في تحليله لتصاعد الاحتجاجات في الدولة العبرية، تناول أنشل بفيفر، في مقاله نشرته فورين بوليسي/ Foreign Policy، سؤالا يلوح في الأفق حول المعركة الدائرة بين حكومة نتنياهو والمتظاهرين الذين يحاولون منع اعتداء رئيس الوزراء على القضاء في البلاد. وهو: أي جانب سيأخذ حراس البوابة؟
يشير بفيفر، وهو مراسل مجلة “الإيكونوميست” في الأراضي المحتلة، إلى أنه منذ أسابيع، برز البيروقراطيون الأقوياء، الذين يديرون اقتصاد البلاد، وخدماته الأمنية، والمؤسسات الرئيسية الأخرى. أغلقوا قطاعات الاقتصاد، وألغوا الدراسة الجامعية، وقطعوا الخدمات في السفارات في جميع أنحاء العالم. مما زاد بشكل كبير من المخاطر، وأجبر نتنياهو على تأجيل التصويت فى الكنيست حول تشريع يستهدف المحكمة العليا.
أمس الاثنين، تحدث نتنياهو محاولا تهدئة الجماهير الثائرة. قال: “أنا كرئيس للوزراء، أستغرق وقتا للحوار”. متعهدا بالتشاور مع أحزاب المعارضة بشأن التشريع.
لكنه، في الواقع، تجنب مواجهة أوسع، حول قضية أدت إلى احتجاجات غير مسبوقة، أثارت موجات من العصيان بين جنود الاحتياط، والتشاجر حول مستقبل ديمقراطية البلاد.
لكن، وفق مراسل الإيكونوميست، فإن مصير التشريع -وائتلاف نتنياهو الحاكم- يظل غير مؤكد.
اقرأ أيضا: عصيان داخل الجيش واحتجاجات وإضرابات.. ماذا يحدث في إسرائيل؟
تقييد المحكمة
كانت الأزمة التي استهلكت إسرائيل قد أطلقتها حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، التي شرعت بعد أيام من تنصيبها في أواخر ديسمبر/ كانون الأول، في خطة طموحة، من شأنها أن تضعف بشكل كبير صلاحيات المحكمة العليا.
ولاسترضاء أحد الفصائل في ائتلافه، الذي دفع باتجاه تصويت سريع في البرلمان، وافق نتنياهو أيضًا على النظر في تشكيل قوة أمنية جديدة تحت السلطة المباشرة لوزير الأمن القومي -اليميني المتطرف- إيتامار بن جفير. وسيعرض الاقتراح على الحكومة الأسبوع المقبل لاتخاذ قرار بشأنه، وفقا لاتفاق مكتوب بين الرجلين وزعه بن جفير.
بدت المصلحة واحدة، حيث يأمل نتنياهو من التحصن تجاه أية محاكمات، بينما ينظر الكثير من اليمين الإسرائيلي إلى المحكمة على أنها ناشطة بشكل مفرط، وقلعة لليبرالية تدافع عن الحقوق الفلسطينية، على الرغم من أن سجلها في هذه القضية مختلط كما يقول بفيفر.
يضيف: يمكن للقوانين المقترحة أن تغير هيكل السلطة في البلاد بشكل كبير، ويمكن أن تصبح ممكنة بسبب ثغرة تاريخية: لا يوجد لدى إسرائيل دستور مكتوب ينظم توازن القوى بين السلطة القضائية والبرلمان والسلطة التنفيذية.
ردا على ذلك، خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع، احتجاجا على ما يرون أنه انتزاع للسلطة، ومحاولة من قبل نتنياهو للتخلص من محاكمته الجارية بتهمة الرشوة والاحتيال المزعومة.
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمؤسسة الأمنية، عندما أعلن الآلاف من جنود الاحتياط أنهم لن يقدموا تقاريرهم للخدمة. بما في ذلك الطيارون المقاتلون، وضباط المخابرات في الوحدات الإلكترونية الحيوية في إسرائيل.
من يسود؟
كان وزير الدفاع يوآف جالانت قد حذّر نتنياهو سرا من أن التمرد البادي على نطاق غير مسبوق وسط جنود الاحتياط من شأنه أن يشكل تهديدا لأمن إسرائيل.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، دعا جالانت إلى تأجيل التشريع. لكن بعد فترة وجيزة، قام نتنياهو بطرده.
أدى ذلك إلى جولة جديدة من الاحتجاجات، وإضرابًا عام، أجبر نتنياهو على تأخير التشريع. ومع دخول البرلمان عطلة الأسبوع المقبل، فقد يستمر هذا التأجيل ستة أسابيع.
لكن، يلفت كاتب التحليل إلى أنه “على الرغم من أن نتنياهو يُنظر إليه الآن على أنه ضعيف، إلا أن برنامجه التشريعي لم يمت”.
يؤكد: لا يزال -نتنياهو- يحكم بأغلبية في البرلمان الذي يضم الفصائل، التي تريد أن ترى المحكمة العليا مهمشة.
وإذا فشلت المفاوضات مع المعارضة واستمر التشريع، فإن أحد الاحتمالات هو أن المحكمة العليا ستلغيه، مما يتسبب في مواجهة بين مكونات الحكومة الائتلافية .
هنا، في هذه الحالة، سيكون رد فعل “حراس البوابة” -وعلى وجه التحديد رؤساء الأفرع الأمنية- أمرا محوريًا مرة أخرى.
في الأسابيع القليلة الأولى من عمر الحكومة، بينما كانت الاحتجاجات تتسارع، كان السؤال -همسًا- حول من ستطيع قوات الأمن. الحكومة أم المحكمة العليا؟
يقول بفيفر: لا أحد يريد أن يُنظر إليه على أنه يدعم أي شيء حتى يشبه الانقلاب العسكري. لكن، الاحتجاجات توسعت لتشمل كبار الاقتصاديين، قطاع التكنولوجيا الفائقة -غير السياسي عادة ولكن ذا النفوذ الكبير- وآلاف الضباط في قوات الاحتياط، والذين وقعوا على التماسات يقولون إنهم “لن يخدموا ديكتاتورية”.
نتيجة لذلك، أصبحت الإجراءات المحتملة لكبار قادة الأمن الأربعة -الذين يديرون الجيش والشين بيت والموساد والشرطة- موضوع تكهنات عامة متزايدة.
اقرأ أيضا: تهور نتنياهو يدفع آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع
محاكاة الفوضى
قبيل الانفجار الجماهيري، بثت إحدى القنوات التلفزيونية الإسرائيلية محاكاة لسيناريوهات كان على الشرطة والجيش الاختيار بين طاعة الحكومة أو المحكمة العليا. وقد شارك في المحاكاة جنرالان متقاعدان من الجيش، واثنان من كبار قادة الشرطة السابقين.
وقد قال ثلاثة من الأربعة إنهم كانوا سيطيعون المحاكم. بينما قال واحد فقط إنه كان سيظل موالياً للحكومة.
فقد أشار رئيس الموساد الأسبق، إفرايم هاليفي، إلى أنه لا توجد قواعد سابقة أو مكتوبة حول ما يجب عليهم فعله في مثل هذه الحالة “إنها منطقة مجهولة”.
بينما قال موشيه يعلون، رئيس الأركان ووزير الدفاع السابق: “لا شك في أن واجبهم هو إطاعة القانون، مما يعني أن المحاكم والنائب العام موجودون لتوجيههم. أنا متأكد من أنهم سيفعلون هذا في أزمة دستورية”.
يقول بفيفر: لن يعني ذلك بالضرورة انقلابًا عسكريًا شاملاً بدبابات تطوق البرلمان الإسرائيلي وسيطرة قوات الكوماندوز على مباني الحكومة. بل السيناريو الأكثر واقعية هو أن رؤساء الأجهزة يرفضون ببساطة تلقي أوامر من رئيس الوزراء ومجلس وزرائه. وبدلاً من ذلك يأخذون التوجيه من مستشاريهم القانونيين، الذين سيوجهون بدورهم من قبل المدعي العام.
لكن حتى هذا السيناريو سيكون كابوسا دستوريا. ليس لنتنياهو نائب يمكنه تولي المسؤولية مكانه. بالفعل، هناك “نواب رئيس وزراء” بالاسم فقط، لكن ليس لديهم صلاحيات لتولي المنصب في غياب رئيس الوزراء.
أيضا، إن أي بديل مؤقت يجب أن يوافق عليه مجلس الوزراء.
هنا، من غير المرجح أن توافق الحكومة على استبدال نتنياهو، ولو مؤقتًا.
إذا لم يكن رئيس الوزراء.. فمن سيكون المسؤول؟
في استطلاعات الرأي العام، يعتبر الجيش الإسرائيلي هو المؤسسة الأكثر ثقة في البلاد. فهي منظمة كبيرة بشكل غير متناسب لدولة يزيد عدد سكانها قليلاً عن 9 ملايين مواطن، وهي أكبر رب عمل في إسرائيل. حيث خدم معظم الإسرائيليين فيها في مرحلة ما، ولا يزال الكثير منهم جنود احتياط.
ومع ذلك، فإن الجنرالات لم يقتربوا من تحدي الحكومة علانية. بالنسبة للعديد من الإسرائيليين، يظل مثل هذا السيناريو غير وارد حتى الآن. لكن يعلون، قائد الجيش السابق والعضو السابق في حزب نتنياهو -المنفصل الآن عن رئيس الوزراء- يعتقد أن “الأمر قد يستغرق أسابيع”.
يقول: “في الوقت الحالي، أصبح دور رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ومفوض الشرطة، أكثر صعوبة. حيث يتعين عليهم الظهور في الأماكن العامة، وتقديم نوع من التوجيه إلى مرؤوسيهم والجمهور الأوسع.
وبينما نادرا ما يظهر رؤساء الموساد والشين بيت علنا، وهو ما يمكنهم عادة من التزام الصمت. لكن بمجرد حدوث أزمة دستورية، فإنهم يواجهون المعضلة الأكبر لأنهم يعملون مباشرة مع رئيس الوزراء.
كذلك، إذا تم التشكيك في شرعية رئيس الوزراء وحكومته، فقد تكون هناك تداعيات عسكرية فورية.
يتساءل بفيفر: يتم تفويض العمليات عبر الحدود التي قد يتعرض فيها الأفراد للخطر من قبل رئيس الوزراء شخصيًا. ماذا سيفعل رئيس الموساد دون أن يعطيه رئيس الوزراء الضوء الأخضر؟ وحدة الشاباك 730 مسؤولة عن أمن رئيس الوزراء. هل سيستمر أعضاؤها في مرافقته إلى مكتبه والحفاظ عليه آمنًا إذا قضت المحاكم بعدم أهليته للخدمة؟
وهل سيتمكن رؤساء القطاعات من الحفاظ على النظام داخل أجهزتهم، التي تمثل قواتها طيفًا سياسيًا واسعًا، بما في ذلك مؤيدون ومعارضون للحكومة؟