وجه البنك المركزي البنوك العاملة في السوق المحلية بحصر دقيق لحجم طلبات الاستيراد المتوقعة للأشهر الستة المقبلة، بهدف تحديد حجم الطلب المتوقع على العملة الصعبة. في خطوة تم تأويلها على أنها محاولة استباقية للحيلولة دون تكرار الأزمة الحالية لتكدس البضائع بالمواني.
وشهدت مصر خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، تكدسًا لبضائع قيمتها نحو 14 مليار دولار، قبل أن تفرج الحكومة عن ما قيمته نحو 8.5 مليار جنيه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. مع منح الأولوية في الإفراج عن البضائع للسلع الغذائية، ومكونات التصنيع الغذائي، والأدوية، ومستلزمات الإنتاج.
البنك المركزي قدم توجيهاته الجديدة بصورة شفهية، في اتصالات مع رؤساء البنوك، وهي طريقة جديدة متبعة منذ تولي حسن عبدالله المسئولية، على عكس سلفه طارق عامر، الذي كان يصدرها في صورة خطابات رسمية. وتتضمن التوجيهات وضع قائمة بطلبات فتح اعتمادات مستندية آجلة لمدة 180 يومًا، تنتهي في 17 يونيو/ حزيران 2023، مع استبعاد الشحنات ذات الدفعات المقدمة.
تأتي التطورات الجديدة بعدما استطاعت البنوك توفير الدولار للشحنات الصغيرة المحتجزة في المواني. وبدأت بتوفيره للشحنات التي تقارب 250 ألف دولار، إلى جانب فتح اعتمادات مستندية جديدة لاستيراد مستلزمات الإنتاج، لأول مرة منذ بداية العام، بحسب وكالة بلومبرج.
واردات ضخمة
وقال مسئول كبير بأحد البنوك التي تلقت تعليمات بحصر طلبات الاستيراد المتوقعة، إن هذا الحصر مفيد في معرفة حجم الطلب على الدولار خلال نصف عام على مستوى الواردات. خاصة في ظل المعرفة الدقيقة لمدفوعات الدين والفوائد. ما يعطي تصورًا كاملًا حول الاحتياجات المطلوبة من العملة الصعبة، وكيفية توفيرها.
واستوردت مصر خلال أول 10 أشهر من 2022 منتجات بقيمة 80.7 مليار دولار مقابل 72.6 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من 2021، موزعة بين منتجات بترول بقيمة 6.1 مليار دولار، ومواد أولية من حديد أو صلب بقيمة 4.6 مليار دولار، ولدائن بأشكالها الأولية بقيمة 4.1 مليار دولار، والبترول الخام بقيمة 3.9 مليار دولار، ومواد كيماوية عضوية وغير عضوية بقيمة 3.4 مليار دولار، وقمح بقيمة 3.4 مليار دولار.
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، استوردت مصر خلال الفترة ذاتها أدوية ومحضرات صيدلية بقيمة 3.2 مليار دولار، وذرة بقيمة 2.8 مليار دولار، وفول صويا بقيمة 2.4 مليار دولار، وسيارات ركوب بقيمة 1.6 مليار دولار.
اقرأ أيضًا: كيف تدخل البنك المركزي لإنقاذ الجنيه أمام الدولار؟
وفي 2021، بلغ إجمالي قيمة واردات مصر نحو 89.2 مليار دولار عام 2021 مقابل نحو 70.4 مليار دولار عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 26.6%. وبلغت أعلى نسبة للواردات المصرية طبقًا لدرجة الاستخدام خلال عام 2021 في السلع الوسيطة. حيث بلغت نسبتها 35.2% من جملة الواردات المصرية، ثم السلع الاستهلاكية غير المعمرة بنسبة 18.2% من جملة الواردات المصرية، تليها المواد الخام، حيث بلغت نسبتها 13.2% من جملة الواردات المصرية.
يؤكد المسئول، لـ”مصر 360″، إن البنوك لبت غالبية طلبات الاستيراد بعد التدفقات الدولارية الأخيرة التي دخلت مصر وتحديدًا منذ تبني سعر الصرف المرن في 4 يناير/ كانون الثاني الماضي، والتي كان من أهمها رصد زيادة كبيرة في حصيلة البنوك من النقد الأجنبي من السوق المحلية وحصيلة تحويلات المصريين بالخارج وقطاع السياحة.
بحسب البنك المركزي، فإن سوق صرف الجنيه شهدت تحسنًا بفضل العديد من التطورات أهمها دخول مستثمرين أجانب للسوق المصري مرة أخرى “أموال ساخنة”، بمبالغ تخطت 925 مليون دولار في 3 أيام. كما غطى القطاع المصرفي أكثر من ملياري دولار من طلبات المستوردين المصريين خلال ثلاثة أيام بخلاف تغطية طلبات أخرى لعملاء البنوك المصرية.
وقرر البنك المركزي، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، الإلغاء الكامل لقرار حصر الواردات في نظام الائتمان المستندي والعودة مرة أخرى لقبول مستندات التحصيل في تنفيذ جميع عمليات الاستيراد، والتي تسهل وتيرة الاستيراد من الخارج.
المركزي يتحوط من المخاطر
يقول الدكتور صلاح الدين فهمي، الخبير الاقتصادي، إن البنك المركزي يتبني سياسة، حاليًا، هدفها تحقيق الاستقرار في سوق الصرف وتوفير البضائع في السوق المحلية ولذلك يستهدف الوصول لحسابات دقيقة لحجم الطلب على العملة الصعبة.
يشير فهمي إلى تبني البنك المركزي “المشتقات المالية” أخيرًا كأداة تحوطية، من أجل تحقيق تلك الأهداف، بعدما وجه البنوك بالاستعداد لإطلاق أدوات مشتقات مالية جديدة للعملاء لحمايتهم ضد مخاطر تذبذب سعر صرف العملة لفترة زمنية محددة. بمعنى تحديد سعر للدولار في العقود يتم العمل به بين الطرفين، سواء ارتفع الدولار أم انخفض.
حدد البنك المركزي 5 مشتقات مالية للتحوط ضد مخاطر تذبذب العملة وسعر الفائدة، وأولها “IRS”؛ ويعني المقايضة بين نسبة الفائدة الثابتة والمتغيرة، حيث يقوم أحد الطرفين بتسديد مدفوعات للطرف الآخر بناءً على سعر فائدة ثابت متفق عليه في البداية، إلى جانب “SWAPS” الذي يلزم الطرف المتعاقد بالتنازل عن سلسلة من التدفقات النقدية للطرف الآخر في مقابل سلسلة تدفقات نقدية أخرى منه.
اقرأ أيضًا: هل يزيد تحرير سعر الصرف تنافسية التصدير المصري؟
تتضمن المشتقات أيضًا عقود “FWD”؛ وهو عقد بين طرفين على أصل معين يسلم بوقت لاحق بسعر يتحدد عند التعاقد يسمى سعر التنفيذ بمعايير غير موحدة بين الطرفين. وكذلك (Options)؛ وهو عقد بين المشتري وكاتب الخيارات، ويكون للطرف الذي اشترى العقد الحق في تنفيذه، ويجب على الطرف المصدر أن يكمل العقد عندما يطلب المشتري ذلك.
يقول فهمي إن عقود المشتقات المالية تزيد ثقة المستثمر الأجنبي، فتحديد سعر صرف ثابت لفترة زمنية متوسطة يزيد طمأنته من احتمالية تراجع سعر الصرف مستقبلا أو تعرضه للخسارة لدخوله بسعر رف مرتفع وخروجه بسعر صرف أقل.
يشير إلى أن البنك المركزي لا يريد حاليًا تكرار مشكلة نقص الدولار وتعطل الشحنات في المواني، والتي كان لها سببان؛ أولهما مشكلة تدبير العملة، والثاني الخلاف بين المستورد والحكومة على سعر الصرف في ظل وجود بضائع تم استيرادها وقت تطبيق الدولار الجمركي، والحكومة ارتأت إدخال البضائع من أجل زيادة المعروض بالسوق وحل المشكلة مع المستوردين.
وتسعى الدولة منذ شهور لتحديد دقيق لفاتورة الاستيراد وتقليص السلع التي تراها غير ضرورية. ووضعت الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات التابعة لوزارة التجارة والصناعة المصرية في إبريل/ نيسان الماضي قائمة تضم منع دخول منتجات مئات المصانع والعلامات التجارية إلى السوق المصرية لمخالفتها القرار الوزاري رقم 43، الذي ينص على ضرورة إنشاء سجل للمصانع والشركات مالكة العلامات التجارية المؤهلة لتصدير المنتجات بهيئة الرقابة.