فوجئت بصدور أمر إداري صادر من مكتب المحامي العام لشؤون الأسرة بنيابة الإسكندرية، واضعا قواعد إدارية جديدة فيما يخص قيد الاستئنافات أو الحصول على الصيغ التنفيذية من الأحكام أو الصور الرسمية، أو ختم خطابات التحري عن الدخل اللازمة في قضايا النفقات، إلا بعد أن يقوم صاحب الشأن بسداد الرسوم المستحقة أو المطالبات المالية المستحقة على الدعاوى فيما يخص استئناف الاحكام، أو بعد استخراج صورة رسمية من محاضر الجلسات من المكاتب الأمامية فيما يخص خطابات التحري، وذلك كله حسب ما ورد في ذلك القرار نفاذا لاستراتيجية النيابة العامة بالتحول الرقمي ومتابعة الأعمال الإدارية ولحسن سير وانتظام سير العمل بالنيابات. وقد جاء هذا الأمر الإداري مستندا على القرار رقم 74 لسنة 2022 والصادر بتاريخ الأول من نوفمبر سنة 2022، وهذا ما يعني أن ذلك الأمر قد تم تعميمه على مستوى الجمهورية.
اقرأ أيضا.. مهنة المحاماة والعمل القانوني والفاتورة الإلكترونية
وبداية، فإنه من المعلوم قانونا أن المطالبات المستحقة على القضايا تكون ملزمة ونافذة في حق خاسر الدعوى، وأن من يقوم باستخراج الصيغة التنفيذية هو من كسب الدعوى، ويسعى إلى تنفيذ الحكم الصادر فيها، إذن فكيف يمكن إلزامه بسداد ما هو غير مستحق عليه، وهو البديهي مستحق على خصمه في الدعوى، هذا من ناحية استخراج الأحكام والصيغ التنفيذية. أما عن خطابات التحري، وهي للعلم خطاب يصدر بناء على تصريح من القاضي المنظورة أمامه الدعوى بأن يقوم المدعي باستخراجه في صيغة رسمية للتحري به عن دخل المدعى عليه في قضايا النفقات، فيتقدم به إلى الجهة المراد التحري منها للرد بما يفيد عن قدر دخل المدعى عليه، فكيف يتم تعقيد الأمر بأن يكون ذلك غير ممكن إلا بعد استخراج صورة رسمية من محضر الجلسة، وهو الأمر الذي يعني ضياع مزيد من الوقت والجهد والمال.
وفي البداية لابد من لفت الانتباه إلى كون التوجه نحو التحول الرقمي في منظومة العدالة أمرا محمودا، يجب أن يكون هدفه الرئيسي هو السرعة في الإنجاز والدقة، وليس التعقيد عن طريق المزيد من الإجراءات أو زيادة الكلفة المالية على أطراف التقاضي بشكل عام في جميع أنواع التقاضي، أما بخصوص قضايا الأحوال الشخصية وهي أمر خطير يمس حاجة نسائية ملحة فرضتها على المرأة الظروف المجتمعية التي دفعتها جبرا إلى اللجوء إلى ساحات المحاكم للحصول على حكم ملزم بنفقة تعين الزوجة، سواء كانت بمفردها أم معها أطفال على تبعات الحياة، وهو ما يقتضي عدم تكبيلها بالمزيد من الأعباء المالية أو الزخم الإجرائي.
وعلى الرغم من احترام الجميع ودعمهم لاستخدام التقنيات الحديثة والسبل التكنولوجية في كافة مناهج الحياة، وبشكل أخص فيما هو متعلق بشؤون العدالة والتقاضي، إلا أن الأمر لا يجب أن يمر بإجراءات تزيد من الأعباء المالية على المتقاضين، وبشكل أخص فيما هو متعلق بقضايا الأحوال الشخصية” فيما يخص المرأة، لكونها لا تلجأ إلى التقاضي إلا للحصول على ما هو ممتنع حصولها عليه بشكل ودي، كما وأنها في تلك الأحوال تتطلب دعما وليس تعقيدا في الأمور، وأن وجود مثل هذه التحديثات لا يجب أن يكون سببا في زيادة الأعباء المالية على المرأة، وقد سبق لمحكمة القضاء الإداري بالمنصورة أن قضت بإلغاء قرار مدير إدارة نيابات الأسرة فيما تضمنه من تحصيل مبالغ إضافية ورسوم على استخراج الشهادات والأحكام، وذلك في القضية رقم 6955 لسنة 43 قضائية، وقد جاء في تسبيب ذلك الحكم أنه تعد القضايا الأسرية، والعمالية من القضايا الاجتماعية الملحة، التي مال المشرع إلى تسهيل إجراءات التقاضي فيها، والتخفيف عن المتقاضيين، لما لها من طابع انساني خاص، كما أن الصيغ التنفيذية بالقضايا المدنية، ومجلس الدولة تصدر بالمجان، فكان من الأولى النظر إلى تلك الفئات.
وإذ إنه لما كان الدستور قد أقام من استقلال القضاء وحصانته ضمانين أساسيين لحماية الحقوق والحريات فقد أضحى لازما –وحق التقاضي هو المدخل إلى هذه الحماية– أن يكون هذا الحق مكفولا بنص صريح في الدستور، كي لا تكون الحقوق والحريات التي نص عليها مجردة من وسيلة حمايتها بل معززة بها لضمان فعاليتها، وحيث إنه إذا كان ذلك وكان الالتزام الملقى على عاتق الدولة وفقا للنصوص والمبادئ الدستورية، فإن ذلك يقتضي تمكين كل متقاض من النفاذ إلى القضاء نفاذا ميسرا لا تثقله أعباء مالية ولا تحول دونه عوائق إجرائه، وكان هذا النفاذ، بما يعينه من حق كل فرد في اللجوء الى القضاء، وهذا ما تؤكده نصوص الدستور في حرصها على أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي قد دل على أن هذا الحق في أصل شرعته هو حق للناس كافة لا يتمايزون فيما بينهم في مجال اللجوء إليه وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعا عن مصالحهم الذاتية.
كما تمثل الزيادة المتكررة في الرسوم القضائية سواء كانت رسوم رفع الدعاوى أو رسوم مباشرة بعض الإجراءات من الأمور التعجيزية التي تثقل من مباشرة حق التقاضي ذاته وتشكل حائلا بين غالبية المواطنين المصريين والولوج لمرفق القضاء لاقتضاء حقوقهم عبر السبل الشرعية المرسومة بموجب الدستور، وفي ظل المتغيرات الشديدة والمتلاحقة التي تمر بها الدولة المصرية خاصة في السنوات الأخيرة والشعور بعدم الاستقرار وفقدان الإحساس بالأمان فان القضاء المصري المحمل بالمشاكل والهموم المتمثلة في البطء الشديد في التقاضي والفصل في الدعاوى، وازدحام المحاكم وزيادة عدد القضايا وقلة عدد القضاة، فيمثل قرارات زيادة الرسوم عبء جديد على عاتق المواطن يجعل من التفكير في حلقات التقاضي للبحث عن العدالة واقتضاء الحقوق بشكل مشروع وسيلة غير مأمونة سواء من حيث زيادة الرسوم بداية، أو من خلال الرسوم التي تفرض بعد الفصل في الدعاوى.
ومن هنا فلابد للدولة ممثلة في سلطاتها ألا تسعى وهي في سبيلها لتطوير منظومة القضاء والعدالة أن يكون ذلك سببا في زيادة الأعباء المالية على المتقاضين بشكل عام وشامل، وبشكل أخص يما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية والولاية على النفس والمال، إذ أن هذه الفئات لا تلجأ غلى القضاء إلى وهي في حالة من الضعف والفقر المالي، وهو الأمر الذي يقتضي أن تدعمهم الدولة، لا أن تزيد من أعبائهم.