كشف تقرير حديث للمونيتور/ Al Monitor، استمرار حملات الطائرات بدون طيار التركية؛ لتقويض الحكم الكردي في سوريا بلا هوادة، حيث تنظر تركيا إلى تجربة الأكراد السوريين في الحكم الذاتي على أنها “تهديد رئيسي”، سيزيد من إثارة النزعة الانفصالية بين أكرادها المتمردين.
لكن، في الواقع يدفع الأطفال الأكراد ثمناً باهظاً للرؤية التركية. حيث كانوا أحد الأهداف التي اعتادت المسيرات التركية قصفها.
لهذا، يشير التقرير إلى، أنه حتى لو لم يتفق العديد من الأكراد العاديين مع أيديولوجية حزب العمال الكردستاني اليسارية. لكنهم يعتبرون هؤلاء المتمردين “أفضل خط دفاع لهم”.
يفتتح التقرير بحكاية أحمد عبد الخاني سلام، وهو فتى بلغ من العمر 11 عامًا، ابنا لمزارعين فقراء من ريف تل حميس في شمال شرق سوريا -منطقة واقعة تحت سيطرة الأكراد- والذي بدأ في سبتمبر/ أيلول 2022، العمل في سوبر ماركت شعبي على جانب الطريق على الطريق الرئيسي الممتد من الحدود العراقية إلى العاصمة غير الرسمية للمنطقة، القامشلي. والذي، بعد أربعة أشهر، كان يرقد ميتًا وسط بركة من الدماء بالقرب من سجلات المتجر، وهو ضحية أخرى لهجمات تركيا القاتلة بطائرات دون طيار على “الإرهابيين المزعومين”، في شمال شرق سوريا.
وتوثق لقطات فيديو للهجوم في 18 يناير/ كانون الثاني، تم التقاطها بواسطة الكاميرات الأمنية المتعددة في سوق آري، الرعب الكامل لتلك اللحظة “شوهد رجل يسدد فاتورته في غضون ثوانٍ، دخل رجل آخر يحمل طفلة صغيرة. سرعان ما يسقطون جميعا على الأرض، بينما تهتز الأرضية ويملأ الدخان الأسود المحل.
اقرأ أيضا: أعلن مقتل الزعيم الرابع لـ ”داعش”.. أردوغان يقدم مسوغات انتخابه في “معركة تثبيت الصورة”
قبل ذلك بأجزاء من الثانية، انفجرت شاحنة صغيرة متحولة إلى كرة من النار، عندما توقفت بجانب السوبر ماركت. كل الركاب لقوا مصرعهم في الانفجار.
حملة ممنهجة
تعد ضربات الطائرات دون طيار جزءًا من حملة تركيا الممنهجة، لتقويض وتدمير الحكم الذاتي الذي يقوده الأكراد في شمال وشرق سوريا (AANES).
لكن، تنظر تركيا إلى تجربة الأكراد السوريين في الحكم الذاتي على أنها “تهديد رئيسي”، سيزيد من إثارة النزعة الانفصالية بين أكرادها المتمردين.
ومنذ عام 2016، شنت تركيا ثلاث هجمات برية كبرى ضد قوات حماية الشعب الكردية السورية، التي تشكل العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، وهو الشريك الأكبر للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
تبرر تركيا هذا العدوان على أساس أن وحدات حماية الشعب -وبالتالي قوات سوريا الديمقراطية- تديرها مجموعة كردية أخرى، هي حزب العمال الكردستاني، الذي يشن حملة مسلحة من أجل الحكم الذاتي الكردي ضد الدولة التركية منذ ما يقرب من 40 عامًا.
وقد ارتقى العديد من كبار قادة وحدات حماية الشعب في صفوف حزب العمال الكردستاني -الذي تم إدراجه كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- وتعهدوا صراحة بالولاء لزعيم الحزب المسجون عبد الله أوجلان، الذي تم لصق صورته على لوحات إعلانية عملاقة في جميع أنحاء غرب الأراضي الكردية.
رغم هذا، تنكر وحدات حماية الشعب، وقوات سوريا الديمقراطية، أي علاقات تنظيمية مع حزب العمال الكردستاني. على الرغم من أنه من المعروف على نطاق واسع أن الحزب يحتفظ بوجود ظل على الأرض.
يقول التقرير: ربما لا يتفق العديد من الأكراد العاديين مع أيديولوجية حزب العمال الكردستاني اليسارية والميل الاستبدادي. ومع ذلك، في حالة الانسحاب الأمريكي، فإنهم يعتبرون هؤلاء المتمردين أفضل خط دفاعا لهم.
إبادة الأكراد
بينما تراجعت واشنطن والكرملين عن مطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتكررة، بشن غزو بري آخر في شمال شرق سوريا، والتي يهدف عبرها لحشد الدعم القومي قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي من المقرر إجراؤها في 14 مايو/ أيار. صعّدت وكالة التجسس الوطنية التركية/ MIT، ردا على ذلك، هجمات الطائرات دون طيار.
وأعلنت أن هذه الطائرات تقوم بـ “تحييد”، أهداف حزب العمال الكردستاني المزعومة في شمال سوريا، وكذلك في شمال العراق. ويفخر بالنتائج على وسائل التواصل الاجتماعي.
ينقل التقرير عن مديرة الأبحاث في معهد السلام الكردي -مقره واشنطن- قولها إن “برنامج الطائرات بدون طيار التركي، مثله مثل بقية صناعة الدفاع المتنامية المرتبطة بالدولة، موجود بشكل حصري تقريبًا بسبب حرب تركيا على الجماعات المسلحة الكردية، والمدنيين داخل حدودها وفي العراق وسوريا المجاورتين”.
وأضافت: صادرات الطائرات دون طيار إلى أوكرانيا تعزز صناعة الدفاع المرتبطة بالدولة، وتزود حكومة أردوغان برأس مال سياسي على المسرح الدولي. وكلاهما يدعم المقاربات العسكرية تجاه القضية الكردية.
وخلال مقابلة في 24 إبريل/ نيسان في قاعدة لقوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا. قال صالح مسلم، أحد زعماء حزب الوحدة الديمقراطي، الذي يشارك في إدارة الحكم الذاتي، إن “تركيا عازمة على إبادة الأكراد أينما كانوا. سواء كانوا هنا في روجافا بكردستان سوريا، أو في بشور بكردستان العراق”.
ويلفت التقرير إلى أن مسلما، الذي درس الهندسة الكيميائية في إسطنبول، ويتحدث التركية بطلاقة، وكان يجتمع مع الدبلوماسيين الأتراك عندما كانت تركيا تجري محادثات سلام مع أكرادها. هو مدرج في قائمة أنقرة للإرهابيين المطلوبين حاليا.
تصوير وقتل
يلفت التقرير إلى أن الطائرة التركية المسيرة Bayraktar، التي لاقت استحسانا وشعبية كبيرة في أوكرانيا، والتي تنتجها شركة Baykar -مقرها إسطنبول- صارت لا يمكنها مواكبة الطلبات المتدفقة من جميع أنحاء العالم.
وأشارت، إلى أن أعمال مصمم طائرة بيرقدار TB2 -التي غيرت الموازين في إدلب- سلجوق بيرقدار، وهو صهر الرئيس التركي، أصبحت مادة رئيسية للحديث لحملة أردوغان الانتخابية. حتى أن هناك تكهنات بأن أردوغان قد يجهز صهره لخلافته.
لكن، في مقابلة حديثة مع صحيفة دير شبيجل/ Der Spiegel الأسبوعية الألمانية، نفى بيرقدار أي طموحات سياسية. كما تجاهل الرجل البالغ من العمر 43 عامًا الانتقادات الموجهة للطائرات دون طيار. وذكرت المجلة أنه “يجادل بأن الطائرات دون طيار أكثر دقة من الأسلحة الأخرى، ولأن الهجمات يتم تصويرها، فإنه يصر على وجود قدر أكبر من المساءلة”.
يعلق التقرير: لا يوجد دليل على مثل هذه المساءلة في شمال شرق سوريا. حيث قتل ما لا يقل عن 87 شخصًا في غارات تركية بطائرات دون طيار العام الماضي، وفقًا لمركز روجافا للمعلومات، وهو مؤسسة بحثية مستقلة مقرها شمال شرق سوريا. وبين نحو 25 من الضحايا من المدنيين، كان تسعة منهم من الأطفال.
كما قال بيرقدار: يتم تصوير الهجمات، ويمكن لمشغلي الطائرات دون طيار مراقبة الهدف لفترة طويلة جدًا بكاميرات عالية الدقة. وبالتالي، يمكنهم تجنب توجيه ضربة قد تؤثر على المدنيين.
لكن “إذا كنت لا تزال تقتل المدنيين، فهذا يعني أنك لا تقوم بعملك بشكل جيد. وهذا يزيد من مساءلة الدول التي تنفذ عمليات قتل مستهدفة بطائرات بدون طيار”، كما يقول ويم زويجننبرج: مدير مشروع نزع السلاح في PAX، وهي منظمة سلام هولندية.
يضيف: تحتاج تركيا إلى تقديم تبرير قانوني واضح للضربات، حيث يجب عليهم إثبات كيف شَكّل هؤلاء الأفراد تهديدًا وشيكًا للأمن القومي التركي؟ لم يكن من الممكن معالجته بوسائل غير قاتلة.
اقرأ أيضا: ماذا لو فاز أردوغان في الانتخابات؟
عربدة تركية
يلفت التقرير إلى، أن مما زاد الطين بِلة بشأن محاسبة القائمين على هذه الضربات، أن تركيا -العضو في حلف شمال الأطلسي- شهدت ارتفاعًا في قيمتها الاستراتيجية؛ نتيجة للصراع في أوكرانيا، مما سمح لها بالتصرف بإفلات أكبر من العقاب.
يقول: ظهرت الوقاحة بشكل كامل عندما نفذت تركيا غارة بطائرة دون طيار بالقرب من قافلة تقل قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم كوباني، في 7 إبريل/ نيسان، ومسؤولين عسكريين أمريكيين، بالقرب من مطار السليمانية الدولي.
ورغم إدانة البنتاجون الهجوم، لم يتفوه البيت الأبيض ووزارة الخارجية بكلمة واحدة.
في غضون ذلك، رفعت السويد وفنلندا حظر الأسلحة الذي فرضته دول الاتحاد الأوروبي على تركيا في أعقاب غزوها لشمال شرق سوريا عام 2019، في محاولة لتأمين دعم أنقرة لانضمامها إلى حلف شمال الأطلسي. بينما أسقطت المملكة المتحدة العقوبات بمجرد انسحابها من الكتلة الأوروبية.
لكن، يواصل الكونجرس الأمريكي، الذي فرض قيودًا مماثلة، تجاهل دعوة إدارة بايدن للسماح ببيع طائرات مقاتلة من طراز F-16 لتركيا، مستشهدين بسجل حقوق الإنسان في ذلك البلد.
انتهاكات متزايدة
يلفت تقرير المونيتور إلى أنه، في الواقع هناك تدقيق متزايد في الانتهاكات التركية.
ففي تقرير حديث، قالت منظمة بحوث التسليح والصراعات Conflict Armament Research -وهي هيئة رقابية دولية- إنها أثبتت أن بقايا 17 هجومًا صاروخيًا جو-أرض في شمال شرق سوريا كانت جميعها جزءًا من سلسلة MAM المصنوعة في تركيا “ومن المحتمل أن تكون قد أطلقت بواسطة طائرات دون طيار”.
وقد أشارت الهيئة -ومقرها العاصمة البريطانية لندن- أن بعض مكونات الصاروخ تم تصنيعها في الاتحاد الأوروبي.
وقال التقرير إن من بينها “مكابح كهرومغناطيسية تم بيعها لاستخدامها في سيارات الإسعاف في تركيا، لكنها تم دمجها في صواريخ لاستخدامها في شمال شرق سوريا”.
كما قام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتسمية تركيا -وإن كان ذلك بحذر شديد- في عدة تقارير حديثة عن سوريا.
يشير أحدث تقرير إلى عدة ضربات بالمدفعية والطائرات دون طيار أثرت على المدنيين. وتشمل هذه الهجمات قصفًا في 8 يناير/ كانون الثاني على بلدة كوباني -عين العرب- الحدودية، والتي أشارت الأمم المتحدة إلى أن “صور بقايا إحدى القرى التي أصيب فيها مدنيون تشير إلى استخدام قذائف هاون غير موجهة من عيار 120 ملم، نظرًا لنطاق السلاح، ربما تم إطلاقه من تركيا”.
وأضافت الأمم المتحدة: “هناك أسباب معقولة للاعتقاد بأن استخدام الأسلحة المتفجرة غير الموجهة لضرب المناطق، والقرى الحضرية يرقى إلى مستوى جريمة الحرب المتمثلة في شن هجوم عشوائي يتسبب في مقتل وإصابة المدنيين”.