قبل يومين فقط من نهاية العام الماضي، أقر المجلس القومي للأجور زيادة الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص إلى 2700 جنيه ( 90.3 دولارًا)، بزيادة 300 جنيه، وبنسبة 12.5% عن الحد السابق والبالغ 2400 جنيه. وحدد القرار يناير/ كانون الثاني الجاري لبداية تفعيله، على أن يكون الحد الأدنى لقيمة العلاوة السنوية الدورية للقطاع الخاص لكل منشأة بما لا يقل عن 3% من أجر الاشتراك التأميني المنصوص عليه في قانون التأمينات الاجتماعية والمعاشات.
التساؤل الذي يشغل بال العاملين والمواطنين هذه الأيام، هل تكفي زيادة الـ12.5% لمواجهة معدلات التضخم -البالغة 24.4%، حسب البيانات الرسمية- وحجم تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار والتي بلغت منذ بداية العام الحالي وحتى الآن نحو 20.6%، بعدما انخفض قيمة الجنيه من 24.8 إلى 29.9 جنيهًا أمام الدولار.
اقرأ أيضًا: مؤسسات دولية: 2023 الأسوأ.. التضخم يتعاظم والفقر يتفاقم والأجور تنخفض
وفي حين يُقدر حجم زيادة الأسعار وخسارة العملة المحلية ما قيمته حوالي 45%، فإن أستاذ الاقتصاد الأمريكي بجامعة جونز هوبكنز، ستيف هانك، يختلف مع هذه التقديرات، ويؤكد أن حساباته تؤكد أن معدلات التضخم في مصر بلغت 101%.
وبحسب هانك، جاء ترتيب مصر في المرتبة السادسة عالميا من بين أسوأ 21 دولة على مستوى العالم من حيث ارتفاع تلك المعدلات الحقيقية للتضخم. ويشار إلى أن الجنيه المصري فقد نصف قيمته مقابل الدولار منذ آذار/مارس الماضي، فيما زاد سعر السلع الغذائية بنسبة 40% وفقًا لبيانات شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية.
سلة الفرد الغذائية
قدرت الأمم المتحدة واليونيسيف، أن متوسط تكلفة نمط غذائي صحي للفرد يوميًا تكلف نحو 3.54 دولارًا، وهو ما يُعادل 105.8 جنيهًا مصريًا وفقًا لسعر الصرف الحالي. وذكرت الأمم المتحدة أن نسب الزيادة الحادة في أسعار الأغذية العالمية للمستهلك بدءا من النصف الثاني من العام 2021 أدت إلى زيادة متوسط كلفة نمط غذائي صحي على المستوى العالمي.
وتبعًا لهذا المتوسط العالمي، فإن تكلفة غذاء الفرد شهريًا، فقط، تبلغ ما قيمته 3 آلاف و174 جنيهًا، أي أنها تزيد عن الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص بنسبة 17.5% بقيمة 474 جنيهًا.
وتُوضح منظمة الصحة العالمية، أن السلة الغذائية للفرد يوميًا يجب أن تحوي 400 جرام على الأقل من الفاكهة والخضروات. وذلك باستثناء البطاطس والبطاطا، وأقل من 10% من السكريات، وهو ما يعادل 50 جرام “نحو 12 ملعقة صغيرة من السكر”.
يُضاف إلى ذلك، 30% من الدهون غير المشبعة، والموجودة في الأسماك والأفوكادو والمكسرات وفي زيوت زهرة عباد الشمس وفول الصويا والكانولا والزيتون، والتي تعدّ أفضل من الدهون المشبعة الموجودة في اللحوم الدسمة وزيوت النخيل وجوز الهند والجبن والسمن، والدهون المتحوّلة المنتَجة صناعياً. بالإضافة إلى أقل من 5 جرامات من الملح.
إلى ذلك، تُشير بيانات الأمم المتحدة إلى أنه بين عامي 2019 و2020، شهدت قارة آسيا أعلى أكبر زيادة في كلفة نمط غذائي صحي بنسبة 4%، تليها إفريقيا بنسبة 2.5%. فيما لم يتمكن نحو 3.1 مليار شخص من تحمل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2020.
إنفاق الفرد
على الجانب الآخر، حدد جهاز التعبئة العامة والإحصاء في آخر نشرة له عن الدخل والإنفاق للأسرة في 2020، متوسط حجم إنفاق الأسرة المكونة من 4 أفراد سنويًا بنحو 61 ألف و907 جنيهات بمتوسط إنفاق للفرد سنويًا بحوالي 15 ألف و287 جنيهًا، وهو ما يعني إنفاق الفرد على احتياجاته الاستهلاكية وغير الاستهلاكية يوميًا بما قيمته نحو 42.9 جنيهًا فقط.
وعَرّف الجهاز، الإنفاق بأنه مجموع قيم الإنفاق الاستهلاكي للأسرة، إضافة إلى قيمة السلع والخدمات التي حصلت عليها الأسرة أو استخدمتها عن طريق التحويلات العينية التي تتلقاها من الهبات والصدقات.
لكن هذا المبلغ الذي حدده الجهاز المركزي، بالكاد لا يكفي لشراء وجبة غذاء تتكون من (ربع فرخة وطبق أرز وطبق سلطة خضراء صغيرة)، وفقًا لاستعراض عام لموقع المنيو الذي يوفر بيانات عن أسعار الوجبات الغذائية في محلات تقديم الطعام والوجبات السريعة.
بل إن القيمة المالية التي حددها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، تقل عن قيمة 250 جراما من اللحوم، والتي يصل سعرها إلى 55 جنيهًا، مقابل 42 جنيهًا حدده جهاز الإحصاء.
كم تحتاج الأسرة؟
تطبيقًا لنسبة الزيادة في معدلات التضخم وقيمة انخفاض قيمة الجنيه والبالغة نحو 45%، وبعد إجراء عملية حسابية لإضافة تلك النسبة على متوسط حجم الإنفاق الذي أعلن عنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن إجمالي ما تحتاجه الأسرة المكونة من 4 أفراد سنويًا، لا بد وأن يقدر بحوالي 89 ألفًا و765 جنيهًا، بمتوسط سنوي للفرد يصل إلى 22 ألفًا و441 جنيهًا.
لكن هذا المتوسط الذي يتكون من 89 ألف و765 جنيهًا، لن يستطيع الشخص العائل للأسرة بلوغه، إذ يبلغ مجموع راتبه في حال حصل على الحد الأدنى للأجور سنويًا حوالي 32 ألف و400 جنيهًا، وحتى لو توافر للزوج والزوجة العمل بمتوسط الحد الأدنى للأجور فإن مجموع رواتبهما معا سنويًا ستبلغ نحو 64 ألفًا و800 جنيه، أي أقل من متوسط حجم الإنفاق على الأسرة المكونة من 4 أفراد.
2700 جنيه لا تكفي
يقول المهندس أسامة حفيلة، النائب الأول للاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، “إن الحد الأدنى للأجور الذي تم إقراره غير كاف لإعاشة فرد فما بالك بإعاشة أسرة كاملة في حال زواج الفرد أو إعالته لأبويه”.
ويُضيف لمصر 360، أن أغلب جمعيات المستثمرين تعمل على زيادة أجور العاملين في المناطق الاستثمارية أو في المصانع عن الحد الأدنى للأجور الذي اعتبره ضئيلاً مقارنة بمعدلات التضخم وارتفاع الأسعار.
وينفي حفيلة، أن يكون الحد الأدنى للأجور هو المعمول به في المصانع أو المناطق الاستثمارية، في الوقت نفسه أوضح أن مؤسسات القطاع الخاص الرافضة لتطبيق الحد الأدنى للأجور بالتأكيد صغيرة أو تُعاني تعثرًا، لكن ذلك لا يجب أن يكون مشكلة العاملين الذين يعانون من ضغوط مادية ووضع اقتصادي ضاغط.
ويُشير حفيلة إلى أن بعض أصحاب المصانع اعتمدوا صرف إعانات أو حوافز مالية للعاملين، معتبرًا العامل رأس المال الحقيقي للمصانع أو لأي نشاط اقتصادي. ويُضيف نائب اتحاد جمعيات المستثمرين، أنه يجب مراقبة ومتابعة المؤسسات الخاصة للتأكد من تطبيقها الحد الأدنى للأجور، ومعرفة إذا أجبرت العاملين على قبول رواتب أقل منه.
لا استثناءات
من جهته، يقول شعبان خليفة، رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص، إن المجلس القومي للأجور أصدر كتابًا دوريًا بالرقم 6 في مطلع الشهر الجاري وتم تعميمه على مديريات القوى العاملة لمتابعة تنفيذ الحد الأدنى للأجور البالغ 2700 جنيه.
ويُضيف خليفة لـ”مصر 360″، أن الحد الأدنى للأجور بات غير مناسب لإعاشة الفرد بسبب خفض قيمة الجنيه وخسارته أكثر من 100% من قوته الشرائية، كما أن العلاوة الدورية التي أقرها المجلس القومي للأجور مخالفة للمادة 34 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 الذي نص على كون العلاوة 7% سنويًا وليست 3% فقط كما جاء بقرار المجلس القومي للأجور.
عدد منشآت القطاع الخاص في مصر تُقدر بنحو 4 ملايين منشأة، ويطالب خليفة، المجلس القومي للأجور بتنفيذ المادة 34 من قانون العمل التي تنص على أن مهمة المجلس تقضي بوضع حد أدنى للأجور على مستوى البلاد يُراعي نفقات المعيشة، ويُحقق التوازن بين الأجور والأسعار.
اقرأ أيضًا: محاصرة التضخم أو ارتفاع الدين.. “المركزي” يواجه الاختبار الأصعب في فبراير
ويلفت رئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص إلى أن المادة 45 من قانون العمل، تنص على عدم إبراء ذمة صاحب العمل من الأجر، إلا إذا وقع العامل بما يفيد استلام الأجر في السجل المعد لذلك وفي كشوف الأجور، على أن تشمل بيانات هذه المستندات مفردات الأجر.
ويُتابع، أن قانون العمل نص أيضًا على إقرار عقوبة على مؤسسات القطاع الخاص في حالة عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور أو العلاوة، ووردت تلك العقوبة في نص المادة 247 من قانون العمل وتذكر صراحة (معاقبة صاحب العمل أو من يُمثله عن المنشأة بغرامة لا تقل عن 100 جنيه ولا تتجاوز 500 جنيه إذا خالف أيا من أحكام المواد أرقام “33, 35, 37,38, 4041، 42 ،43، 44، 45، 46” من قانون العمل والقرارات الوزارية المُنفذة لها، وتتعدد الغرامة بتعدد العمال الذين وقعت في شأنهم الجريمة وتضاعف الغرامة في حالة العودة).
وعملاً بقرار الكتاب الدوري الصادر عن المجلس القومي للأجور، فلا يوجد أي استثناء لمؤسسات القطاع الخاص من تنفيذ الحد الأدنى للأجور، وفقًا لرئيس نقابة العاملين بالقطاع الخاص، مضيفًا أنه يجب على مديريات القوى العاملة تنفيذ ما جاء بالكتاب، وإلزام مكاتب العمل بالتفتيش ومراقبة مؤسسات القطاع الخاص وإلزامها بتطبيق الحد الأدنى للأجور والعلاوة الدورية.
في هذا الصدد، كان المجلس القومي للأجور أعلن يوم 22 إبريل/ نيسان الماضي، تلقيه نحو 3028 طلبًا استثنائيًا من شركات ومؤسسات خاصة تطلب إعفاءها من تنفيذ الحد الأدنى للأجور “2400 جنيه”، وأنه حتى الآن تم فحص 1159 طلبًا فقط بنسبة 38% من الطلبات المقدمة من المنشآت الخاصة.
صندوق طوارئ للعاملين
يقول المستشار عبد الحميد بلال، رئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى بالمجلس القومي للأجور، إن وزارة القوى العاملة ستتولى مراقبة تنفيذ الحد الأدنى للأجور في مؤسسات القطاع الخاص، ولا توجد أي استثناءات.
وأضاف في تصريحات سابقة، أنه في حال تعثر المنشأة عن تطبيق زيادة الحد الأدنى للأجور وفقًا للقرار، يتم الصرف من خلال صندوق الطوارئ بوزارة القوى العاملة لإغلاق باب الاستثناءات في التطبيق أمام منشآت القطاع الخاص.
ويُتابع بلال، أن صرف المستحقات في ضوء القرار الأخير سيتم أول فبراير/ شباط المقبل عن رواتب يناير/ كانون الثاني الجاري، متضمنًا الزيادة والعلاوة الجديدة، مؤكدًا أن قرار الحد الأدنى للأجور جاء بالترتيب مع اتحاد الصناعات، والغرف التجارية، واتحاد نقابات عمال مصر، والاتحاد المصري لجمعيات ومؤسسات المستثمرين، والاتحاد المصري للغرف السياحية، واتحاد جمعيات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، واتحاد مقاولي التشييد والبناء والذى يمثل نحو 80% من النشاط الاقتصادي في مصر.
أسعار عشوائية
على جانب آخر، يرى خالد الشافعي، رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، أنه حتى مع وصول الحد الأدنى للأجور إلى 5 آلاف جنيه، فإن هذا لن يكون كافيًا لإعالة الأسرة، مطالبًا بضرورة ضبط الأسعار والعمل على تقليل معدلات التضخم.
ويقول لـ”مصر 360″، أنه لا سبيل أمام الحكومة إلا ضبط الأسعار المرتفعة وخفض معدلات التضخم، معتبرًا أن عملية تسعير المنتجات في مصر “عشوائية”. إذ ليس من الطبيعي أن تنخفض أسعار القمح أو البترول عالميًا ولا يزال يرتفع سعره في مصر.
ويضيف الشافعي بأن الحد الأدنى للأجور ليس هو المشكلة الوحيدة. لكن يجب العمل على أكثر من محور لتخفيف الضغط عن كاهل المواطن، خاصة مع الزيادات غير المنطقية في أسعار السلع والمُنتجات.