يثير قرار لجنة تسعير المنتجات البترولية الأخير، المخاوف بشأن مستويات التضخم العام، خلال شهر مارس الحالي، خاصة بعد ما استجابت الأسواق سريعا؛ لرفع سعر السولار الذي يمثل عصب قطاعي الزراعة والنقل.
قررت لجنة تسعير المنتجات البترولية زيادة سعر البنزين والسولار، بداية من الجمعة؛ ليقفز سعر “بنزين 80″ من 10 إلى 11 جنيهًا، وبنزين 92 من 11.5 إلى 12.5 جنيها، و”بنزين 95″ من 12.5 إلى 13.5 جنيها، و”السولار” من 8.25 إلى 10 جنيهات، وأنبوبة البوتاجاز من 75 إلى 100 جنيه.
فور صدور القرار، توقعت لجنة التموين بالاتحاد العام للغرف التجارية، زيادة أسعار المنتجات، والسلع بنسب زيادة، تتراوح بين 5 و10%؛ نتيجة لارتفاع أسعار الشحن والنقل؛ بسبب ارتفاع أسعار البنزين والسولار، خاصة الأخير الذي يمثل عصب النقل الثقيل.
على مدار عشر سنوات، واصلت أسعار البترول في مصر الارتفاع بوتيرة مطردة، فقبل 5 يوليو 2014، كان بنزين 80 بـ 90 قرشًا، وبنزين 92 بـ 185 قرشًا، وبنزين 95 بـ 5.85 جنيهات، والسولار بـ 1.10 جنيها، وأسطوانة البوتاجاز بـ 8 جنيهات.
صدمة في الريف بعد رفع “الجاز” 21%
مَثل رفع المحروقات صدمة في الريف المصري الذي يعتبر فيه السولار أو “الجاز”، مثلما يسميه المزارعون، روح الزراعة، إذ يدخل في جميع مراحل الإنتاج بداية من الحرث، والري والحصاد والدرس والنقل، ما يجعل المزارعين أكثر الفئات التي تتأثر برفع أسعاره.
يقول محمود سليم، مزارع من محافظة الغربية، إن القرار جاء في وقت غريب، إذ تزامن مع الاستعداد لموسم حصاد الغَلَة “القمح” الذي يبدأ في إبريل بالصعيد، ومايو في الوجه البحري، ومثل صدمة للمزارع الذي استبشر خيرًا مؤخرًا بعد رفع سعر التوريد الحكومي للقمح.
كان مجلس الوزراء قد وافق أخيرًا على رفع سعر توريد القمح المحلي لموسم 2024/2025، من 1600 جنيه إلى 2000 جنيه لإردب القمح درجة نقاوة “23.5 قيراطا”.
يضيف المزارع العجوز: “قبل رفع السولار، كان الجرار الزراعي يتكلف 900 جنيه عن كل ساعة درس للقمح.. وبعد أسعار السولار سيصبح 1100 جنيه للساعة على أقل تقدير”.
قبل الزيادة، كان الفدان في المحصول الواحد يتكلف 1800 جنيه للحرث وجهين “مرتين”، وصفيحتي سولار (40 لترًا) للرية الواحدة، ما يعادل 40 جنيهًا، بحسب الفلاح الذي لا ينتظر تقدير أصحاب ماكينات الري والجرارات الزراعية التكاليف.
يقول نقيب عام الفلاحين حسين أبو صدام، إن زيادة سعر السولار ترفع أسعار المنتجات الزراعية سواء، من حيث نقل المحاصيل أو تكلفة الزراعة والحصاد؛ فالسولار يعتبر مصدر الطاقة الرئيسي للقطاع الزراعي.
ويضيف مزارع آخر “عبد الرحمن” على ما قاله زميله، أن الحكومة على مدى سنوات كانت تعفي السولار من الرفع؛ تجنبا لزيادة الأعباء على المزارعين؛ وتجنبا لرفع أسعار المنتجات الغذائية، رغم أننا نستهلك من السولار ضعف ما نستهلكه من جميع مشتقات البنزين الأخرى.
يذكر أن شحنات السولار المستوردة من الخارج، تعتبر الأكبر بين باقي أنواع الوقود الأخرى، وفي الربع الأول من العام المالي 2023 /2024 تم توفير 50% من احتياجات مصر من السولار شهرًيا عبر الاستيراد بكميات، تتراوح بين 510 و550 ألف طن.
من الطعمية إلى اللحمة
ويلتقط محمود عبده، مدير محل للمأكولات الشعبية، خيط الحديث قائلا إنه لا يعرف كيفية تسعير منتجاته، حاليًا، فبعد تراجع طفيف لسعر الفول والزيوت، ارتفع سعر الأنبوبة التجاري (ذات الحجم الكبير) إلى 220 جنيهًا.
ولأن الوقود دائما هو محور تدور عليه كافة السلع من العيش والطعمية إلى اللحوم، فإنه بحسب شعبة المخابز، من المتوقع ارتفاع سعر الخبز السياحي والفينو بعد زيادة أنابيب البوتاجاز بنحو 25 و50 قرشًا للرغيف، وذلك رغم تراجع سعر طن الدقيق إلى 16.5 ألف جنيه.
يضيف عبده، أن سعر ساندوتش الفول والطعمية حاليًا 8 جنيهات، والمطاعم قد ترفع سعره إلى 9 جنيهات؛ لمواجهة ارتفاع سعر “العيش والغاز”.
قررت وزارة التموين الإبقاء على سعر الخبز البلدي المدعم من خلال بطاقة التموين بسعر خمسة قروش فقط، واستمرار تحمل الدولة فرق تكلفة الإنتاج، وسدادها لأصحاب المخابز من خلال هيئة السلع التموينية، التي تقدرها الجهات الحكومة بنحو 120 قرشا.
ووفقًا لنقيب الفلاحين، فإن التأثير الذي سيمتد لقطاع الثروة الزراعية أيضًا، سيجعل من المرجح ارتفاع أسعار اللحوم مجددًا؛ بسبب تكلفة نقل الأعلاف، وذلك بعد ما تراجعت مع تراجع سعر صرف الجنيه أمام الدولار في الفترة الأخيرة.
خلال فبراير، سجل قسم الطعام والمشروبات ارتفاعاً قدره (48.5%)؛ بسبب زيادة أسعار مجموعة الحبوب، والخبز بنسبة (47%)، واللحوم والدواجن بنسبة (42.9%)، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة (47.9%)، والألبان والجبن والبيض بنسبة (46.8%)، والزيوت والدهون بنسبة (35.5%)، والفاكهة بنسبة (46.7%)، والخضروات بنسبة (74.3%)، والسكر والأغذية السكرية بنسبة (48.3%).
التمييز في تحميل الأعباء
يقول خبراء، إن زيادات المحروقات لم تراع توزيع الأعباء بشكل عادل، إذ كان النصيب الأعلى من الزيادة في أنبوبة البوتاجاز التي تعتمد عليها الطبقات الأقل، وكذلك السولار الذي ارتفع 1.75 جنيها، على عكس بنزين 95 الذي تستخدمه الطبقة الأعلى دخلاً، وارتفع جنيها واحدا فقط.
في 2016، تكرر الأمر ذاته، إذ لم تراعِ حينها الزيادات التفاوت بين الطبقات المستخدمة لمختلف أنواع الوقود، فأعلى زيادة حينها، كانت من نصيب بنزين 80 الذي لا يستهلكه تقريبا إلا أصحاب السيارات القديمة أو الرخيصة، وهم من الطبقة المتوسطة بالأساس، أما ثاني أكبر زيادة؛ فكانت من نصيب الغاز الطبيعي الذي يستخدمه عادة سيارات الأجرة وأصحاب الدخول الأقل، وكذلك ارتفاع أسعار السولار الذي تستخدمه سيارات النقل الجماعي والميكروباص؛ ما من شأنه زيادة تعريفة الركوب.
بالفعل ارتفعت الأجرة في جميع المحافظات، بداية من الجمعة، بنسبة 10% للسيارات التي تعمل بالبنزين، و15% للتي تعمل بالسولار. بينما تم تعديل تعريفة ركوب سيارات “التاكسي” في القاهرة؛ لتصبح 8.5 جنيهات لفتح العداد بدلاً من 7.5 جنيهات، مع زيادة لكل كيلو متر في ركوب التاكسي نصف جنيه؛ لتصبح 4 جنيهات لكل كيلو متر بدلا من 3.5.
خبيران: قرار لا يراعي الموائمة
وقال الدكتور رمزي الجرم، الخبير الاقتصادي، إن زيادة أسعار المحروقات ستدعم زيادة معدلات التضخم المرتفعة أساسًا، فحتى لو كانت هناك أسباب موضوعية تدعو لذلك، إلا أنه كان ينبغي تقديم الملائمة والموائمة في القرار على أي حسابات أخرى.
سجل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر معدلاً شهرياً بلغ 11.4% في فبراير 2024، مقابل معدل بلغ 6.5% في ذات الشهر من العام السابق ومعدل شهري، بلغ 1.6% في يناير 2024، كما سجل المعدل السنوي للتضخم العام 35.7% في فبراير 2024، مقابل 29.8% في يناير 2024، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
أضاف الجرم، أن الأفضل أن تتحمل الموازنة العامة صدمة ارتفاع أسعار النفط العالمية، من أن تتدفق تلك الزيادة في شرايين الاقتصاد كافة.
وتوقعت مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البحثية ارتفاع التضخم السنوي في مصر إلى ذروة عند 38% في مارس/ آذار، قبل أن يتراجع خلال الفترة المتبقية من العام الجاري، وأن يستقر في خانة الآحاد في أوائل عام 2025، مضيفة أن التضخم في فبراير فاق أعلى التوقعات بواقع 4% تقريبًا.
يشير الخبير الاقتصادي مدحت نافع، إلى الفكرة ذاتها، موضحًا أن الترتيب للأحداث الاقتصادية التي شهدتها مصر أخيرًا، كان رفع سعر المحروقات، ثم ارتفاع حاد في التضخم فرفع أسعار الفائدة؛ لاستهداف التضخم؛ فارتفاع الدين العام، وزيادة عجز الموازنة.
وأوضح نافع، أن الترتيب السابق يشير، إلى أن كل إيراد حققته الدولة من رفع أسعار المحروقات تتحمله في النهاية (في شكل عجز بالموازنة العامة للدولة) ، لكننا نعاني حاليًا من مشكلة في قصر الضبط المالي على زيادة في الإيرادات دون النظر إلى المصروفات.
ووفقًا لوزارة المالية، فإن إجمالي المصروفات العامة للموازنة الجديدة 2024 /2025، يبلغ 3.9 تريليونات جنيه، بينما يصل حجم الإيرادات المتوقعة 2.6 تريليوني جنيه، بينها تريليوني جنيه إيرادات ضريبية.
تابع نافع: عندما تكون دولة منتجة للنفط الخام وتصدره مثل مصر وتستورد في الوقت ذاته منتجات نفطية مُصنعة، فيعني ذلك، أننا نعاني مشكلة في القيمة المضافة (الإضافة التصنيعية التي تضاف على المادة الخام) تتطلب تعميقًا وتوطينًا للصناعة في الأجل الطويل، لكن في الأجل القصير لا يجوز تحمّيل المستهلك تقلبات أسعار المشتقات المصنعة (معالجة البترول في صورته الخام وتحويله لبنزين وسولار ومازوت) بحجة أننا لا ننتجها.. إذن لماذا نفرح بالاكتشافات البترولية؟
وتطالب الدراسات الحكومة بتقليل الأعباء على المواطنين عبر تكثيف أنشطة البحث عن الزيت الخام، وتشجيع الاستثمارات الخارجية وتفعيل دور القطاع الخاص، وزيادة مشاركتهما في أعمال الاستكشاف والتنمية والإنتاج، والتوسع في استخدام التقنيات الحديثة في مجال تكرير البترول؛ لتحويله لمنتجات بترولية وبتروكيماويات.
وأوضح نافع، أن هناك عقود الـ swaps التي تؤمن الاقتصاديات، ضد تقلبات المنتج المصنّع، خاصة حال وجود منتج خام، يتم تصديره للخارج.. هذا التحوّط لصالح السوق المحلية، وهو فرض عين على وزارة البترول، وليس مجرد رفاهية.
عقود الـ swaps أو عقد المبادلة، هي اتفاق تعاقدي، يتم بواسطة وسيط بين طرفين، أو أكثر لتبادل الالتزامات أو الحقوق، ويتعهد الطرفان بموجبه: إما على مقايضة الدفعات التي تترتب على التزامات، كان قد قطعها كل منهما للطرف الآخر، أو بمقايضة المقبوضات التي تترتب لكل منهما على أصول يملكها.