسع.
مُحددات الاستراتيجية
ورغم اهتمام الحكومة ببرامج الهيدروجين. إلا أنها لم تتمكن من إعلان الاستراتيجية الجديدة مبكرًا، وتحديدًا خلال قمة المناخ الماضية التي استضافتها مدينة شرم الشيخ. حيث استغرق إعداد المسودة الخاصة بها من قبل الاستشاري العالمي، وقتًا طويلًا.
وفي يوليو/ تموز 2021، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي بإعداد استراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مصر. وبدأ السعي نحو البحث عن استشاري عالمي لإعدادها. وهو الأمر الذي استغرق وقتًا طويلًا لتحديد الاستشاري والوقوف على مُحددات الاستراتيجية التي تتضمن القدرات المطلوبة وجميع الخطط والمشروعات المرتقب طرحها وتنفيذها وأساليب التنفيذ. سواء عن طريق المشاركة بين القطاعين العام والخاص أو “نظام البناء والتملك والتشغيل” المعروف اختصارا بنظام الـ (BOO)، أو تولي المستثمر والقطاع الخاص تنفيذ وتمويل المشروع وبيع الطاقة المنتجة منه، إلى جهات يبحث عنها المستثمر أو يتم التصدير منها للخارج، وفق مصادر من داخل وزارة الكهرباء والطاقة.
هل الاستراتيجية كافية؟
ومن المتوقع أن تقدم الاستراتيجية المزمع الإعلان عنها، خارطة طريق لكيفية تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر. حتى يكون قادرًا على المنافسة عالميًا، والتوسع في استثمارات إنتاجه. لكن رُبما لن تكون الاستراتيجية وحدها قادرة على تحقيق التطور المرجو في تحويل مصر إلى مركز للتصدير الخارجي، وفق رمضان أبو العلا، أستاذ هندسة البترول والطاقة.
يضيف أبو العلا أن التحول إلى مركز لتصدير الهيدروجين يحتاج إلى طفرة حقيقية على مستوى توفير كميات الطاقة النظيفة والمياه اللازمة لتشغيل المشاريع المستهدفة. وفي حين أن هناك قدرات متاحة على الشبكة القومية من الطاقة النظيفة. إلا أنها تُمكن فقط من توليد كميات مُحددة من الهيدروجين. وبالتالي، لابد من تنفيذ محطات عملاقة للطاقة النظيفة ومحطات تحلية في المناطق التي سيُنفذ بها مصانع الهيدروجين الأخضر. وذلك حفاظًا على استمرارية الإنتاج السنوات القادمة.
نقل وبنية تحتية وتمويل
الاستراتيجية الوطنية دون الاستثمارات والتمويلات الأجنبية لن تُجدي وحدها في تحقيق ما هو متوقع. وبالتالي، لابد من إجراء سلسلة مكثقة من المباحثات الثنائية والمشتركة مع كبريات الكيانات الدولية الرائدة في هذا المجال لتحفيزها على دخول السوق المصرية، وتهيئة المناخ الاستثماري المحفز لهم، لإقناعهم بالدخول إلى السوق في مصر واستغلال الفرص المتاحة به.
وقال أبو العلا، إن متطلبات التحول إلى مركزي إقليمي لتصدير الهيدروجين، كما حدث مع الغاز الطبيعي، تقوم على تطوير البنية التحتية القائم عليها إنتاج الهيدروجين. وذلك بما يشمل “طرق نقل، والأسواق التي يورد إليها الإنتاج، والتوسع في إنتاج الطاقة النظيفة، وتوفير المياه المحلاة اللازمة، وتدبير التمويلات والاستثمارات اللازمة، وتحويل مذكرات التفاهم الموقعة خلال Cop-27 إلى اتفاقيات نهائية سارية”.
اقرأ أيضًا: التحول للهيدروجين الأخضر.. كيف تتعامل الحكومة مع تحدي توفير المياه؟
تأخر تنفيذ مُبرر
يستغرق تنفيذ مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر وقتًا طويلًا، باعتبار أنه لا بد وأن تتم إقامة مشروعات قبل البدء في إنتاج الهيدروجين، وفق مصدر بإحدى الشركات التي وقعت مذكرات تفاهم مع الحكومة خلال Cop-27.
ووفق المصدر ذاته، فإن الوصول إلى مرحلة من إنتاج الهيدروجين لن يكون قبل عدة سنوات. الآن يتم تحديد مناطق تنفيذ بعض المشروعات باستثناء تلك المُحدد لها المنطقة الاقتصادية. ثم ستبدأ مرحلة أخرى وهي بناء محطات الطاقة النظيفة وتحلية المياه اللازمة لتشغيل مصانع الهيدروجين وفق القدرات التي ستُحددها كل شركة بالتنسيق مع الحكومة.
خطوات التحول إلى مركز لتصدير الهيدروجين ليست بالأمر السهل مثلما يرى البعض. فالاستراتيجية نفسها استغرق تنفيذها وقتا طويلا. حيث عكفت الحكومة على إعدادها منذ 2021. وكان من المتوقع أن تكشف عنها خلال قمة Cop-27 في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. لكن حتى الآن لم تُعلن. وإن كانت الحكومة قد بادرت بتوقيع اتفاقيات إطارية مع عدد من الشركات العالمية لإنشاء مشروعات للهيدروجين والأمونيا الخضراء خلال قمة المناخ الأخيرة في شرم الشيخ.
قمة المناخ وغيرها من المؤتمرات الداعمة للتحول نحو الهيدروجين وخفض الانبعاثات من شأنها أن تكون بمثابة ساحة لمصر والبلدان الأخرى الناشئة في هذا القطاع لدفع الدول الغنية لتقديم الدعم لها. وكذلك تحفيز جهات ومؤسسات التمويل الدولية على توفير الاستثمارات اللازمة لتلك الدول على التوسع في تلك المشروعات بأسرع وتيرة ممكنة.
منتدى الهيدروجين المتجدد
وتكللت جهود الحكومة الفترة الماضية بالنسبة لمشروعات الهيدروجين الأخضر بإطلاق المنتدى العالمي للهيدروجين المتجدد بالشراكة مع بلجيكا. والذي تم الإعلان عنه خلال فعاليات قمة المناخ Cop-27، والذي يهدف لإنشاء منصة دائمة للحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة للهيدروجين والقطاع الخاص والمنظمات ومؤسسات التمويل العاملة لتنسيق السياسات والإجراءات.
كما سيعمل المنتدى على خلق ممرات للتجارة في الهيدروجين بما يساعد في الإسراع من وتيرة الانتقال العادل الذي يصبو إليه الجميع بالنسبة للطاقة البديلة.
ووفق وزير الكهرباء محمد شاكر، فإن المنتدى سيسهم في خفض الانبعاثات الكربونية والإسراع نحو الانتقال للطاقة المُتجددة، والاستفادة من المنافع البيئية والاجتماعية والاقتصادية التي يوفرها الاقتصاد العالمي للهيدروجين الأخضر. ذلك إضافة إلى تحديد أفضل الأدوات التي تُسهم في تعزيز تجارة الهيدروجين الأخضر العابرة للحدود بين الدول النامية الغنية بالطاقة المُتجددة والدول المتقدمة.