التغيرات المناخية/أزمة تغير المناخ. مفردات يجري استخدامها في الآونة الأخيرة على نطاق واسع داخل وسائل الإعلام المختلفة. تعبيرا عن واقع حياة يومية يعيشها العالم وتؤثر بالسلب على طبيعة ونمط حياة البشر في كل مكان.
لكن هل تلك الأضرار متساوية مع الجميع؟. الإجابة القطعية: لا. فحجم الأضرار وتأثيراتها مختلفة من مكان إلى آخر. وبين مجموعات بشرية وأخرى. فالفئات الهشة التي تعاني الفقر أو التهميش تتعرض لأضرار مضاعفة عن غيرها. وهو الوضع الذي يجعل من مسألة التكيف مع المناخ أمرا لا جدوى منه دون تحقيق العدالة للفئات الأقل تمثيلا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
وهذا ما تذكره ورقة بحثية أصدرها مركز التنمية والدعم والإعلام “DAM” خلال يوليو/تموز الجاري للباحث مجدي عبدالفتاح بعنوان “التغيرات المناخية.. وأزمة الصحة”. تبدأ اولا بتعريف التغير المناخي.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
ما تغيرات المناخ؟
يقصد بتغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. قد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث –مثالا- عبر التغيرات في الدورة الشمسية. ولكن منذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيسي لتغير المناخ. ويرجع ذلك أساسًا إلى حرق الوقود الأحفوري كالفحم والنفط والغاز. وتنتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل كغطاء يلتف حول الكرة الأرضية يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة. فيوثر ذلك على معدلات هطول الأمطار والتصحر والفيضانات وندرة المياه وتلوثها وفقدان التنوع البيولوجي على الأرض.
تغير المناخ.. مارد يهدد الصحة
وفق تقرير الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ -تعاون علمي دولي تم إنشاؤه عام 1988 من قبل المنظمة العالمية للأرصاد الجوية والأمم المتحدة برنامج البيئة- فإن درجات الحرارة العالمية بين عامي 1997 و1998 سجلت أعلى معدل لها منذ بداية حفظ سجلات درجات الحرارة خلال القرن التاسع عشر. كما أن السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين كانت الأكثر سخونة. حيث زاد متوسط درجات الحرارة العالمية 0.4 عبر مدة وصلت إلى 25 عاما فقط. ومنذ ذلك الوقت أصبح علماء المناخ على ثقة بأن الاحترار العالمي بات أمرا واقعي. ما دفع العلماء إلى إعادة النظر في علم المناخ بشكل شامل. وأصبح ارتفاع درجة الحرارة العالمية بمقدار 3.5 درجة مئوية أمرا متوقعا بحلول عام 2100.
فتغير المناخ في واقع الأمر يمثل تهديدا مباشرا للعديد من المحددات الاجتماعية للصحة الجيدة. مثل سبل العيش والمساواة وإتاحة الرعاية الصحية وهياكل الدعم الاجتماعي. والذي يزيد الأمر صعوبة هو تأثير مخاطر تغير المناخ على صحة أكثر الفئات ضعفا وحرمانا. بمن في ذلك النساء والأطفال والأقليات الإثنية والمجتمعات الفقيرة والمهاجرون أو المشردون والأقليات الجنسية وكبار السن والأفراد الذين يعانون ظروفا صحية كامنة. فجميعا يدفعون فاتورة باهظة الثمن من صحتهم في ظل نظم صحية مصابة بالهشاشة لا تتوافر معها المعايير الأربعة للرعاية الصحية “الإتاحة والوصول والحصول والقبول”.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
فوفق منظمة الصحة العالمية تهدد أزمة المناخ بنسف التقدم الذي أحرز على مدى الأعوام الخمسين الأخيرة في مجالات التنمية والصحة العالمية والحد من الفقر. فهي تؤثر تأثيرا سلبيا على تحقيق التغطية الصحية الشاملة بطرق شتى. ذلك أن أكثر من 930 مليون شخص -نحو 12% من سكان العالم- ينفقون 10% على الأقل من ميزانية أسرهم لتغطية تكاليف الرعاية الصحية.
ولما كان معظم أفقر الناس لا يستفيدون من تأمين طبي فإن الصدمات والضغوط الصحية تدفع بالفعل نحو 100 مليون فرد إلى براثن الفقر سنويا مع تفاقم هذا الاتجاه نتيجة لتأثيرات تغير المناخ.
تأثيرات التذبذب الجنوبي
أحداث التذبذب الجنوبي “النينيو” (ENSO) وهو تحول دوري في نظام المحيط والغلاف الجوي في المحيط الهادئ الاستوائي يحدث كل خمس سنوات في المتوسط. وتستمر تأثيراته ما بين تسعة أشهر وعامين ما بين فيضانات وجفاف وظواهر مناخية أخرى، وتؤدي تلك الظاهرة إلى جفاف واسع غرب المحيط الهادي، وهطول أمطار غزيرة شرقه.
ففي عام 1997/1998 جلب “النينيو” مفاجآت عديدة لم تكن تحدث من قبل. حيث عانى السكان في إندونيسيا والبرازيل مرضا تنفسيا واسع الانتشار بسبب الضباب الناتج عن حريق عشوائي للغابات الاستوائية. ومع إعصار “ميتش” في أمريكا الوسطى عام 1998 شهدت المناطق التي أزيلت منها الغابات زيادة في الفيضانات والانهيارات الأرضية. نتج عن ذلك زيادة في الأمراض المنقولة عن طريق المياه والحشرات والقوارض مثل “الكوليرا والملاريا وحمى الضنك وداء البرمائيات).
التغيرات المناخية وصحة الإنسان
تلك الأحداث التي جعلت الدراسات المرتبطة بظاهرة (ENSO) المعروفة والمتكررة عبر التاريخ تأخذ مسارا أكثر تعمقا في الربط بين التغيرات المناخية وتداعيتها على صحة الإنسان. فيما يتعلق بدورة الأمراض المعدية المصاحبة للظاهرة. في كثير من أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال الملاريا في شمال شرق باكستان وسريلانكا وكولومبيا وفنزويلا والتهاب الدماغ في وادي موراي. والتهاب المفاصل الوبائي في أستراليا وحمى الضنك في جنوب المحيط الهادي. حيث أظهرت التحليلات التاريخية للظاهرة أن خطر انتشار وباء الملاريا زاد بمقدار خمسة أضعاف في منطقة البنجاب شبه القاحلة خلال العام الذي أعقب ENSO وأربعة أضعاف في جنوب غرب سريلانكا في عام النينيو.
وقد أشارت دراسة حالة لعشر مدن كندية أن مدينة مونتريال مثالا سترتفع فيها معدلات الوفاة لارتفاع الحرارة من 70 وفاة سنويا إلى 240 بحلول عام 2050.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
تلك التوقعات تتوافق مع دعوة منظمة الصحة العالمية في اليوم العالمي للصحة أبريل 2022. والتي دعت فيها قيادات وسكان العالم بضرورة البدء الفوري في اتخاذ تدابير وإجراءات لحماية كوكب الأرض وصحة البشر من الأضرار الناتجة عن التغيرات المناخية. حيث أكدت المنظمة في دعوتها حجم المخاطر المحتملة بسبب التغيرات المناخية.
هل يمكن أن تختلف تأثيرات تغير المناخ بين الجنسين؟
ربما تكون الإجابة للوهلة الأولى لا. فارتفاع الحرارة يتعرض ويشعر به الرجال والنساء. والفيضانات والجفاف والسيول وغيرها من المظاهر المتطرفة للمناخ تطول الجميع. ولكن تلك المظاهر المتطرفة لها تأثيرات مختلفة بين الجنسين لأسباب عديدة منها أسباب فسيولوجية وسلوكية وأخرى اجتماعية واقتصادية.
فالأعراف والثقافة الاجتماعية تميز الرجال عن النساء وتخلق فجوة عدم المساواة بين الجنسين. والمعايير والأدوار داخل المجتمع تسهم بشكل مباشر في انخفاض معدلات دخل النساء عن الرجال. فلا تستطيع النساء الحصول على بعض خدمات تتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية بسبب الأعراف الاجتماعية وبعض التشريعات. بالإضافة إلى بعض الخدمات الأخرى المتعلقة بصحتهن الجنسية التي لا يستطعن الحصول عليها دون إذن الرجال كالجراحات المتعلقة بالرحم.
كذلك فالسلوكيات الاجتماعية تعطي الرجال امتيازات عن النساء. فاستهلاك الرجال للطاقة أكثر. إذ يمتلكون سيارات خاصة أكثر من النساء. ما يسهم في ارتفاع نسبة الغازات الدفيئة. على الجانب الآخر تستخدم النساء مواقد طهي غير صحية ينبعث منها دخان أسود يزيد تلوث الهواء. فينتج عن ذلك ارتفاع نسب تصل إلى 2 مليون وفاة سنويا معظمهم من النساء والفتيات.
التأثيرات المباشرة لتغير المناخ على صحة النساء
يلعب ارتفاع درجات الحرارة دورا مهما في تهديد حياة النساء. حيث أظهرت الدراسات في البلدان المتقدمة أن اختلاف درجات الحرارة عن المعدلات التي اعتادها السكان تؤدي إلى الوفاة. ولكن بنسب مختلفة. وكان هذا واضحا خلال موجة الحر التي تعرضت لها أوروبا عام 2003. حيث كانت نسبة الوفيات بين النساء أعلى من الرجال.
إن ارتفاع الحرارة في العديد من بلدان العالم تصحبه إصابة بالملاريا. ووفقا لما جاء في آخر تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية عن الملاريا. فقد أشارت التقديرات إلى أن عام 2020 شهد وقوع نحو 241 مليون إصابة بالملاريا. و627 ألف وفاة ناجمة عن المرض في أنحاء العالم بأسره. ما يمثل نحو 14 مليون حالة أخرى و69 ألف وفاة إضافية عام 2020 مقارنة بـ2019.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا
تغير المناخ وتسمم الحمل
إن الخلل الذي يصيب حرارة الجو يؤدي إلى زيادة حالات تسمم الحمل. خاصة في الظروف المناخية التي تمتاز بانخفاض الحرارة وارتفاع الرطوبة وهطول الأمطار. حيث أثبتت دراسة أجريت في الكويت أن نسب تسمم الحمل كانت مرتفعة خلال نوفمبر/تشرين الثاني. كما كشفت الدراسة ارتفاع ضغط الدم لدى الحوامل خلال يونيو/حزيران.
وفي دراسة أجريت على النساء في بنجلاديش -خاصة المقيمات في المدن الساحلية- كان هناك ارتفاع لحالات تسمم الحمل والإجهاض التلقائي وضعف وزن الأجنة. إلا أن الأطباء المحليين ردوا ذلك إلى زيادة الملوحة في المياه العذبة دون الربط بين ارتفاع مستوى سطح البحر وهطول الأمطار.
وترتبط التغيرات المناخية بزيادة نسبة الأمراض والأوبئة والفيروسات المنقولة من الحيوانات والحشرات. ومن المتوقع أن يشهد العقد القادم مزيدا من الفيروسات التي تصيب الإنسان. من بينها وباء جدري القرود. فالفيروس في الأصل يصيب القوارض وبعض الثدييات. وهو أكثر انتشارا بين الحيوانات بوسط أفريقيا وغربها والغابات الاستوائية المطيرة. ونتيجة ارتفاع الحرارة والتغيرات في طبيعة الأمطار هاجرت أعداد كبيرة من موائل الحيوانات. واقتربت من التجمعات البشرية. ما سهل الطريق لانتقال الفيروسات من تلك الحيوانات إلى البشر.
تقول الدكتورة كلير ديوسناب -مستشارة طب الجهاز البولي التناسلي ورئيس الجمعية البريطانية للصحة الجنسية وفيروس نقص المناعة البشرية- إن العاملين في عيادات الصحة الجنسية “يتعرضون بالفعل لضغط كبير”. وإن جدري القرود يزيد الوضع سوءًا. وأضافت: “إنه (المرض) يعمل بالفعل على إجهاد قوة العمل وسيكون له تأثير هائل إذا اضطر الموظفون إلى عزل أنفسهم”.
الأضرار غير المباشرة لتغير المناخ على صحة النساء
مع التغيرات المناخية المتوقعة من تصحر وانخفاض في أنواع عديدة من المحاصيل أو اختفائها سيؤدي هذا إلى فقدان العديد وظائفهم. خاصة العاملين في الزراعة. وتمثل النساء النسبة الكبرى عالميا من العاملين في الزراعة. وبغض النظر عن من المسؤول عن توفير معدلات دخل تضمن للأسرة حياة كريمة فإن نقص كميات الغذاء أو فقدان الأمن الغذائي تتحمله النساء وفق العديد من الثقافات والأعراف الاجتماعية.
ففي دراسة أعدتها منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” في فيتنام ما بعد الفيضان الذي تسبب في فقدان العديد من المحاصيل كانت علامات الإجهاد على الأسرة واضحة بسبب انخفاض معدلات الدخل. وكانت النساء أكثر تأثرا من الرجال. حيث تلقوا المساعدات بنسبة أقل من الرجال. أما فيما يتعلق بإنقاذ الأرواح من الفيضان فكان يتم تفضيل الفتيان والرجال عن النساء والفتيات نتيجة للأعراف الاجتماعية التي تتوقع منهم أدوارا أفضل من النساء مستقبلا.
خاتمة وتوصيات
تخضع الاستجابة الدولية لتغير المناخ إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. ووفق الاتفاقية في المادة الرابعة منها المتعلقة بالتزامات الدول فقرة (و) “أخذ اعتبارات تغير المناخ إلى الحد الممكن عمليا في سياستها وإجراءاتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ذات الصلة. بغية التقليل إلى أدنى حد من الآثار الضارة التي تلحق بالاقتصاد والصحة العامة ونوعية البيئة من إجراء المشاريع أو التدابير التي يضطلعون بها للتخفيف من تغير المناخ أو التكيف معه”.
ورغم أن مصر قدمت وثيقة المساهمات الوطنية للحد من تغير المناخ وفق اتفاقية باريس عام 2015. ورغم الجهود المبذولة من جانب الحكومة للعمل على الحد من التغيرات المناخية وتأثيراتها على مصر. فإنه حتى الآن لم تحظ الصحة بقدر كبير من الاهتمام كجزء من تخفيف والتكيف مع التغير المناخي. فتغيب عن مصر دراسات متعلقة بالتغير المناخي وتأثيراتها على الصحة وكيفية معالجة تلك التأثيرات. لذلك نوصي بالآتي:
1-ضرورة تحديد موازنة تضمن إجراء البحوث والدراسات المتعلقة بالتغيرات المناخية.
2-التعاون الدولي وفق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. خاصة مع منظمة الصحة العالمية- لإعداد برنامج متكامل لتدريب الفرق الطبية لرفع وتعزيز وعيهم بالتغيرات المناخية وتأثيراتها على الصحة. خاصة فيما يتعلق باحتياجات النساء الصحية والفئات الهشة والضعيفة.
3-الشروع في إعداد برتوكول بالتعاون مع وزارة الصحة ونقابة الأطباء والمجلس القومي للمرأة لوضع معايير التعامل المهني مع النساء والفئات الهشة في ظل التغيرات المناخية.
4-إنشاء وحدة الدعم والمشورة داخل المراكز الطبية المختلفة لدعم وتوعية النساء بآثار التغيرات المناخية على الصحة وكيفية التعامل معها.
5-الشروع في تعديل القوانين المتعلقة بالصحة وخدماتها. بما يضمن تضمين التغيرات المناخية. للوصول إلى تدابير صحية تضمن حصول الفئات الهشة والضعيفة على خدمات طبية تسهم في تخفيف آثار التغيرات المناخية.
للاطلاع على الورقة كاملة.. اضغط هنا