كشف تقرير جديد للبنك الدولي عن انخفاض الإنفاق على مراحل التعليم قبل الجامعي كنسبة من الناتج المحلي تدريجيًا من 2.8% عام 2016 إلى 1.8% عام 2020. أي أقل من نصف النسبة المنصوص عليها في الاستحقاق الدستوري التي تبلغ 4%. حيث ذكر التقرير المعني بمراجعة الانفاق العام على قطاعات التنمية البشرية الذي أصدره البنك أخيرًا، إن انخفاض الإنفاق على التعليم قبل الجامعي تجلى في تراجع الإنفاق الحقيقي على التعليم عند حسابه باستخدام الأسعار الثابتة عام 2010. وذلك بمتوسط سنوي قدره 3% بين عامي 2016 و2020. في حين زاد الإنفاق الاسمي بمتوسط سنوي قدره 11% خلال الفترة ذاتها.
الأسعار الثابتة تقيس الكميات الفعلية من الخدمات المنتجة بالأسعار الثابتة لعام محدد. أما الإنفاق الاسمي فهو مصطلح يشير إلى القياس على الأسعار الحالية التي تشهد تقلبات سعرية، حتى حال ثبات حجم الخدمة كما هي.
ويوضح التقرير أن تكلفة الفرصة البديلة للفجوة السنوية للاستحقاق الدستوري تشير إلى أن قطاع التعليم كان سيحصل على ما مجموعه 700 مليار جنيه على مدار 5 سنوات، لو تم الوفاء بالاستحقاقات الدستورية الخاصة بالتعليم.
الفرصة البديلة هي فائدة كان من الممكن الحصول عليها. لكن تم التخلى عنها لتحقيق هدف آخر. وهو ما يسلط الضوء على أن زيادة الإنفاق على التعليم تدريجيًا يمكن أن تحدث تأثيرًا طويل الأجل نحو معالجة نقص الموارد في التعليم.
مصر تتأخر عن نظرائها
يقول التقرير إن مصر تتأخر تدريجيًا عن نظرائها الدوليين في الإنفاق على التعليم، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. في حين كان بمقدورها أن تتماشى بصفة عامة مع تصنيف مجموعات المتوسط الدولي لو أنها حافظت على مستوى عام 2016.
وقد اتسعت الفجوة بين مصر وبلدان الشرق الأوسط وإفريقيا من حيث متوسط الإنفاق على التعليم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي (4% في 2020) من 0.7 نقطة مئوية عام 2016 إلى نحو نقطتين مئويتين عام 2020.
أدى عدم كفاية الإنفاق على التعليم إلى تخصيص غالبية الأموال لرواتب العاملين التي تعد أكبر بنود إنفاق وزارة التربية والتعليم بنسبة 92%. وهي تشمل المعلمين وتوفير الموارد البشرية من الإداريين. بينما النسبة المتبقية 8% يتم تخصيص 6% منها للنفقات الجارية، التي تشمل السلع والخدمات بنسبة 5.6% والمنح والإعانات 0.1%.
فروق طبقية
يشير التقرير كذلك إلى أن معدل التحاق الأطفال من الأسر الغنية بمرحلتي رياض الأطفال والثانوية ضعف معدل التحاق نظرائهم من الأسر الأشد فقرًا. فمعدل التحاق أطفال الأسر ذات الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأدنى 22% مقارنة بـ 55% للأسر ذات الوضع الأعلى.
يمكن لأطفال الأسر الغنية الحصول على كم أكبر من الدروس الخصوصية عالية الجودة. ما يتيح لهم فرصًا أكبر للالتحاق بمسار التعليم الثانوي العام. ونتيجة لذلك، تتميز السنوات الثلاث الأخيرة من التعليم الأساسي بانخفاض نسبة الطلاب إلى المعلمين وانخفاض نسبة كثافة الطلاب بالفصول، على نحو أقل مما هو عليه الحال في المراحل الأخرى من التعليم.
اقرأ أيضًا: “التعليم”.. باب الخروج الأول من أزمة مصر الراهنة (1 – 2)
ويستمر طفل واحد من كل طفلين من الأسر ذات الوضع الاجتماعي والاقتصادي الأدنى في التعليم، مقارنة بما يقرب من 90% من الأطفال المنتمية للأسر ذات الدخل الأعلى. بينما لا يكمل حول 48% من أطفال الأسر الفقيرة المرحلة الإعدادية.
70% من طلاب “العاشرة” لا يقرأون
بحسب التقرير، فإن نحو 70% من الطلاب في سن العاشرة لا يستطيعون قراءة نص مناسب لأعمارهم. والأمر أكثر صعوبة حال السؤال عن الفهم.
وتحتل مصر أدنى الشريحة العشرية من البلدان، على أساس النسبة المئوية للطلاب الذين يصلون إلى “الحد الأدنى” للمعيار الاسترشادي العالمي لدراسة الرياضيات والعلوم. ويبلغ من يصلون لذلك الحد نصف الطلاب تقريبًا. بينما يصل ربع الطلاب للمستوى المتوسط.
كما تأتي مصر بعد الإمارات والكويت وقطر والأردن وعمان في اتجاهات العلوم. بينما تأتي بعد الإمارات وقطر ولبنان والأردن في اتجاهات الرياضيات، في المعيار الاسترشادي العالمي لدراسة الرياضيات والعلوم، الذي يتناول اتجاهات دراسة الرياضيات والعلوم في 60 بلدًا لرصد مدى فعاليتها التعليمية.
نقص كبير بالإمكانات
تشير تقديرات وزارة التربية والتعليم إلى وجود نقص في عدد المعلمين يتجاوز 320 ألف معلم. وقد أعلنت الوزارة أنها ستستعين بمعلمين بنظام العقود المؤقتة ممن تقل أعمارهم عن 50 عامًا. ومن غير المعروف الأثر الذي سيحدثه المعلمون الذين سيعملون جزءًا من الوقت على نواتج التعلم، بحسب البنك الدولي.
يبلغ متوسط كثافة الطلاب في الفصول في المرحلة الابتدائية 56 طالبًا، وينخفض بنسبة 38% في المرحلة الإعدادية ليصل إلى متوسط 34 طالبًا في الفصل. ما يجعل 50% من الأسر ذات الدخل الأعلى توجه أبنائها للمدارس الخاصة.
كذلك، فإنه رغم كون التعليم الحكومي مجاني في مصر، تشارك الأسر بشكل كبير في تمويل تعليم أبنائها عن طريق الإنفاق الشخصي من رسوم التسجيل، وشراء الكتب الدارسية، وتكلفة الانتقال، ونفقات المعيشة الأخرى. وهو يمثل في المتوسط 8.3% من إجمالي إنفاق الاسرة و58% من إجمالي إنفاق الأسرة على التعليم.
يقول التقرير إن تكلفة الفرصة البديلة للخل الضائع وانخفاض عوائد التعليم يؤدي لتسرب الأطفال ذوي الدخل الأقل قبل المرحلة الثانوية. إذ أن 83% من الأطفال من الأسر الفقيرة يبدون عدم اهتمام بالتعليم.
التعليم الجامعي
بحسب التقرير، فإن مصر حققت تقدمًا هائلًا في توسيع نطاق إتاحة التعليم العالي على مدار العقود الخمس الماضية. وارتفع عدد الطالب المقيدين بالتعليم العالي بنحو 750 ألف طالب، من 2.6 مليون طالب إلى 3,3 مليون. لكن لا يزال أقل من المتوسط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
اقرأ أيضًا: التعليم في مصر.. هل الأزمة طارق شوقي؟
يشير التقرير إلى اتجاه غالبية الطلاب المقيدين في التعليم العالي إلى الدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية، إلى جانب عمل نسبة كبيرة من خريجي التعليم العالي في وظائف أقل من مؤهلاتهم. ففي عام 2019 كان ثلث الخريجين يعملون بمهن لا تتطلب مهارات عالية.
إنتاج بحثي وإنفاق أقل
شهد إنتاج مصر البحثي زيادة كبيرة على مدار العقد الماضي. إلا أن عدم كفاية التمويل لا تزال عقبة أمام المجال. ففي عام 2020 بلغ عدد الوثائق التي يمكن الاقتباس منها 31 ألف منشور أي أكثر من 3 أضعاف العدد في 2020. ورغم زيادة الكبيرة، فإن أداء مصر من مجال الإنتاج البحثي أقل من أداء معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عند مقارنته بعدد السكان الكبير.
تتفوق مصر في الأداء على معظم البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عدد الجامعات المصنفة ضمن أفضل ألف جامعة في جميع التصنيفات الرئيسية الأربعة. لكنها لاتزال متراجعة عن بلدان المنطقة عالية الأداء مثل إيران وإسرائيل، وأيضًا البلدان الطموحة خارج المنطقة مثل بولندا وتركيا.
وبعد سنوات من التراجع بدأ الإنفاق الحكومي علي التعليم العالي. لكنه لا يزال أقل في البلدان المماثلة في المنطقة.
وفي عام 2020 وصل الإنفاق لـ 0.7% من الناتج المحلي بعد أن كان 0.6% في العام 2019. ورغم ذلك لا تزال نسبة الإنفاق على التعليم العالي بالنسبة لحجم الاقتصاد أقل من مستويات عام 2016. وقد كشف التقرير عن مساهمة الصناديق الخاصة بـ34% بجامعة القاهرة و37% بجامعة الإسكندرية و30% بجامعة عين شمس و32% في جامعة المنصورة.