بينما يظل المغاربة ملتزمين بالقضية الفلسطينية، كما ظهر بوضوح في مونديال قطر الذي اختتم فعالياته مؤخرا، استمرت العلاقات المعززة بين الدولة العبرية والرباط، والتي شهدت خلال العامين الماضيين، تكثيفا لنشاط الحفاظ على التراث اليهودي في المغرب. حيث كثفت الحكومة المغربية مشروعها الوطني لمنصة الحياة اليهودية المغربية: من إطلاق خطة لترميم مئات المواقع اليهودية، إلى إنشاء أول كنيس يهودي في البلاد، لإضفاء الطابع المؤسسي على مساهمة الجالية اليهودية في الثقافة المغربية.
وفي تقييمهم للعلاقات الإسرائيلية- المغربية. يشير ثلاثة من خبراء معهد دراسات الأمن القومي INSS، هم سام ميلنر، مور لينك، وأوفير وينتر. إلى أن أحد التحديات التي ستواجه الحكومة الإسرائيلية الجديدة، الناتجة عن ائتلاف بنيامين نتنياهو، هو الحفاظ على “الزخم الإيجابي للتطبيع الديني والثقافي بين إسرائيل والمغرب”. والذي تكثف في العامين الماضيين، منذ اتفاق التطبيع بين البلدين في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2020.
يشير الخبراء الثلاثة إلى أن الالتزام بالتعايش اليهودي- الإسلامي يتجلى بشكل جيد في متحف “بيت يهودا” اليهودي الجديد في طنجة، والذي يقع في كنيس أساياج -المتحف اليهودي الثالث في المغرب والثاني الذي يتم افتتاحه هذا العام- والذي تم افتتاحه في أغسطس/ آب الماضي، بفضل الدعم المالي من الملك محمد السادس.
ويرون أنه “على الرغم من تخصيص التمويل في عام 2019 -قبل توقيع اتفاقيات إبراهيم- فإن هذه التطورات كانت مدفوعة جميعًا بالتزام المغرب بهويته متعددة الثقافات”.
اقرأ أيضا: محلل إسرائيلي: صراع حكومة نتنياهو الجديدة مع أمريكا “يكاد يكون حتميا”
علاقات تاريخية
يشير الخبراء الإسرائيليون إلى أن “طنجة” برزت عن المدن المغربية الأخرى باعتبارها المدينة الوحيدة التي تفتقر إلى الملاح (الحي اليهودي). لكن، سمحت هذه الدرجة العالية من الشمول للجالية اليهودية في طنجة بتقديم مساهمات كبيرة، مثل تأسيس مستشفى والعمل كوسطاء للمصالح التجارية الأوروبية.
ومع ذلك، حسب مزاعمهم، هاجر غالبية اليهود في طنجة -البالغ عددهم 18 ألفًا في الخمسينيات من القرن الماضي- بسبب التوترات بين المغرب والدولة العبرية التي تأسست حديثًا. اليوم يعيش حوالي 30 يهوديًا فقط في طنجة. يشير التقييم إلى إبراز دور الملك المغربي في ترميم بيت يهودا في مدخل المتحف، كجزء من معرض يوثق عملية الترميم. حيث يتم عرض رسالة شخصية من الملك، يؤكد فيها مسؤوليته عن الجماعات الدينية والعرقية المتنوعة في البلاد.
ويشيرون إلى “موقف المغرب الإيجابي تجاه تراثه اليهودي”، والمتجذر في “تصورات أوسع للهوية الوطنية للبلاد، والتعامل مع المغاربة في الشتات”.
يقولون: حافظت الجالية اليهودية القديمة في المغرب بشكل عام على علاقات جيدة مع الأغلبية المسلمة. وأظهر ملوك المغرب باستمرار مواقف متسامحة ومقبولة تجاه السكان اليهود. قال الملك الحسن الثاني -والد الملك محمد السادس- في مناسبات مختلفة، إن اليهود جزء لا يتجزأ من المغرب، وقد وصلوا إلى هناك حتى قبل الإسلام”.
لا يقتصر هذا الخطاب على التواصل مع الجالية اليهودية أو ممثلي إسرائيل. في افتتاح مؤتمر دولي في فاس في نوفمبر/ تشرين الثاني، خاطب أندريه أزولاي -مستشار يهودي مغربي كبير للملك محمد السادس- الحشد نيابة عن الملك، قائلاً إن “جده حمى أبناء وطنه اليهود في مواجهة الهمجية النازية. عزز الأب روح الأخوة بين اليهود والمسلمين المغاربة، وعمل شخصيا على تعزيز وحماية التراث اليهودي المغربي”.
التواصل مع إسرائيل
تتجذر المواقف المغربية تجاه اليهودية في أجندة أوسع، صاغها الملك محمد السادس، لتعزيز هوية وطنية تتميز بالتعددية الدينية والثقافية والعرقية، كما هو موثق في دستور البلاد لعام 2011. الذي ينص على أن الوحدة المغربية “تتشكل من خلال تقاربها. العربية الإسلامية، والبربرية الأمازيغية، والصحراوية الحسانية. والتي تتغذى وتثريها التأثيرات الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”.
وفي إشارة إلى جهود النظام المغربي في تنمية العلاقات مع المغاربة في الخارج. وبحسب التقديرات الرسمية للدولة، يتألف الشتات المغربي من حوالي خمسة ملايين مغربي، يشكلون حوالي 15% من إجمالي السكان. يلفت المحللون إلى أن المغرب “ينظر إلى الإسرائيليين من أصل مغربي على أنهم جزء من الشتات في الخارج”، ويشير إلى هذه الجالية باعتبارها ثاني أكبر جالية مغربية بعد الجالية في فرنسا، وتتألف من حوالي ثمانمائة ألف فرد.
أيضا، هناك العديد من الدوافع المعاصرة وراء الجهود المغربية للحفاظ على تراث الجالية اليهودية. على الرغم من أن المغرب كان قد قام بحماية المواقع اليهودية حتى قبل تجديد العلاقات مع إسرائيل، إلا أن التكهنات تشير إلى أن هذا الاتجاه قد اشتد في ضوء الآمال في جذب المزيد من السياح الإسرائيليين إلى المملكة.
ونقل التقييم عن عادل الفقير، الرئيس التنفيذي للمكتب الوطني المغربي للسياحة، قوله إن الهدف هو زيادة عدد السياح الإسرائيليين إلى المغرب ثلاثة أضعاف تقريبا – من 70 ألف إلى 200 ألف.
وغازل التقييم البلاط الملكي في الرباط، عندما أشار إلى أنه -بجانب الاعتبارات الاقتصادية- فإن تبني التراث اليهودي المغربي “يعزز شرعية الملك، باعتباره الوصي على مجتمع متعدد الأعراق والأديان، من خلال المطالبة بدور “أمير المؤمنين”، وهو عنوان فريد راسخ في دستور البلاد.
ومن هنا، جاءت الإشارة في الخطاب الملكي الذي ألقاه أزولاي: “بصفتي أمير المؤمنين -جميع المؤمنين- أضمن ممارسة العبادة بحرية في جميع أنحاء المملكة المغربية”.
اقرأ أيضا: لماذا تفشل استراتيجية إسرائيل للسيطرة على الفلسطينيين؟
وجه العملة الفلسطيني
في الوقت نفسه، تحد مسؤوليات الملك، بصفته أمير المؤمنين في نهاية المطاف، من قدرته على تعزيز العلاقات الثنائية مع إسرائيل. حيث تظل هذه العلاقات مقيدة بالتزام النظام الملكي بالقضية الفلسطينية، مما أدى إلى تحقيق توازن ناجح، حتى الآن.
وتماشياً مع أسلافه، جعل الملك القضية الفلسطينية أولوية واضحة. حتى أنه ظهر على الهواء بشكل نادر في نوفمبر/ تشرين الثاني، لتأكيد التزامه على هذه الجبهة. وجدد، في كلمة ألقاها بمناسبة اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، دعم المغرب لحقوق الشعب الفلسطيني وحل الدولتين.
أيضا، يترأس الملك لجنة القدس التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، والتي يمارس من خلالها نفوذاً على الخطاب الإسلامي في مواجهة الصراع العربي- الإسرائيلي، ويتحمل مسؤولية المواقع والمجتمعات الإسلامية في القدس. يشير التقييم إلى أن هذا الدور “يأخذ أهمية دينية في سياق جهود الملك لزيادة شرعيته الدينية”.
وبناءً على ذلك، فإن كلاهما يُمكِّن الملك من تخفيف حدة الخطاب المحيط بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ويحد من قدرته على تعميق العلاقات مع إسرائيل في أوقات التصعيد.
يقول الخبراء: يعكس التزام النظام الملكي تجاه الفلسطينيين، وكذلك تجاه حقوق المسلمين في القدس، الشعور السائد في المغرب، وكذلك في العالم العربي والإسلامي على نطاق أوسع. وقد تجلى ذلك خلال مونديال قطر الأخير، حيث كان العلم الفلسطيني منتشرًا في كل مكان بين الجماهير العربية، على الرغم من أن المنتخب الفلسطيني لم يتأهل بعد للبطولة. حتى أن المنتخب المغربي رفع العلم بعد فوزه بعدة مباريات إلى جانب العلم المغربي.
وأضافوا: يعتبر الشعور العام بشأن القضية الفلسطينية ذا أهمية خاصة في ضوء الاتهامات الموجهة للملك المغربي بأنه خان الفلسطينيين عند تجديد العلاقات العلنية مع إسرائيل، مما يجعل من المستحيل تقريبًا تجاهلها لفترة طويلة.
توصيات إسرائيلية
لا يمكن اعتبار الزخم الإيجابي في العلاقات الإسرائيلية- المغربية أمرا مفروغا منه في ضوء التحديات التي تواجهها هذه العلاقات، وعلى رأسها موقف المغرب تجاه الفلسطينيين.
أيضا، هناك قضية أخرى قد تضعف العلاقات، وهي مسألة اعتراف إسرائيل بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. وهي قضية رئيسية في العلاقات الخارجية المغربية، حيث تتوقع الرباط دعمًا واضحًا من حلفائها، بما في ذلك إسرائيل. لذلك، سيتعين على الحكومة الإسرائيلية الجديدة أن تستثمر بعناية للحفاظ على الوتيرة الحالية للتطبيع.
تؤدي هذه الرؤية المتعمقة إلى العديد من التوصيات المتعلقة بالسياسات. أولاً، يجب على الحكومة الجديدة أن تأخذ في الاعتبار موقف الملك محمد السادس المعقد تجاه الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وتأثير ذلك على العلاقات الإسرائيلية المغربية. حيث “يمكن أن يكون للتصعيد في النزاع، والتهديدات المتصورة للقدس الشرقية والأماكن المقدسة الإسلامية فيها على وجه الخصوص، تأثير ضار كما أظهر التاريخ.
بالتالي، من الأفضل للحكومة الإسرائيلية تجنب تأجيج التوترات الدينية في القدس. وفي الوقت نفسه، الاستعداد لسيناريوهات التصعيد. بالإضافة إلى ذلك -في ضوء المكانة الخاصة للمغرب- يجب على الحكومة النظر في السبل التي يمكن للملك من خلالها أداء دور أكثر فاعلية في المدينة، بموافقة ودعم إسرائيليين وفلسطينيين وأردنيين.
ثانيًا، يجب على إسرائيل الاستفادة من الجوانب المتداخلة في تاريخها مع المغرب لتطوير العلاقات الثنائية، لا سيما في العلاقات في الرياضة والأوساط الأكاديمية والفنون والثقافة. لذلك، يتم تشجيع الممثلين الإسرائيليين على الترويج لطرق التعامل مع الخطاب المغربي حول التعددية الدينية والثقافية، والنظر في السياسات والأنشطة الملموسة التي يمكن أن تعزز هذه الأفكار. مثل تعزيز الحوار والتعايش بين اليهود والمسلمين في إسرائيل وخارجها.